كل من تابع خطاب الرئيس الأمريكي يوم الخميس التاسع عشر من ماي الجاري أستنتج بأن الإدارة الأمريكية تتبنى الإصلاح السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط التي شهدت تغييرات جوهرية بحكم انتفاضات شعوبها ضد الأنظمة الحاكمة . وخطاب أوباما الذي يعتبر نقطة أساسية في وضع السياسة الأمريكيةالجديدة تجاه المنطقة خاصة بعد النجاحات التي حققتها بمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وما يمثله من إنجاز كبير في وقت كهذا، ومن هنا نجد بأن خطاب اوباما مثل في جانب منه تصحيح مسارات ومواقف أمريكا تجاه الثورات والانتفاضات العربية ، هذه المواقف التي شابها بعض الغموض وشيء من الازدواجية ، وبالتالي وجدنا اوباما يصحح بعض هذه المواقف خاصة ما يتعلق منها بأحداث البحرين والصمت الأمريكي في حينه تجاهها ، ولكن في خطابه الأخير حاول أن يتدارك الأمر ويلقي بثقل أمريكا في فتح حوارات بين المعارضة والحكومة دون أن ينسى تذكير من يريد تذكيرهم بأن الحوار يجب أن يسبقه أخراج المعتقلين من السجون لكي تتحقق الغاية الأساسية من الحوار وبالتالي فإن أمريكا لم تعد ترغب بوجود نظم شمولية في المنطقة بل تسعى جاهدة للوقوف مع رغبات الشعوب في تأسيس نظم ديمقراطية من شأنها أن تشكل شراكة اقتصادية كبيرة مع أمريكا ، خاصة وإن الولاياتالمتحدة ظلت لعقود طويلة تدعم بعض هذه الأنظمة بمعونات اقتصادية كبيرة جدا ، وبالتالي فإن ما وصلت إليه إدارة أوباما وأعلنته عبر خطاب الرئيس في هذا الجانب هو تحول أمريكا من تقديم المعونات الاقتصادية إلى فتح أبواب الاستثمارات والتعاون التجاري بين واشنطن والدول العربية التي أقامت حكومات منتخبة على غرار ما حصل في العراق والذي أشار إليه الرئيس أوباما بأن هذا البلد من الممكن أن يلعب دورا مهما في مستقبل الشرق الأوسط. من هنا نجد بأن الخطاب ركز على الرؤية الأمريكية للمنطقة في مرحلة ما بعد التغييرات حيث تبدو السياسة الأمريكية تعمل على بناء الروابط مع شعوب المنطقة وعدم حصرها فقط بالزعامات كما كان ذلك في العقود الماضية أو ما يعرف بالحرب الباردة والتي تطلبت في مرحلة من مراحلها دعم بعض الأنظمة حتى وإن كانت ديكتاتورية بحكم سياسة التوازن القائمة آنذاك ، بل تجاوز الأمر في حينه الصمت إزاء جرائم هذه الأنظمة ضد شعوبها. تلك الزعامات التي توقع الرئيس الأمريكي أن يسقط بعضها في الأشهر القادمة كما سقط زين العابدين بن علي ومبارك , وهذا ما يجعل أوباما يؤكد وبقوة نحن نحتضن الفرصة بأن نظهر أن الولاياتالمتحدة تقيم كرامة بائع في الشارع في تونس أكثر من القوة المطلقة للديكتاتور، والولاياتالمتحدة ترحب بالتغيير الذي يدعم تحقيق المصير والفرص الحقيقية للشعوب في تقرير مصيرها والتخلص من الاستبداد. والإدارة الأمريكية تدرك جيداً إن الثورات الشبابية العربية فرضت نفسها بقوة على الإدارة الأمريكية وأجبرتها على التعامل معها كقوة جديدة في المنطقة من شأنها أن تحدث تغييرات كبيرة وبالتالي فإن ما تحدث به الرئيس اوباما يقترب كثيراً من ملامسة أهداف الثورات الشعبية حتى وإن جاء هذا الخطاب متأخراً بعض الشيء ، خاصة وإن المعروف لدى الإدارة الأمريكية بأنها كانت تنتظر النتائج لتحدد موقفها إزاء الأحداث ربما بسبب مباغة الثورات وغياب حس التوقع لدى أمريكا والغرب، وهذا ما تجلى بوضوح في موقفين أمريكيين سواء في أحداث البحرين أو سوريا حيث ظلت أمريكا تمسك العصا من الوسط دون أن تحسم أمرها مبررة ذلك بأسباب كثيرة لعل أهمها ما أسمته (إنها تجهل هوية الثوار) وهذا يمثل بحد ذاته ابتعاد أمريكا عن مجريات الواقع العربي الذي يسير باتجاه التخلص من النظم المستبدة. أوباما حاول جاهداً تصحيح صورة أمريكا لدى الشارع العربي، هذه الصورة التي تشوهت كثيرا عبر ما عرف عن واشنطن دعمها ومساندتها للكثير من النظم الاستبدادية وبالتالي قد يكون خطاب اوباما يمثل مرحلة جديدة من التفكير الأمريكي الذي يتطلب ترجمة حقيقية بأفعال ملموسة . * باحث وكاتب عراقي