النظام القضائي التونسي كلّه في حاجة إلى مراجعة عميقة ، بإعتبار أن مرجعيته تآكلت من أساسها في البلد الّذي ابتدعه ونقلناه عنه، و قد تشوّه تماما في التطبيقات التونسية سواء في الماضي البعيد أو القريب.وقد أدت مختلف السياسات إلى جعله مجرّد إدارة ذات صبغة عمومية، ترصد لها، عمدا ،ميزانية تافهة، و توّظف طبق مشيئة ممن كانوا في هرم السلطة ، بل أيضا ممن هم من الأتباع و من الحاشية و أصحاب النفوذ السياسي والمالي.و لا يتعلّق الحديث هنا بالقضاة، وإنّما بالآلة الإدارية، و قد يكون من المحتّم لإدخال إصلاح حقيقي، تجنّب التوقف على سنّ تعديلات أو وضع قوانين جديدة بتسرّع، دون وضع إستراتيجية متطورة لإدخال تغييرات هيكلية عميقة تدرك مختلف الآليات الّتي تدير هذه الآلة الرهيبة. فإفراد كل جزء بإصلاحات خاصّة دون نظرة شمولية، سيسقط كل إصلاح في أخطاء ستكبح عاجلا أو آجلا الخروج من بوتقة المفهوم الإداري الصرف للقضاء، بحيث يُدفع القاضي إلى التصرّف بعقلية الموظّف المتوجّس، وتبقى السلطة القضائية المستقلّة مجرّد شعار .فمسألة إصلاح القضاء ليست فقط في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وكيفية إختيار أعضائه أو إنتخابهم، وليست فقط في وضع قانون أساسي للقضاة يتضمّن المبادئ العالمية المتّفق عليها دوليا، و إنّما تتعلّق المسألة بإعادة النظر في النظام القضائي برمّته وفي توفير أرضية إرساء سلطة قضائية فعلية في إطار نظام سياسي متوازن يمنع حياد السلط العامّة في هذا الإتجاه أو ذاك. وكل هذا لا يتحقّق في إطار ضيّق و إستجابة لمطلبية آنية ملحّة، و إنّما في كنف حوار عميق و شامل وقراءة متأنية لمختلف التجارب والتطبيقات بمشاركة أوسع الخبرات، لإرساء نظام قضائي جديد يستجيب لمتطلبات العقود المقبلة، مع ضمان حصانة فعلية تحول دون إخضاعه و لو لسلطة من صلبه، و إرساء ضوابط تتجنب منح السلطة المطلقة لأي مؤسّسة يمكن أن تزوغ بالتوازن. العفو العام بخصوص الشيكات مشروع المرسوم المتعلّق بالعفو العام بخصوص جريمة إصدار شيك بدون رصيد سيشمل كل الذين أصدروا شيكات و أُرجعت دون خلاص لإنعدام الرصيد أو لنقص فيه أو كان محل إعتراض قبل 14 جانفي 2011 .ويشترط للتمتّع بأحكام هذا العفو خلاص المتضرّر و المصاريف. المناشدون يناشدون حلاّ؟؟ مسألة حرمان من عرفوا بمناشدي الرئيس السّابق، من الترشح لإنتخابات 2011 مازالت تطرح تساؤلات عن كيفية التطبيق والتثبّت .و قد إتصل بنا عدد من الّذين وردت أسماؤهم في قائمات المناشدة، للتساؤل عن كيفية الطعن في هذه القائمات بدعوى أنّهم لم يسبق لهم أن أمضوا على أي عريضة أو وثيقة تثبت هذه المناشدة. ويبدو أن الخروج من الصمت أكثر من ثمانية أشهر كان بسبب المساس بحقّهم في الترشّح. بل أن البعض أكّدوا أنّهم لم ينتموا قط للحزب الحاكم السّابق و وردت أسماؤهم في تلك القائمات دون رغبة صريحة منهم أو مصادقتهم. ولو أن مقولة "الصمت علامة الرّضاء" يمكن أن تنطبق على كل من نشر اسمه في وسائل إعلام عمومية، باعتبار إستبعاد عدم حصول العلم لتناقل الخاص والعام هذه الأسماء و لتعبير آخرين ضمن عرائض علنية وبيانات حزبية على رفضهم أسلوب المناشدة، فإنّه من الوجهة القانونية البحتة، لا يمكن اعتبار نسبة أمر ما لشخص بصحيفة يومية دليلا على صحّة ما نسب لذلك الشخص. و لكن الظرف الخاص الّذي تعرفه البلاد و لما يُلحَقُ بشرعية الثورة ، و نظرا لأن أغلب من ناشدوا معروفون بجهرهم لولائهم اللاّمشروط للرئيس السّابق أو بإنتهازيتهم، ،فإنه يمكن أن يعهد للهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات بالنظر في طعون المتمسكّين بعدم مناشدتهم، و يكون لهذه الهيئة أو للجنة منبثقة عنها التثبّت في تلك الطعون ، إمّا بمراجعة أرشيف الحزب الحاكم السّابق وبقية المصادر ذات الصّلة أو بإعتماد مبادئ قانونية عامّة مثل "من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل" و"الأصل في الأمور الصحّة والمطابقة للقانون حتى يثبت عكس ذلك" و "إذا تعارضت منفعة عامّة ومنفعة خاصّة ولم يمكن التوفيق بينهما قدّمت العامة"...إلخ و مهما يكن من أمر يمكن ملاحظة بروز "معركة" مفتعلة أخرى، قد لا تكون غايتها غير مزيد التلهّي بالهوامش.و للتدليل على إمكانية توسّع رقعة الهوامش يكفي تصوّر قبول تظلّم البعض دون البعض الآخر، فعلى أي أساس سيقبل هذا و يرفض ذاك؟؟ الإدارة الجهوية للملكية العقّارية بمنوبة والخدمات السريعة !! الإدارات الجهوية للملكية العقّارية تعدّدت لمزيد تقريب الخدمات للمواطنين، و هذا التقريب لا غاية منه غير تقديم أفضل الخدمات للمواطنين. و بما أن العون الإداري مقيّد بتعليمات و ضوابط إدارية، فإن اللّجوء إلى المدير المسؤول يصبح أمرا طبيعيا و عاديا و ليس منّة من الجالس على كرسي الإدارة. لكن يبدو أن للإدارة الجهوية للمكية العقّارية بمنوبة رأيا آخر.فالمسؤولة الأولى لا تقبل المحامين أو غيرهم من طالبي الخدمات "المستعصية"إلاّ يوم الإربعاء و الرد يتلقاه الطالب من مكتب الإستقبال دون معرفة سبب المقابلة، بل إذا صادف يوم تحوّلك إلى هذه الإدارة يوم الإثنين أو الخميس فإنّه يطلب منك تسجيل اسمك في قائمة المنتظرين ليوم الإربعاء المقبل. (هكذا؟) لا أحد يشك في أن مشاغل السيد المدير كثيرة و لكن لا أحد يعتقد أن المحامي يطلب مقابلة سيادته لأمر بسيط... و لو إفترضنا أن سيادته يغرق في تفحّص ملفات في ضخامة مكتبة الجاحظ، فما عليه إلاّ أن يعيّن نائبا له يتلقّى النظر في الصعوبات الّتي تعترض صاحب الخدمة أو محاميه، إذ أن إدارة الملكية العقارية ليست شباكا لتلقي الوثائق أو للإطلاع فقط بل هي مرفق على درجة كبيرة من الخطورة...