- تتالت الانسحابات من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي ومع كل انسحاب تنكشف حقائق وتبرز معطيات ما كنّا لنتمناها أن تحدث عندما بعثت هذه الهيئة للوجود مدعية انذاك بأنها ستكون في مستوى العهدة الشعبية التي سلّمت لها وهي تحقيق أهداف ثورة سقط من أجلها الشهداء.. لكن وبعيدا عن سبق الإضمار والترصّد أو التحامل الذي قد نتهم به فإن هذه الهيئة التي رفعت منذ البداية شعار التوافق والوفاق لم نر منها إلا الانشقاق والشقاق والتلكؤ في بسط القضايا الجوهرية والحاسمة لضمان انتقال ديمقراطي حقيقي. ومن دون الغوص في الأسباب والمسببات ومكامن الإخلالات والإشكالات اتصلنا بزهير مخلوف، العضو المستقل والمنسحب حديثا من الهيئة، لسبر موقفه حول دواعي هذا الانسحاب وحقيقة ما يحدث خلف جدران مجلس المستشارين حيث تجتمع الهيئة دوريا.. حول انسحابه يقول زهير مخلوف: «أنا انسحبت من الهيئة ولم أقدّم استقالتي ومردّ انسحابي كان احتجاجا على الطريقة التي يتعامل بها عياض بن عاشور، رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، مع الصحفيين فقد طلب منهم مغادرة القاعة وعدم حضور نقاشات الهيئة مستقبلا.. بن عاشور يخشى الإعلام.. وعن دوافع هذا التصرّف الذي أتاه بن عاشور يقول مخلوف : «معلوم أن عياض بن عاشور يخشى الصحافة و الإعلام بصفة عامة الذي بات يعدّ حركاته وسكناته وينغّص عليه سعيه لتمرير مشاريعه التي تخدم مصالح حزبوية ضيقة رغم أنه يفرح كثيرا عندما يستدعى للحضور في احد بلاتوهات الجزيرة أو أي منبر إعلامي أخر وذلك لتسويق صورة الهيئة كما يريدها هو لا كما يراها الرأي العام.. ورغم أن الإعلام ترفّع عن الإعلان عن الصورة الحقيقية للهيئة التي يحمى وطيس نقاشاتها الى درجة تبادل العنف والتراشق بالألفاظ غيراللائقة فإن بن عاشور أراد إقصاءه نهائيا حتى يعزل عمل الهيئة عن الرأي العام وحتى لا يتفطّن أحد لما يحاك داخلها.. ويضيف مخلوف: «سبب هذا الانقلاب على الصحفيين في الحقيقة كان بطلب من نائبته في الهيئة السيدة لطيفة لخضرلأنها دخلت في خصومة مع صحفية بقناة الوطنية 1 التي قامت بتصوير لقطة تبرز مشادة حادة بين أعضاء الهيئة وطلبت منها بكل تعجّرف أن تمحو اللقطة لأنها حسب رأيها يركزون في نقلهم لوقائع الجلسات على السلبيات وليس على الإيجابيات واتهمت الصحفية بأنها غيرحرفية وهوما جعل الصحفية تحتّج على التدخّل السافرللطيفة لخضرفي عملها .. وذلك ما دفع بنائبة عياض بن عاشور الى أن تسعى لديه وتحرّضه على منع الصحفيين من الحضور ونقل ما يتداول في الجلسات ..وهو ما جعله يسارع الى تنفيذ طلبها . و كلنا يتذكّر تلك الضحكة المتعالية والساخرة التي أطلقها عندما كان الوزير الأوّل المؤقت يتهكّم على صحفية الوطنية إبان زيارته للهيئة ..» نقاش الانتخابات وقضية المشرب.. وحول القضايا التي تنظر فيها الهيئة يقول مخلوف: «بالنسبة للقضايا التي تشتغل عليها الهيئة أعتقد أنها حادت عن الموضوع ؛ فالبلاد على صفيح ساخن والمشاكل تتفاقم يوميا والعروشية تضرب في أكثر من منطقة والجنوب يشتعل بارتفاع درجات الحرارة وأزمة اللاجئين هناك والحكومة تتجاوز صلاحياتها المؤقتة وكل هذا والهيئة نقاشاتها خارج دائرة الاهتمام العام..فهل يعقل أنه عندما كنّا نناقش بحضور كمال الجندوبي، رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات موضوع الانتخابات ، ورغم جدية الموضوع وأهميته وانعكاساته على مصير تونس قد يكون لعقود قادمة.. يفتح نقاش داخل الهيئة حول : لماذا يغلق مشرب مجلس المستشارين في رمضان والذي رأت فيه سيدة عضو عن الهيئة مسّا من حقوق الانسان وضربا للحريات الفردية ؟؟؟ هيئة موالية لأكثر من طرف.. وحول مدى التزام الهيئة بتحقيق أهداف الثورة والتي هي نفس الأهداف التي بعثت من أجلها هذه الثورة أكّد زهير مخلوف : «في فترة عملها الأولى التي ضمّت كل الأطراف قبل انسحاب بعض الأحزاب الكبرى كحركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية وحزب الإصلاح والتنمية وبعض الشخصيات المستقلة المشهود لها بالكفاءة كعدنان منصر ومختار اليحياوي.. قامت الهيئة بالدور الموكول لها واهتمت بقضايا البلاد لكن بعد ذلك سقطت في المشاحنات الايديولوجية والأهداف الضيقة وذلك لغاية تحريف الأهداف المرسومة لها.. فالهيئة التي من المفروض أن تلعب دور الرقيب على الحكومة أصبحت مطية في يد هذه الحكومة التي توجّهها حسب أهوائها كما أن هناك طرفا حزبيا نافذا في الهيئة يحاول توجيه كل النقاشات والحوارات في الهيئة لصالحه ولصالح أجندته الحزبية. فكلمّا وقع تداول قضايا جذرية إلا وحرّف النقاش وحاد عن أهدافه الجادة وبالنسبة لانحياز رئيس الهيئة لقرارات الحكومة ولطرف حزبي معيّن فهذا بيّن وجلي بطريقة لا تقبل الجدل..» حزب يتغول داخل الهيئة وحول ما يتداول أن هناك حزبا يحاول بسط نفوذه على الهيئة وخدمة أجندته الخاصّة وتمرير المشاريع التي يراها تتناسب معه يقول زهير مخلوف: «وان كنّا نتحفّظ عن ذكر الأسماء حتى لا نزيد الوضع تعقيدا ونثير إشكالات وحساسيات حزبية فإن لذلك الحزب أطرافا تدعمه وتقويه بصفة متواصلة كجمعية النساء الديمقراطيات التي تستبسل في الدفاع عن أراء هذا الحزب وبرامجه وهذا الحزب نفسه عندما شارك في الحكومة حاول غلغلة أتباعه في الإدارة وفي المصالح الرسمية وهو ما جعله يبسط هيمنته حتى على الأجهزة الرسمية.. و عموما بانحيازرئيس الهيئة ومحاولة التعتيم على أعمالها بطرد الصحفيين نكون في مواجهة هيئة انحرفت عن دورها الحقيقي وبالتالي أصبحت هيئة صورية لا فائدة ترجى منها ولا طائل من ورائها..» منية العرفاوي