بقلم: د. أيمن أبو ناهية لن تمر مجزرة "أسطول الحرية" التي أقدمت عليها إسرائيل العام الماضي في المياه الدولية من البحر المتوسط مر الكرام كما تعودت إسرائيل بأن تكون ردات الفعل ضد مجازرها باهتة وباردة ثم ينتهي الأمر إلى النسيان.. لا بل كشفت للعالم عن صورتها الحقيقية الدموية، حيث أصبحت صورتها عالقة في أذهان شعوب العالم عنوانا للمجازر البشعة ضد الأبرياء، مما ألهب شعور الشعوب بنشوب انتفاضة الأساطيل ضد مجازرها والأطراف الفاعلة فيها لن تكون حماس وحدها ولا الفصائل الفلسطينية المقاومة، إنما ضمير العالم الذي انتفض في مظاهرات تلقائية معلنا أن هذا الكيان العنصري بدأ يفتضح أمره وأن خطابه المضلل حول "الديمقراطية" والدفاع عن "القيم الغربية" في مواجهة "الإرهاب" لم يعد قادرا على إخفاء جوهره الدموي المتناقض مع القيم الكونية ومع المواثيق الدولية، حتى بدت الدول الحليفة له عاجزة أمام مجزرة "الحرية" عن إصدار بيانات تحفظ ماء الوجه لهذا الكيان الذي تأسس على الإرهاب ولا يستطيع أن يعيش إلا به، فقد تخللت بيانات الدول "الصديقة" عبارات الدهشة والصدمة، وهي كلمات تعني أن هذه الدول لم تعد تستطيع إخفاء الحقيقة بعد الآن، معبرة عن سخطها بسحب سفرائها الموجودين لديها. فغباء إسرائيل تمثل في توجيه رسالة جديدة إلى العالم بقتل ناشطي السلام الدوليين دون تمييز، وكعادتها منذ 63 عاما تستخدم كلمات غير مبررة للتعتيم على أفعالها، لكن جاء وقت فضيحتها وسقوطها أخلاقيا أمام العالم ومقاضاتها قانونيا وسياسيا، وفي المقابل حُسمت معركة الضمير الإنساني ضد الصلف والإرهاب الصهيوني بنصر مؤزر لتركيا لأنها اجترأت على محو الهالة التي يحيط بها الكيان الصهيوني ذاته بكونه "دولة تنتمي إلى العالم المتحضر"، وأعادت صورته إلى طبيعتها ليكتشفه العالم كما هو كيانا يؤمن بالقتل العبثي ويمارس أبشع الجرائم والمجازر ضد الإنسانية ولا قيمة ولا وزن للقانون الدولي عنده. كل هذا شجع إسرائيل على رفض قرار مجلس حقوق الإنسان وقرار مجلس الأمن رقم 1860 اللذين أكدا أكثر من مرة انه لا مجال للنقاش في ان قطاع غزة تحت مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي وإسرائيل تمارس القتل والحصار وتخرق القانون الدولي بشكل كبير." لكن إسرائيل تجد من يحابيها بالكيل بمكيالين، صحيح أن تقرير للأمم المتحدة الذي أصدره رئيس الوزراء النيوزيلندي السابق جيفري بالمر قد انتقد استعمال إسرائيل القوة المفرطة خلال الهجوم نهاية ماي 2010 الذي داهم أسطول الحرية ضد النشطاء الذين قتل منهم ثمانية أتراك وأميركي من أصل تركي على متن سفينة مرمرة التركية، إلا انه برر ذلك العمل الإجرامي بحق اسرائيل في حصار قطاع غزة معتبرا أن الحصار البحري الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة الخاضع لسيطرة حماس جاء كإجراء امني مشروع بهدف منع دخول الأسلحة إلى غزة بحرا وان تطبيقه يتماشى مع متطلبات القانون الدولي. هذا التقرير يعد عملا مشينا يضاف إلى سجل الأممالمتحدة التي مازالت تعطي الكيان الضوء الأخضر لمواصلة جرائمه ضد الإنسانية في حين أن اسرائيل لم تستجب لأي قرار للأمم المتحدة منذ نشأتها وهي الدولة الوحيدة المارقة على القانون الدولي- رغم ما ارتكبته من مجازر بشعة دون رادع، وهو ما شجعها على مواصلة أعمال القرصنة والعربدة ضد السفن والأساطيل الإنسانية القادمة لفك الحصار ضد مليون ونصف المليون في قطاع غزة لاسيما السفينة الايرلندية "راشيل كوري" وغيرها. لقد صنعت تركيا نجوميتها في الشرق الأوسط حين قالت للجميع، وخاصة للأنظمة العربية الخائفة المرتعدة، أن الجرائم الصهيونية ليست قدرا وأن لجم إسرائيل وإجبارها على الالتزام بالقوانين الدولية ممكن التحقق، وعليه تعتبر تركيا قائدة "ثورة الضعفاء" ضد سطوة القوى الكبرى وخاصة أمريكا المنحازة كلي تحتذيا للكيان الصهيوني. فقامت تركيا بطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة وقطعت علاقاتها الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي والعسكري المشترك مع الكيان. ومن المفروض أن تحتذي الدول العربية بتركيا فالصورة لا تحتمل الكثير من الانتظار والتسويف كما تفعل الجامعة العربية، وان الفرصة مواتية الآن لأن يغادر العمل العربي وخاصة الزعماء المؤثرين دائرة الصمت التي ضيعت عليهم الكثير من فرص الفعل واستعادة المبادرة خاصة أن الضمانات الأمريكية التي تقدم إليهم كانت دائما بلا قيمة بل أعطت الضوء لإسرائيل كي تزيد من حجم جرائمها. وعلى مجلس الأمن الدولي عدم التساهل مع إسرائيل والنظر من جديد في القضية الإنسانية في قطاع غزة ومقاضاتها قانونيا وإنزال اشد العقاب بها كي لا تتمادى في جرائمها ضد المدنيين. أستاذ الاجتماع والعلوم السياسية غزة