آسيا العتروس كثيرة هي المفارقات التي ارتبطت بأول سهرة رمضانية للهيئة الوطنية المستقلة لاصلاح الاعلام والاتصال التي استضافت في هذا اللقاء الاول السيدة نزيهة رجيبة أم زياد لتمتع الحضور وتؤثث لسهرة اعلامية من النوع الراقي المترفع عن لغة الانتقامات والبحث عن التشفي أو ادعاء البطولات فقد فتح المقر الذي كان حكرا على البعض دون الاخر ممن اختاروا الاستقلالية والترفع عن لعبة الولاءات في تلك الليلة أبوابه لاحتضان عدد من الاعلاميين من مختلف الاجيال... الى جانب بعض الضيوف من البي بي سي وفرانس 24 للنقاش حول واقع الاعلام بين تركة سنوات طويلة من القيود والاغلال والخطاب الموجه وبين الافاق المتاحة في ظل ما توفر اليوم اللاعلام من فرص جديدة في ظل الحرية المتاحة. ولعل المهم أن هذه السهرة الاولى ستكون بداية سلسلة من اللقاءات القادمة قد تكون منتدى لبحث وتطارح واقع الاعلام الراهن وما ينتظره من تحديات لا يستهان بها... أبرز ماحمله اللقاء أنه منح عديد الصحافيين الشباب للتعبير عن حالة الاحباط التي تكاد تنتاب الجميع نتيجة استمرار عمليات الهرسلة في عديد المؤسسات الاعلامية وغياب التطهير وانتشار ظاهرة التكالب على الغنيمة بعد ثورة الرابع عشر من جانفي وقد خلص اللقاء الى توجيه دعوة صريحة لتشكيل لجنة لتقصي الفساد في مجال الاعلام كخطوة باتت أكثر من مطلوبة في ظل اصرار المتطفلين وأذناب النظام السابق على احتلال المشهد الاعلامي والسيطرة عليه... أم زياد كما قدمها السيد كمال العبيدي كانت أول من ألقى بظلال من الشك على قدرة الرئيس السابق على قيادة تونس وتنفيذ وعوده. وقد تسبب المقال الذي كتبته بعد أسابيع قليلة من تولي بن علي السلطة سنة 1987 في عمود اسبوعي بعنوان "نشاز" في تسديد أول ضربة لحرية الصحافة وفي اختفاء جريدة "الرأي" التي نشرته ,مواقف أم زياد لم تكن من دون ثمن ومع ذلك فقد كانت كلماتها دون حقد بعيدة عن أي رغبة في الانتقام وقد كانت صريحة في دعوتها للشباب على الانفتاح على العالم بشرقه وغربه وعدم الوقوع في فخ ما يروج له البعض بالصاق تهمة التامر على النشطاء الذين كانوا يجدون في دعم ومؤازرة المنظمات الحقوقية والانسانية سندا لهم في صراعهم مع الظلم والاستبداد...من أين تستمد أم زياد قوتها ؟ ترد بابتسامة هادئة أن الامر ليس كما يتخيله البعض وأنها لم تكن وحدها في تلك المعرضة تستعرض اسماء اخرى كان لها دورها الفاهم بوكدوس الطاهر بن حسين سليم بقة سهام بن سدرين... والراحل زهير اليحياوي وغيرهم أم زياد تقول ان الامر كان أشبة بعملية الشد والجذب وأن الملاحقات والتضييقات كانت تختفي مرة وتشتد مرة كما في المواسم الانتخابية أو في خلال مؤتمر المعلومات كانت تشعر أحيانا انها قوية الى درجة لا تصدق وأحيانا تكون فيها كالارنب تحسبا لما يمكن أن تجلبه عليها مقالاتها. أم زياد اعتبرت أن الصحف الصفراء التي كانت بالامس تقتات من أعراض الآخرين تحولت بقدرة قادر الى مدافع عنها ولكن أم زياد تقول انها غضبت من شكر احدى تلك الصحف أكثر من غضبها عندما كانت تذمها, من المضحكات المبكيات في مجال الاعلام الوطني تقول أم زياد أن افتتاحيات الصحف باتت تحمل امضاءات الطرابلسية حتى ان احدى الصحف نشرت له صورة بالمناسبة وخلفه لسان العرب...تقول أم زياد فرحنا بتسونامي الحرية كما فرحنا بهروب بن علي ولكن أرعبني هجوم الثوار الجدد الراكبين على الثورة.. وقد اعتبرت أن الساحة الإعلامية في عهد بن علي انقسمت إلى إعلام مباح وإعلام متحمّل وآخر ممنوع وملاحق. فبالنسبة للإعلام المباح فقد غابت فيه حسب تعبيرها الصحافة الحرة لكن حضره صحافيون أحرار حاولوا رغم الوضع المتردي الدفاع عن استقلاليتهم فكان مآلهم إمّا "الثلاجة" أي تجميد أنشطتهم أو القبول بالأمر الواقع والتزام الصمت حفاظا على لقمة عيشهم. أمّا الإعلام المتحمّل فمثلته بالخصوص صحف المعارضة التي كانت شجاعتها منقوصة لأنها لم تتعرض إلى عدة ملفات كانت هامة ومحظورة لكن يحسب لها ما قامت به من نشر عدة أخبار لم تكن لتنشر في ظل سياسة التعتيم. وبالنسبة للإعلام الملاحق أو إعلام "الفلاقة" فقد ارتبط على سبيل الذكر بصحيفة "الجرأة" لسليم بقة وتلفزات على غرار قناتي "الزيتونة" و"الحوار" وخاصة المواقع الالكترونية على غرار "تونس نيوز" و"كلمة"و "نواة" فقد مثلت حركة مقاومة إعلامية. أما وسائل الإعلام الأخرى التي تضم حوالي 200 صحيفة فقد كانت تعيش تحت جناح المستشار السابق "عبد الوهاب عبد الله" والوكالة التونسية للاتصال الخارجي. " ارحل "هو الشعار الذي يجب رفعه في وجوه من أساء للقطاع وهو غير قابل للإ صلاح في نظر أم زياد. أما عن مصاهرة الحكومة للسيدة نزيهة رجيبة فتلك حكاية أخرى ترد بقولها أنا معارضة ولا يمكن أن أكون صديقة للحكومة ولكن دخول زوجها الى الحكومة الانتقالية شأن لا دخل لها فيه... اللقاء القادم من المنتظر أن يكون فرصة للاستماع للزميلة حميدة بن صالح مناسبة للوقوف على الكفاءات النسائية المغيبة في مرحلة ما بعد الثورة...