اثارت الاجراءات التي اتخذتها وزارة العدل مؤخرا والمتمثلة في تخصيص مكاتب تحقيق ودوائر قضائية متفرغة بهدف الإسراع في البت في قضايا الفساد المالي جدلا في الأوساط الحقوقية وداخل بعض جمعيات المجتمع المدني واعتبرها العديد من الناس غير كافية لإرساء العدالة الانتقالية بل ذهب البعض إلى القول إنها مسكنات لا تستجيب لحاجيات المرحلة ولن تفي بالحاجة. وفي هذا الصدد قال الأستاذ منذر الشارني الناشط الحقوقي والكاتب العام للجمعية التونسية لمناهضة التعذيب إن مقترحات الوزارة لم تأت في إطار انشاء آلية عدالة انتقالية بل كانت مقترحات معزولة اقتصرت على البت في قضايا الفساد والرشوة.. وبالتالي فإن أعمال التعذيب والقتل والجرح خلال الثورة لم يقع ادراجها في هذه الاجراءات وبقيت من اختصاص المحكمة العسكرية. وعبرالشارني عن رفض المنظمة محاكمة أعوان أمن في المحاكم العسكرية وأكد على أن قوات الأمن الداخلي ليسوا عسكريين وبالتالي يجب ألا يحاكموا في محاكم عسكرية بل في محاكم عادية حتى تتوفر لهم ضمانات أكبر في التقاضي. وأضاف أن اجراءات وزارة العدل الأخيرة لئن اعتبرت مهمة وأخذت بعين الاعتبار مقترحات المنظمات والجمعيات التي اشتغلت على موضوع العدالة الانتقالية ومنها المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب التي قدمت مقترحا لإرساء عدالة انتقالية بأقل من يمكن من الكلفة، لم تشر إلى انشاء خطة مدعي عام مختص تعمل تحت إمرته كتابة وشرطة عدلية وقوة أمنية تنفيذية تتولى جلب المتهمين.. وهو ما يمكن أن يسهل النظر في قضايا الفساد والقتل والتعذيب. كما لم تكشف الوزارة عن تركيبة الهياكل المختصة إذ يجب ان يكون القضاة مستقلين لم يسبق لهم ان حكموا في قضايا سياسية ولم يعرف عنهم أنهم كانوا يحكمون بتعليمات من السلطة التنفيذية وبالتالي فإن تركيبة القضاة يجب ان تكون واضحة ومحل تشاور حتى لا تصبح مصدرا للاحتجاجات.. وبالإضافة إلى ذلك لاحظ الشارني أن اجراءات وزارة العدل لم تتضمن انشاء لجنة وطنية لكشف الحقيقة والمصالحة لكي تتولى فضح المظالم التي تعرض لها العديد من التونسيين سابقا ولرد الاعتبار لهم وهي خطوة ضرورية في مسار العدالة الانتقالية. ولتجاوز هذه الثغرات طالب الكاتب العام لمنظمة مناهضة التعذيب وزارة العدل للتشاور مع الجمعيات والمنظمات قصد اعداد خارطة طريق للعدالة الانتقالية. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة العدل ورغبة منها في توفير الأسباب اللازمة للإسراع في البت في قضايا الفساد المالي المتعلقة بالرئيس السابق وأفراد حاشيته، قررت تخصيص مكاتب تحقيق ودوائر قضائية متفرغة للنظر في هذه القضايا على مستوى محاكم تونس العاصمة.. فعلى مستوى المحكمة الابتدائية تقررتخصيص 11 مكتب تحقيق متفرغة لهذه القضايا وتخصيص دائرتين جنائيتين وتخصيص دائرة جناحية. وعلى مستوى محكمة الاستئناف بتونس تقرر تخصيص دائرة الاتهام للظر في هذه القضايا وتخصيص دائرتين جنائيتين ودائرة جناحية. أما على مستوى محكمة التعقيب فتقرر تخصيص دائرة جزائية للبت في الطعون المتعلقة بهذه القضايا وتخصيص 12 عضو نيابة عمومية لهذه القضايا تحت إشراف رؤسائهم.