يكشف قرار إلغاء برمجة الفنان لطفي بوشناق في افتتاح مهرجان قرطاج والتريث الذي يرافق كل قرار تتخذه وزارة الثقافة على مستوى تنصيب مديري دور الثقافة أو مسؤولي التظاهرات الفنية الكبرى عن انقلاب في موازين القوى وتغير واضح في الخارطة الثقافية والفنية المحلية بعد ثورة 14 جانفي. الصباح رصدت آراء المثقفين والشارع التونسي حول برمجة كبرى المهرجانات لهذا الموسم ومواقفهم من الميزانية المخصصة لهذه التظاهرات والتي قدرت حسب المصادر الرسمية ب4 مليارات إضافة إلى مسألة مضامين الأعمال المطلوب برمجتها وحكاية القوائم الفايسبوكية السوداء التي اجتاحت المشهد الثقافي في البلدان العربية الثائرة وفي مقدمتها تونس. البداية كانت مع أهل المغنى وأصحاب البيت الفني الذين رفض أغلبهم مسألة تقييم الفنان من منطلق حضور اسمه ضمن قائمة مناشدة المخلوع لسنة 2014 واعتبروا أن الارتقاء بالعمل الفني وتفعيل الإجراءات التي تميز الفنان التونسي عن غيره من الفنانين العرب والأجانب في مهرجانات بلادنا هي القرارات المطلوبة حاليا من الهياكل العمومية. وفي هذا السياق رفض الفنان سفيان سفطة تواصل الممارسات غير المشروعة في الساحة الموسيقية والتعامل مع القطاع بوصفه «دار لقمان» كما كانت في عهد المخلوع وأشار سفطة الى أن المطلوب في المهرجانات بعد الثورة هو برمجة الأعمال المحلية القادرة على المنافسة. والتي ترتقي في تصوراتها وإبداعاتها والاكتفاء من دعوة فنانين نصف اقتراحاتهم أغان لعبد الحليم وهادي الجويني. القطع مع السائد «لا للبزنس الثقافي» هذا الشعار حملته كلمات الشاعر الجليدي العويني الذي اعتبر غياب الأسماء الفنية المرتبطة بالنظام السابق مطلوبا في هذه المرحلة ليس من باب الإقصاء وإنما تلافيا للحساسيات الممكن إثارتها في الظرف الراهن خاصة وأن بعضهم يقدم موسيقى شبيهة بإيقاعات المطارات ولا تعنيهم هوية صاحب المنصب أومن يتولى السلطة بعده بحكم أن بضاعتهم تتأقلم مع مختلف المراحل. وأضاف محدثنا أن برمجة المهرجانات الكبرى عليها القطع مع ما كان سائدا وإعطاء فرصة للمهمشين سابقا من مبدعينا وهم كثر. من ناحيته لم يستسيغ الملحن عادل بندقة - والكلام له- ركوب فئة من الفنانين على ثورة 14 جانفي وانتقد محاولتهم استغلال قيمة فنية على غرار لطفي بوشناق مطية للفت الانتباه كما عاتب كل من تهجم على القمم الموسيقية التونسية مبررا موقفه بأن الفن والثقافة هي القاطرة التي عليها حماية الثورة والمرور بالبلاد لبر الأمن لا إشعال فتيل الخلاف في الوسط الفني قائلا: «يكفينا الاحتقان الواضح في الأجواء العامة في ظل غياب المصالحة الوطنية». وعلى عكس بندقة أكد الفنان التشكيلي حسين مصدق أن إمكانية الفصل بين العملية الإبداعية. والمواقف الذاتية للفنان غير ممكنة بل هي كتلة واحدة متلازمة وبالتالي على أذيال النظام السابق من الفنانين أن يخجلوا من ممارساتهم ويعيدوا النظر اليوم في توجهاتهم وأساليب حضورهم في المشهد الثقافي كما على السلطة المشرفة على الثقافة في البلاد دعم المبدعين المهمشين عمدا قبل 14 جانفي - وخصوصا الشباب منهم حتي يثبتوا مواهبهم. على صعيد آخر وصف مصدرنا عرقلة وزارة الثقافة للنشاط الثقافي في الأشهر الأولى للثورة بالمعيب رافضا فكرة إلغاء بعض المهرجانات أوالتقليص في ميزانياتها مراعاة للوضع الاقتصادي المتدهور قائلا: «اقتصاد تونس قادر على توفير ميزانية تحترم المقاييس المحترفة للتظاهرات الفنية ومن المفروض علينا مواصلة نسق الحياة الفكرية للبلاد باعتبار أن الثورات في العموم هي نتاج حراك ثقافي وبرمجة المهرجانات ضرورة تعكس ما أفرزته الفنون بعد الثورة. للجمهور رأي آخر خفض أسعار التذاكر هي النقطة التي اشترك فيها جل مستجوبينا واعتبروها الدافع الأقوى لإقبالهم على المهرجانات الصيفية خصوصا منها ليالي قرطاج وبين وليد صاحب مقهى أن الأسعار المرتفعة لبعض السهرات تحرم أغلبية التونسيين من حضور أكثر من سهرة أو سهرتين فيما وصفت سماح برمجة المهرجانات الكبرى بالمستهلكة على امتداد سنوات قائلة: «رغم أن أسماء الفنانين تختلف من موسم إلى آخر إلا أن تشابه اغلبها في الشكل والمحتوى يجعل من كل السهرات نسخا مطابقة للأصل..». من جهته انتقد بشير وهو شاب من أصحاب الشهادات العليا العاطلين اهتمامنا بالأنشطة الفنية في ظل الظروف الاستثنائية للبلاد طالبا من الحكومة المؤقتة توجيه الإمكانيات المادية للبلاد إلى الاستثمارات القادرة على تشغيل أكبرعدد من العاطلين وتطوير قطاعي التعليم والصحة قبل الاهتمام بالفنون والثقافة بحكم أنها ليست من أولويات المرحلة في الوقت الراهن. إحدى السيدات العاملات في القطاع العمومي وهي على أبواب التقاعد- تحدثت لنا بحماس عن مسألة القائمة الفنية السوداء ولكن بطريقتها الخاصة المخالفة لشباب الفايس بوك فلم تطلب على غرارهم من الفنانين التنحي جانبا وترك الثورة لأهلها وإنما نصحتهم بلطف أن يحيوا حفلات مجانية ويستغلوا شهرتهم وجزءا من إمكانياتهم المادية لفائدة المناطق المهشمة ومساعدة المواهب الشابة على البروز حتى يتقربون أكثر من هذا الجيل الثائر والقادر على تسلم المشعل باستحقاق خاتمة قولها بابتسام: «التاريخ لا يغفر الذنوب ومع ذلك لا ينسى ذكر الحسنات». التظاهرات الثقافية والفنية صارت ترفا عند بعض التونسيين في هذه الصائفة فيما هي ضرورة عند فئة أخرى من الجمهور... المهم بالنسبة الينا ألا تصبح إقامة المهرجانات بعد ثورة الكرامة والحرية تهديدا لأمننا وربما لحياتنا في ظل محاولة ندرة من أهل بلادنا تجاوز القانون واعتماد العنف تعبيراعن رفضهم لأفكار غيرهم من التونسيين.