بعد ظهر اليوم.. خلايا رعدية مصحوبة بأمطار متفرقة    الدكتور حمادي السوسي: لا وفيات في صفوف البعثة الرسمية للحجيج    أنس جابر تُشارك الأسبوع المقبل في بطولة برلين للتنس    بلدية تونس تضع برنامجا خاصا برفع الفضلات خلال أيام عيد الأضحى    قائمة الأطباء البياطرة المتطوعين في العيد ونصائح حول أهم القواعد الصحية    الصوناد: رقم أخضر لتلقي التشكيات عن الاضطراب في الماء الصالح للشرب    الليبيون يؤدون صلاة عيد الأضحى وسط مراسم إحياء ذكرى ضحايا فيضان دانيال    هنية يوجه كلمة بمناسبة عيد الأضحى: نحن في خضم ملحمة تاريخية والمقاومة أبدعت    ضربة شمس تودي بحياة 6 حجاج أردنيين    وزير الشّؤون الدّينية يواكب تصعيد الحجيج إلى المشاعر المقدّسة    أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى    المطربة المصرية منى عبد الغني تنهار باكية أثناء أداء مناسك الحج على جبل عرفات (فيديو)    أطباء يحذرون من حقن خسارة الوزن    المهدية: الإحتفاظ بمتحيليدلس وثائق للراغبين في الحصول على عقود عمل بالخارج    مركز الإجهاد الحراري وضربات الشمس بمشعر عرفة يستقبل 225 حالة    أنس جابر تغادر بطولة نوتينغهام العشبية من الدور ربع النهائي..#خبر_عاجل    رئيس الجمهورية ونظيره العراقي يتبادلان التهاني بمناسبة عيد الأضحى..    الطقس هذه الليلة..    الرابطة 1 – الترجي الرياضي بطلا للمرة الثالثة والثلاثين في تاريخه    بعد وقفة عرفة.. الحجاج يتجهون إلى مزدلفة    المهدية: يتحيل على الراغبين في الحصول على عقود عمل بالخارج    وزير الدّاخليّة يؤكد سعي الوزارة إلى تدعيم سلك الحماية المدنية بالمعدّات والتجهيزات    النادي الصفاقسي يعود بانتصار ثمين من جوهرة الساحل    الليلة: الحرارة تتراوح بين 20 و32 درجة    جندوبة: السيطرة على حريق نشب بغابة سيدي حمادة    يورو 2024.. اسبانيا تسحق كرواتيا بثلاثية    جريمة بشعة تهز ألمانيا بالتزامن مع المباراة الافتتاحية ل'يورو 2024'    أول إطلالة للأميرة كايت منذ بدء علاجها من السرطان    وزارة التربية تكشف عن استراتيجية وطنية للقضاء على التشغيل الهش    مختصون يوصون بتجنيب الأطفال مشاهدة ذبح الأضحية    قفصة: الإطاحة بوفاق لترويج المخدرات يقوده موظف    أعلى من جميع التمويلات الحالية.. تركيا ستحصل على قرض قياسي من صندوق النقد    إقبال ضعيف على الأضاحي رغم تراجع الاسعار الطفيف بهذه الجهة    المهدية: مؤشرات إيجابية للقطاع السياحي    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي الصفاقسي في مواجهة النجم الساحلي    وصول أول رحلة للجالية التونسية في هذه الصائفة    بداية من اليوم: تونس تلغي التأشيرة عن الايرانيين والعراقيين    ذبح الأضاحي : توصيات هامة من المصالح البيطرية    بنزرت : حجز 1380 لترا من الزيت النباتي المدعم    اليوم: فتح شبابيك البنوك والبريد للعموم    أكثر من مليوني حاج يقفون بعرفة لأداء ركن الحج    بشرى لمرضى السكري: علماء يبتكرون بديلا للحقن    مجموعة السّبع تؤيد مقترح بايدن بوقف إطلاق النار في غزة    «لارتيستو»: الفنان محمد السياري ل«الشروق»: الممثل في تونس يعاني ماديا... !    رواق الفنون ببن عروس : «تونس الذاكرة»... في معرض الفنان الفوتوغرافي عمر عبادة حرزالله    المبدعة العربية والمواطنة في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة    يحذر منها الأطباء: عادات غذائية سيئة في العيد!    رئيس الحكومة يلقي كلمة في الجلسة المخصّصة لموضوع ''افريقيا والمتوسط''    حصيلة منتدى تونس للاستثمار TIF 2024 ...أكثر من 500 مليون أورو لمشاريع البنية التحتية والتربية والمؤسسات الصغرى والمتوسّطة    الصحة السعودية تدعو الحجاج لاستخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    الرابطة 1 : نجم المتلوي ينتزع التعادل من مستقبل سليمان ويضمن بقاءه    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    قفصة : تواصل أشغال تهيئة وتجديد قاعة السينما والعروض بالمركب الثقافي ابن منظور    جامعة تونس المنار ضمن المراتب من 101 الى 200 لأفضل الجامعات في العالم    أنس جابر تتأهّل إلى ربع نهائي بطولة برمينغهام    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول محاكاة النموذج التركي للديمقراطية والحداثة
نشر في الصباح يوم 02 - 09 - 2011

بقلم: محمد الهادي الكلاعي لئن نجحت الثورة التونسية في استيعاب جميع التيارات السياسية مهما كانت مرجعيتها الإيديولوجية يسارية أو يمنية في إطار من التفاعل الجدلي بينها في الساحة السياسية فان الأهم من ذلك هو قدرة هذه التيارات على التعايش في إطار ديمقراطي يضمن الحرية للجميع بعيدا عن الإقصاء.
لقد استلهمت بعض القوى السياسية ذات المرجعية الدينية في إعداد برامجها من النموذج التركي شكله الديمقراطي الحداثي في التوفيق بين الديني والسياسي ممثلا في حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية وشمل الاستنساخ حتى الأسماء ( تنمية عدالة) دون الخوض الجريء في دراسة الظاهرة الإسلامية التركية ومكوناتها كمثال للتوفيق بين السياسة كممارسة متغيرة والدين كمرجعية ثابتة.
لدراسة ظاهرة حزب العدالة والتنمية، هذا الحزب المدني ذو المرجعية الإسلامية كما يسوق في العالم العربي أو كحزب ديمقراطي محافظ كما يسوق في الغرب يجب دراسة البيئة السياسية والتاريخية التي نشأ فيها هذا الحزب وتفاعله مع مكوناتها المعقدة.
تركيا هي الدولة الوحيدة ذات الأغلبية الإسلامية التي تبنت اللائكية في دستورها وذلك منذ جمهوريتها الأولى مع مؤسسها كمال اتاتورك وما سمي بعملية تتريك تركيا سنة 1924 وقد وقع تنقيح الدستور في سنة 1937 ثم في سنة 1980 في نسخته نافذة المفعول إلى اليوم ورغم التعديلات حافظ الحزب على مبدأين أساسين هما علمانية الدولة واعتبار الدين مرفقا عموميا صرفا (تمويل مراقبة) أدت عملية الاقتراع سنة 2002 إلى وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بشكل ديمقراطي وكان من أولوياته مراجعة تموقع تركيا في محيطها الجغراتاريخي وانتهجت سياسة تعدد الأبعاد في الانتماء أوروبية آسيوية غربية إسلامية.
كانت هذه لمحة تاريخية عن تاريخ تركيا السياسي أما عن الأسباب الموضوعية التي ساهمت في إنجاح المسار الديموقراطى التركي فيمكن أن نختزلها في ثلاثة عوامل:
1- العامل السياسي: وجود مؤسسات دستورية ونظام جمهوري ودولة علمانية.
2 العامل الاقتصادي: انفتاح الاقتصاد التركي على النموذج الليبيرالي واندماج في الاقتصاد العالمي (تمويل أمريكي مهارات ألمانية وحريف أوروبي).
3 العامل الثقافي: تفتح الثقافة في تركيا على المجتمع الأوروبي وخضوعها لكراس الشروط الواجب إتباعه في محاولة للاندماج في هذا الفضاء السياسي والثقافي.
لقد هيأت هذه الظروف التاريخية وخاصة القطع مع الدولة الدينية من منظور اتاتورك لتركيا اللحاق بالدول المتقدمة اقتصاديا فحققت تركيا نسبة نمو قاربت 10% ووضعت خطة ناجحة لمعالجة المديونية لدى صندوق النقد الدولي بالكامل في غضون نهاية 2013 وقامت باستقطاب رأس المال الأجنبي بصفة ناجعة معتمدة على توفر رأس المال والمهارات ذلك أن التعامل بالعملة الصعبة معمول به حتى بين الأتراك إضافة إلى تنوع اقتصادي أبهر الخبراء في عديد المجالات (صناعة، فلاحة وسياحة).
اجتماعيا وسياسيا حسمت تركيا العديد من المتناقضات وخاصة المتعلقة بالهوية ومن أكثرها إثارة للجدل وجود تعددية سياسية وأحزاب سياسية مدنية ذات مرجعية دينية على غرار أوروبا الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا وتكريس حقوق الإنسان والحريات الشخصية حتى أن مسالة الحجاب وقع تناولها كخيار شخصي وليس فرضا دينيا مع أن القانون التركي يعتبر الحجاب رمزا دينيا ويمنعه في الأماكن العامة مستمدة قوتها من مؤسساتها الدستورية تجلت في موقف المحكمة الدستورية البت في مطلب حل حزب العدالة والتنمية تحت ذريعة انتهاكه لمبادئ اللائكية وقد أنصفت المحكمة الحزب وأقرت بشرعيته في تسلم مقاليد الحكم وقد مثل تمسكه بمبادئ الدستور ولائكية الدولة طوق النجاة بالنسبة له.
سياسيا ودبلوماسيا أدت الشرعية إلى تماسك الجبهة الداخلية رغم المشكلة الكردية والتنديد بتاريخ تركيا الاستعماري (إبادة الأرمن) إلى اتخاذ مواقف سيادية أبرزها رفض استعمال قاعدة "انجرليك" في الحرب ضد العراق سنة 2003 لغياب قرار أممي كما جاهرت تركيا بانتقاد الدولة العبرية وتعليق الاتفاقيات العسكرية معها رغم خضوعها إلى ضغط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وإتقانها المناورة السياسية بالمحافظة على علاقتها بالكيان الصهيوني والمساعدة الاقتصادية في كارثة حريق "جبل الكرمل" في إطار أممي كما دخلت كشريك فاعل في عملية السلام وتبنت القضية الفلسطينية ببرغماتية سياسيا بعيدا عن الشعارات الجوفاء العربية.
أما الموقف من الثورات العربية فقد اتسم بالموضوعية في الخطاب الرسمي وانتقاء المفردات "الشعب" "الشرعية" "الاستبداد" والتركيز على حتمية التغيير الذي شبهه داود اغلو وزير الخارجية بالزلزال السياسي ولو أن تركيا قد طوعت مواقفها حسب الطلب حيال هذه الثورات فمن تونس، مصر إلى ليبيا وسوريا واليمن لم تتسم المواقف بنفس اللهجة والوضوح في شبه محاكاة للمواقف الرسمية الغربية المبنية على المصالح الاقتصادية والمجال الحيوي.
وجدت هذه الواقعية السياسية التي اتسمت بالحياد إزاء المشاكل البينية مجالا عربيا خاليا وشعوبا محبطة تبحث عن بطل حقيقي بعد صدمتها في عبد الناصر وصدام وحسن نصرالله والنصر الافتراضي الذي يدعيه في حرب 2006 الذي قلب مفهوم النصر والهزيمة فكان -شعبيا- رجب طيب اردغان مثالا للبطل القومي الحداثي القابل للتسويق و-رسميا- تركيا التي كانت الحليف المحايد الذي يمكن الوثوق به وكان عاملا في تعزيز مكانتها.
ان استقراء العوامل التي ساهمت في نجاح النموذج التركي للإسلام السياسي وفشلها في العالم العربي(تجربة الأردن والكويت) تحيلنا إلى السؤال عن مدى جرأة الأحزاب التونسية وخاصة ذات المرجعية الإسلامية في القبول بالتشخيص الموضوعي واعتبار الجمهورية تقوم أساسا على مؤسسات دستورية ومرجعية فلسفية (اللائكية) كانت من أسباب نجاح النموذج التركي وهل ستقوم بمحاكاة التجربة التركية بصفة موضوعية بما لها من ايجابيات وسلبيات أم أننا سنقوم باستنساخ جسد دون رأس خاصة مع تنامي الخوف المفرط من العلمانية واللائكية واعتبارها من البدع الغربية الموجهة ضد الإسلام.
صحيح أن لكل تجربة خصائصها ومرجعياتها السياسية والثقافية الخاصة بها إلا أن الاندماج في المنظومة العالمية والقرية الكونية قد يفرض علينا القبول ببعض المواصفات النمطية الضرورية كقبول حزب العدالة والتنمية التصنيف كحزب ديمقراطي محافظ وليس كحزب إسلامي سياسي للخروج من وضعية النشاز في التصنيف الدولي حيث أن أية تجربة حداثية لن تقوى على تشكيل واقعها إلا إذا أدخلت المعطى العالمي دون تحييد ذاتها والتموقع خارج دائرة التناظر حداثي/ رجعي فالنموذج التركي نفسه هو نموذج غير مكتمل ويفتقر للتراكمات الممارستية وتواجهه عدة تحديات مع الخوف من الانقلابات الداخلية (محاولة تعديل الدستور من الحزب الحاكم ووصاية المؤسسة العسكرية) والخارجية (كراس الشروط الأوروبي) وتنتظره خطوات جريئة على درب الإصلاح السياسي المذهبي والاثني.
بالرجوع إلى الشأن الوطني فان غياب المؤسسات الدستورية والمرجعية السياسية للجمهورية هو العائق أمام الانتقال الديمقراطي والتحديث المجتمعي وهو ما جعل عملية الحسم فى كثير من الإشكاليات على غرار علاقة الدين بالسياسة والهوية مسائل عالقة غير قابلة للفصل وخير مثال على ذلك ما حدث من تجاذبات داخل الهيئة العليا للإصلاح السياسي حول العهد الجمهوري رغم ذلك للثورة التونسية عدة نقاط قوة أهمها الوحدة العرقية والمذهبية ودولة المؤسسات رغم غياب القانون والإرث الجمهوري ووجود مجتمع مدني ونخبة مثقفة قادرة على قيادة التغيير رغم انعدام التجربة الديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.