محسن الزغلامي هناك مقولة مأثورة في تراث الفكر السياسي العربي منسوبة لأحد الخلفاء الراشدين - على الأرجح - تقول "ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"... والمقصود "بالسلطان" - هنا - سلطة الدولة ونفوذها ممثلة - خاصة - في قدرتها على اقامة العدل وحفظ النظام وبسط النفوذ وتنفيذ الأحكام لاجرائها على الجميع دون استثناء وبلا تراخ... وما من شك أنّ مصطلح "هيبة الدولة" المتداول في أدبيات الفكر السياسي المعاصر انما هو - في أحد جوانبه - جزء من مفهوم مصطلح "السلطان" في نسخته التراثية... بل لعله يجوز القول أن "هيبة الدولة" - اليوم - هي "سلطانها" ذاته الذي به وحده يمكنها أن تحمل الناس (المواطنين) على - لا نقول - "السمع والطاعة" فهذا مصطلح يستبطن مفاهيم استبدادية رجعية لا تليق ولا تجري على "أحكام" الدولة في مفهومها العصري المدني (دولة المواطنة)... وانما تحملهم على احترام القوانين لردع كل أشكال الاخلالات الفردية والجماعية بالنظام والأمن والسلم المدني... وقد يكون "نداء الاستغاثة" العاجل الذي توجه به - يوم السبت الماضي - ممثلو عدد من الجمعيات والنشطاء في ولاية قفصة ودعوا من خلاله السلط الجهوية الى ما أسموه "ضبط الأمن بمدينة المتلوي بما يسمح باعادة الاستقرار اليها وجمع سلاح الصّيد المتداول وملاحقة المذنبين بفتح تحقيق جدي وسريع لمتابعة المتسببين في هذه الأحداث" الا دعوة لكي تضطلع الدولة بدورها بل بواجبها في حماية أرواح الناس وممتلكاتهم معتمدة في ذلك كل "أدوات" الردع القانونية والجائزة التي يمكن أن تجعل "سلطانها" ونفوذها ظاهرا وأن تبدو - بصفتها دولة - مهابة وقوية وقادرة - لا فقط - في أعين مواطنيها بل وخاصة في نظر مثيري الشغب من أولئك الذين تجرؤوا عليها وعلى سلطة القانون واستخفوا بأرواح الناس وممتلكاتهم وأمنهم... طبعا ، هذه ليست دعوة وقحة لاعتماد "القمع" أو تحريض للدولة على ممارسته وانما مجرد تذكير - من جهة - بأن هناك "حدودا" لا بد من أن تقف عندها كل "الأشياء" بما فيها تلك "التحركات" التي تصنف لدى البعض أنها "اجتماعية" و"مطلبية"... وهي - من جهة أخرى وفي العمق - دعوة الى حماية سمعة الثورة التونسية ذاتها من كل ما من شأنه أن يشينها أو أن يجعلها تتعثر أو تخرج عن مسارها الاصلاحي الصحيح وأهدافها الحضارية النبيلة... انها باختصار ووضوح دعوة الى الحزم في مواجهة كل المخططات للاساءة لهذه الثورة حتى ولو كانت تبدو "عفوية" وغير مقصودة.