ما يقلقني في ثورة مصر، هيمنة الرغبة في الانتقام ومحاولة هدم الماضي... زار تونس في بعض ساعات، كمرشح للامانة العامة للجامعة العربية.. لم يشأ أن يحدث ضجة من حول زيارته.. اكتفى بمقابلة بعض المسؤولين.. شرح موقفه، وعرض أجندته ملتمسا مساندة تونسية من دون أن يفصح عن نتائجها.. الدكتور مصطفى الفقي، أحد الشخصيات المصرية المرموقة، قومي عروبي حتى النخاع، لكنه يتميز بموقف نقدي، اضطر لمغادرة التيار الناصري، اختلف مع الرئيس المصري المخلوع في قضايا ومواقف وسياسات عديدة، رغم أنه بلغ مراتب متقدمة في مناصب بالدولة المصرية.. حول رؤيته للجامعة العربية.. والشأن المصري بعد الثورة.. والوضع الليبي.. والعلاقة مع إسرائيل.. ودور الحلف الأطلسي في ليبيا.. والمستقبل السياسي لمصر، كان لنا لقاء معه بأحد الفنادق بقمرت فاتحا صدره لأسئلة «الصباح» التي أبى إلا أن يخصها بهذا الحوار الذي ننفرد بنشره.. أجرى الحديث صالح عطية
أنتم قادمون من مصر، كيف هي حال الثورة هناك؟ وماهي مآلاتها؟
الثورة المصرية ما تزال في حالة المخاض والتغيير، وهناك بعض المظاهر الاحتجاجية.. الأمور لم تستقر بعد وربما هي لن تستقر قبل ان تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية ويأتي رئيس مدني، ويشكل لجنة لوضع دستور. قبل ذلك لا أتصور ان الامور ستهدأ على الاطلاق.. لدينا بعض الانفلاتات الامنية بسبب انهيار جهاز الشرطة خلال الثورة.. المصريون متيقنون بأن المستقبل سيكون أفضل على المدى البعيد، لكنهم يشعرون بأن الكثير من المشكلات ستواجههم على المدى القصير، مثلما يجري عندكم في تونس..إنما الملاحظة أن شباب الثورة، شديد النقاء ويرفض كل ما يتصل بالماضي بشكل حاد للغاية، ربما ليس هذا المطلوب بالضبط، لأن الحياة فيها تواصل بالضرورة، فليس كل من عاش في الفترة السابقة للثورة كان فاسدا، وللأسف فان هناك من بات يتصور ان الحياة تبدأ من 25 جانفي، مثلما تبدأ عندكم في تونس الحبيبة يوم 14 جانفي..
كيف تبدو لك الأمور في هذا الخضم؟
أشعر أن هناك حالة فهم خاص للحرية، الكثير من الطلبة يطلبون تسهيلات دراسية غير مسبوقة، العمال والنقابيون تضخمت مطالبهم، فكأنها فرصة لكل من يريد أن يقول شيئا، أو أن يفعل شيئا..
كيف تتصور مستقبل مصر في ظل هذه الهزة الشديدة التي هزت البلاد، وما يرافقها من حركة مطلبية في مجتمع الثمانين مليون مصري؟
أعتقد أنه خلال سنوات قليلة، في مصر كما في تونس، سوف يحدث تحسن اقتصادي ضخم، وسوف تتدفق الاستثمارات وتنشط السياحة، بحيث يشعر الآخر، باحترام للبلد، باعتباره بلدا فيه إرادة شعبية حقيقية، وتمكن من ضرب الفساد بشدة، واستطاع ان يواجه القمع، كل هذه المسائل تعطي نوعا من الاحساس بالإعجاب في الخارج، وعندما تستقر الأمور سنستفيد بشكل ملحوظ، لكنني أتصور أن تسبق ذلك بعض الاختناقات الاقتصادية والمشكلات التموينية وربما ظروفا اقتصادية صعبة.. المهم أننا مهيأون لهذا في مصر.. ما يقلقنا فعلا، هو توقف عجلة التنمية، وهيمنة الرغبة في الانتقام ومحاولة هدم الماضي، دون أن يكون لدينا نفس الحماس لبناء المستقبل..
البعض يعتبر أن الخروج من هذه الدوامة هو إحالة المفسدين في النظام السابق على القضاء ومحاكمتهم بتهم الفساد ما رأيك في هذا الشأن؟
لا أحد يعلو رأسه فوق القانون، وسيادة القانون ينبغي أن تكون الشعار الأساس، لأن تعريف الدولة الديمقراطية كونها دولة القانون.. وأعتقد أن أمر النظر في رموز الفساد، يجب أن يترك للقضاء، بحيث لا يتوقف الشعب المصري أو الشعب التونسي عند من سيحاكم وكيف ومتى وغير ذلك من التفاصيل، وإنما تحال هذه القضايا على العدالة، ونترك للقضاء النظر في الملفات..
بالنسبة للرئيس مبارك، هل ستتم محاكمته فعلا، أم سيقع الالتفاف على ذلك، بعد ان تررد ممارسة بعض الدول ضغوطا للحيلولة دون ذلك؟
بالنسبة لمبارك، فهو الذي وضع نفسه في هذه الورطة.. كان يستطيع الهجرة، بل كان ينبغي عليه أن يهاجر، ولكنه توهم مثل بن علي أنه سوف يذهب الى شرم الشيخ لمدة أسبوع، وسيتولى آخرون ترتيب الأوضاع من جديد ثم يعود وكأنه في إجازة.. ولو أنه علم أن الأمور ستتطور على النحو الراهن، لكان قد رحل إلى السعودية أو الامارات أو لألمانيا للعلاج، ولكنه لم يفعل..
كيف يبدو شعور المصريين إزاء الرئيس المخلوع؟ ما الذي يطالبون به تحديدا؟
ثمة شعور انتقامي حاد.. ويؤسفني أن أقول أننا لسنا في فترة انتقالية، بقدر ما نحن في «مرحلة انتقامية».. لاشك أن هناك أقلية ترى أنه رجل عجوز ومريض وليترك لسبيله، وآخرون يقولون: ليعد إلينا المليارات المسروقة ويذهب إلى حاله.. والجزء الأكبر يقول لا، إنه قاتل، ولدينا 800 إلى 1000 شهيد في الأحداث، فلابد أن يدفع الثمن كأي مواطن آخر، ولابد من محاكمته على ذلك، ولو أدى الأمر إلى أقصى العقوبة.. فلا رحمة في هذا..
الموزاييك الحزبي في مصر إلى أين يتجه الآن؟ منْ منَ الأحزاب المصرية التي تملك حظوظ الامساك بالسلطة في المرحلة المقبلة؟
الساحة السياسية المصرية مهيأة أكثر من أي وقت مضى للتيارات الدينية، لأنه ظهر من خلف الكواليس فجأة، من نسميهم السلفيين، وهم من أنصار السنة وتطبيقها، ولهم بعض الميول المتصلة بمذاهب دينية متشددة.. ولكنهم ليسو قوة سياسية مدربة، القوة السياسية المحترفة هي جماعة الاخوان المسلمين، فلديها 83 سنة، فهذه الجماعة غيرت خطابها السياسي بذكاء، بدأوا يتحدثون عن ولاية المرأة، وولاية المسيحي، أنا شخصيا دعيت إلى أحد اجتماعاتهم، وأجلسني المرشد العام على يمينه في حوار معي، ولاحظت أن لديهم قدرا كبيرا من المرونة، لا يتحدثون على أحد بألفاظ جارحة، وأعتقد أنهم يحركون التيارات الاعلامية في الدولة.. هم لم يقوموا بالثورة، مثل كل الأحزاب والزعامات، رغم أنهم يمثلون ثلثها، لكنهم من الذكاء بحيث استطاعوا أن يحصدوا ثمار الثورة، وأنت تعلم أن الثورة يقوم بها المخلصون ولكن يحصد ثمارها الأذكياء.. فهم بعد إمامة الشيخ القرضاوي الصلاة في ميدان التحرير، أصبحوا يشعرون الناس كما لو كان كل مسؤول، لابد أن يأتي ببركتهم ورضاهم..
إلى هذه الدرجة؟ أليس في ذلك نوع من المبالغة؟
أعطيك مثلا.. رئيس الوزراء المصري الراهن، ليس من الاخوان المسلمين، ولكن في ميدان التحرير رفع يده أحد زعماء الاخوان، كأنها إشارة «نحن هنا».. هذه الجماعة تعلن وهذا شيء غريب جدا أنها لا تنوي ترشيح أحد منها لرئاسة الجمهورية، وأنها تتطلع لأن تكون معارضة مؤثرة داخل البرلمان.. أعتقد أنهم يفكرون في 150 الى 200 مقعد من مجموع 450 مقعدا في البرلمان، لكن هذه مرحلة.. فهم صبورون جدا في العمل السياسي تاريخيا، وفي مرحلة لاحقة سيسعون إلى الحصول على أغلبية برلمانية وتكون لهم إمكانية تشكيل الحكومة.. على فكرة، منصب الرئاسة لا يعنيهم، خصوصا وأننا نفكر جديا في مصر في النظام البرلماني..
على ذكر هذا النظام، البعض يتخوف منه ويعتبره مدخلا لعدم استقرار الحكومة، ويستعيضون عنه بالمزاوجة بين النظام البرلماني والرئاسي. ماهو رأيك وأنت أستاذ للعلوم السياسية؟
أفضل النظم اما الملكية الدستورية أو النظام البرلماني، ولا بديل عنهما..لقد عملت كديبلوماسي في الهند وفي بريطانيا والنمسا، وهي جميعها أنظمة برلمانية، وهناك رئيس الدولة يملك ولا يحكم، فهو رمز.. وهي فكرة تفتت فكرة الفرعونية المتجذرة عندنا كثيرا في مصر، وفي النظام الرئاسي، يستفيد الرئيس من صلاحياته التي تجعل منه فرعونا حقيقيا، فلا تستطيع مواجهته، وقد عايشنا ذلك تاريخيا..
ماهو دور الجيش اليوم؟ وهل يكون «المخزن» للسياسة المصرية في المستقبل، حتى بعد تسليمه الحكم للمدنيين؟
شوف..الجيش المصري الآن، مختلف عن صنوه في العام 1952.. ليست لديهم شهوة الحكم، ولا الرغبة في السلطة، ولا ممارسة السياسة..
حتى إدارة السياسة من خارج الحكم..؟
هم يشعرون فقط، أنهم ألقيت عليهم مسؤولية ثقيلة جدا، يجب ان يديروها بجدّ أدنى من التدخل، وأن يتركوا للرئيس القادم اتخاذ القرارات الكبرى، كما يريد في ظل برلمان، وفي الحقيقة هم «عاوزين» يغادرون الحكم، ولو سألتهم هل تريد أن تذهب غدا، سيقولون لك: «أريد أن أذهب بالأمس».. علاوة على ذلك، هم شرفاء في التعاون، فلا يرغبون في الاستمرار بالسلطة، هم يقومون بإدارة البلاد، كما لو كانوا مندوبين عن الثورة.. الجيش عندنا كما هو عندكم حمى الثورة المصرية ولم يقمع شبابها ولم يطلق عليهم الرصاص، وعندما دعي لتولي الحكم المؤقت لم يتردد حفاظا على مسار البلاد ونجاح الثورة..
د.مصطفى الفقي، لماذا لم يترشح إلى رئاسة الجمهورية؟
أعتقد أن المسألة غير يسيرة في هذه المرحلة الانتقالية.. والاجيال الجديدة لديها تفكير خاص ومختلف عن الرئيس القادم.. أنظر الى عمرو موسى، وكيف يتصرف معه الشباب، المشكل أنه ليس لدينا كوادر منهم للحكم، وحبذا لو كان لنا شاب بإمكانه قيادة البلاد، كنت سأدعمه بلا تردد، المرشحون اليوم معظمهم تجاوز عتبة الستين إلى السبعين..
هل معنى هذا أن المجتمع سيرفضهم؟
ليس بالضرورة.. فعمرو موسى والبرادعي من المتقدمين، عبد المنعم أبو الفتوح متقدم أيضا، إضافة إلى البسطتويسي وغيرهم.. لكنني أعتقد أن الرئيس القادم، سيظهر من بين الصفوف فجأة..
لكن كيف سيظهر هذا «المهدي المنتظر»؟
أولا العسكريون ليس لديهم نيّة لترشيح أحد..
ولن يدفعوا بأحد في تقديرك؟
هذا وارد.. فاسم عصام شرف، رئيس الوزراء وارد، ونبيل العربي وزير الخارجية مطروح..
التدخل الخارجي في الثورات العربية، كيف تراه؟
الثورات نتيجة تراكمات داخلية مختلفة، سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية..
هذا بالنسبة لوقودها ودوافعها لكن هل أن فرنسا أو الولاياتالمتحدة لا يعنيهما ما يجري في تونس أو مصر أو ليبيا؟
أول ما ظهرت تسريبات ويكليكس، انتابتني بعض الشكوك، واعتبرتها إشارات مبكرة لفضح عدد من النظم في الشرق الأوسط، طبعا الأمريكان ليسوا حريصين على بلداننا ولا على الديمقراطية في المنطقة، لكنهم يريدون نظما مستقرة تحمي مصالحهم.. لاحظ أن هذه النظم هرمت وشاخت وفسدت ولن تحميهم.. سأقول لك أمرا غريبا، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس لديها مانع في التعامل مع التيارات الاسلامية في العالم العربي، بل قد ترحب بذلك.. ما دام ذلك خيار الشعوب، وما دامت هذه التيارات قابلة باللعبة الديمقراطية، فلا مانع لديها.. الغرب لم يقم بهذه الثورات في تونس أو في مصر، لكنه تابعها وحاول أن يجني ثمارها، أو على الأقل تكييفها وفقا لأوضاعه ومصالحه، حتى لا يخسر الكثير في ظل الأوضاع التي تغيرت..
في هذا السياق، هل لدى إسرائيل لعبة ما فيما يجري من ثورات في العالم العربي، ونحن نلاحظ في المقابل صمتا إسرائيليا إزاء ما يجري؟
هذا سؤال مهم للغاية، فأثناء الثورة المصرية أعلنت تل أبيب أن مجلس الوزراء المصغر في حالة انعقاد دائم، وبدأ الجيش المصري ينظر إلى الجبهة الشرقية للحيلولة دون أي تدخل، خصوصا وأن سيناء ما تزال مصدر طمع إسرائيلي.. وغداة خروج مبارك، أعلنت القوات المسلحة أن الادارة الجديدة المؤقتة ملتزمة بكافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية والاقليمية حتى تنتزع المخاوف لأن هذا ليس ظرف المواجهة على الاطلاق.. مصر لن تتراجع عن السلام، إنما قد تفكر في مرحلة قادمة في تعديل بعض بنود المعاهدة..
هي لن تلغيها إذن؟
لا لن نلغيها.. مصر ستظل ملتزمة بهذه الاتفاقية التي اتفق عليها الرأي العام المصري.. خلاص..
الشعب المصري ضد هذه المعاهدة، وكانت فعالياته طالبت بإلغائها..
لكن هل تستطيع أن تدخل حربا الآن.. التعديل والمناقشة شيء، إنما أن تحارب، هذه قضية أخرى.. ولا يوجد مصري يطلب الحرب، والظروف الاقتصادية والاجتماعية غير مواتية..
في أي اتجاه سيكون التعديل؟
ربما يتصل بالوجود العسكري في سيناء.. وهذه مسألة مزعجة جدا بالنسبة لنا.. ثم قد تناقش بعض الأمور التي تربط بين السلام مع الدول التي وقعت، والقضية الفلسطينية نفسها.. وقد يكون البرنامج النووي الاسرائيلي أحد البنود المطروحة للنقاش.. إذ من غير المعقول أن تكون لديك ترسانة نووية وتمنعني من الاستفادة من النووي، «حلال علي، حرام عليك»، وهذه كلها أفكار مطروحة، لكنها لم تتبلور بعد، وعموما أعتقد أنه لا المجلس العسكري ولا الحكومة ولا الأحزاب ولا الإخوان المسلمون بإمكانهم إلغاء اتفاقية السلام.. وأقصى ما يمكن المطالبة به، هو تعديل بعض البنود فيما بعد..
نأتي الآن إلى ترشحك للامانة العامة للجامعة العربية. لماذا هذا الترشح الآن؟ وأين تضعه؟
مساري الكامل ارتبط بالتاريخ القومي، ومارست السياسة في الحقل القومي الناصري، وظل هذا توجهي في حياتي.. والمجلس العسكري لم يرشحني إلا بعد أن أستطلع الرأي العربي الرسمي، ووجد أن لدي حظوظا في هذا الاتجاه، بل ربما كنت أوفر المرشحين المصريين حظا.. التقيت بعديد الأطراف، منها ائتلاف الثورة ومكتب تنسيق قيادات الثورة ومعظم هؤلاء تفهم موقفي. لكن المعركة ليست سهلة، فهناك مرشح قطري محترم، لم يحدث أن جاء أمينا عاما للجامعة العربية بالتصويت، نرجو أن يتم التوافق بيننا وبين الأشقاء في قطر حتى نعفي الدول المختلفة من الحرج..
السودان لماذا تحفظت عن ترشيحك؟
عندما تتحفظ، تستطيع أن تبلغ الدولة أنك متحفظ على فلان، لكن الاعلان عنه في مؤتمر صحفي بتلك الطريقة، كان رسالة موجهة لغيرنا وليس لنا..
لمن؟
للطرف القطري تحديدا، وهم قالوها صراحة.. وقد ذهبت إلى السفير السوداني في القاهرة، وتحادثت معه، فأشار إلى ندوة في ديسمبر الماضي في المجلس المصري للشؤون الخارجية، تضمنت بعض المواقف التي اعتبرت مسّا بالسودان..
هل قلت شيئا أغضب السودانيين؟
أنا قلت بوضوح أن الشمال لم يتمكن من أن يجعل الوحدة خيارا جاذبا مع الجنوب، وهذا رأيي، وبالطبع فسرت له أن ذلك لم يكن مسّا من الشعب السوداني.. وتركنا لهم حرية الاختيار..
في العالم العربي، من تتحسس أنه ضد الدكتور مصطفى الفقي؟
لا يوجد من الناحية العملية.. وأعتقد أننا في العالم العربي نحن أمة واحدة.. تدوير المنصب منطق سليم، المشكلة أننا حولنا الموضوع من تقليد مصري إلى تقليد عربي، حتى عندما ذهبت الجامعة الى تونس، أسندت الامانة العامة الى السيد الشاذلي القليبي، فربطنا دائما بين دولة المقر والأمين العام، بسبب التسهيلات التي يحصل عليها ذلك البلد.. تحدث الاخوة الجزائريون والقطريون عن تدوير المنصب، لا بأس في ذلك، ولكن هذه المرة بالذات، سحب المنصب من مصر بعد الثورة، يعطي إشارة سلبية للغاية.. يضاف إلى ذلك أن أمير قطر ذاته من الداعمين للثورة والحريصين عليها، وقناة الجزيرة أسهمت إسهاما كبيرا فيها، فتمشيا مع هذا السياق، ومن منطلق حبهم لمصر ولثورة شبابها، فالأمر يعدّ خصوصيا هذه المرة بالذات.
الجامعة العربية في أزمة.. والتعاون السياسي العربي في مأزق منذ عقود، والتجارة البينية العربية في وضع متدنّ جدّا، كيف ترى إصلاح الجامعة؟
ينبغي أن نتحدث عن محنة التنظيم الدولي عموما، الاممالمتحدة في نفس المشكلة.. القانون الدولي ضعيف وليس له قوة إلزامية، والجامعة فيها محنة التنظيم الدولي بشكل عام، يضاف إليها الانقسامات العربية، خصوصا وان الجامعة محصلة لإرادات الدول العربية، ترى من خلالها حالة العالم العربي، ومع ذلك دعني أطلب منك تصورا للعالم العربي من دون الجامعة.. لكن مع كل ذلك فالجامعة تعاني مشكلات.. والاخ عمرو موسى شخصية قوية، وقد حاول التغيير، وتدخل في العراق والصومال ودارفور واقتحم مجالات كثيرة، ولكن الجامعة تحتاج الى تصور جديد يجعل منها أكثر تخصصا في قضايا اقتصادية وثقافية وتعليمية، قضايا التصنيع والبحث العلمي.. محنة العالم العربي في التعليم.. محنتنا في استيراد غذائنا، وأن التجارة بين دولنا لا تزيد عن 3 في المائة..
هنالك من يتحدث عن منوال تنمية عربي..؟
بالضبط، أنا أريد مدرسة عربية في التنمية، تقوم على استخدام الميزة النسبية في كل قطر عربي لصالح الاكتفاء الذاتي في العالم العربي.. نحن فرحنا بالانفتاح الاستهلاكي، ولكننا لم نفكر في سياسات على المدى الطويل على مستوى العالم العربي كله، واستسهلنا قربنا من أوروبا لاستيراد كل ماهو قائم، وفرطنا في الكثير من مواردنا الطبيعية..
إرادة الدول العربية ستتحول مستقبلا إلى إرادة الشعوب بعد هذه الثورات..
(مقاطعا).. بالضبط، على الجامعة العربية أن تنصت لصوت الشعوب في المستقبل.. وشبابنا يتحدث عن سوق عربية مشتركة، وعن تواصل بين شباب العالم العربي وفتح المجال أمام الأجيال الجديدة.. ولكن الجامعة لن تفعل ذلك ما لم يكن هناك قبول عربي من نظم تغيرت، وهي تتغير..
كيف تنظر إلى الموضوع الليبي الراهن؟
أنا أخشى من تقسيم ليبيا.. وأرجو أن تصل الجهات التي تقوم بالوساطة إلى نوع من حل المشكلة الليبية.. حدثت مجازر وهناك دماء سالت، وعندما يسيل الدم، فان النهاية تكون قريبة..
هل تعتقد أن نهاية القذافي قريبة؟
لا أستطيع أن أتنبأ بدقة لأنني لست طرفا فيما يدور في الداخل..
التدخل الاطلسي يثير الكثير من الانتقادات..
أنا أشاطرك الرأي.. الحلف الاطلسي لم يتدخل من أجل الشعب الليبي، وإنما من أجل حماية مصالحه في ليبيا لكن هناك دول تشجع الثوار الليبيين، وفي مقدمتهم أذكر بكل شجاعة دولة قطر..
كيف تعلق على اتفاق المصالحة بين فتح وحماس؟
هذا خبر جيد، ودليل أن الدول القديمة ما قبل ثورة مصر وتونس، كانت تعطل هذه المصالحة، ووضع الأسافين بين الجانبين.. إنها النتائج الايجابية للثورات..