بقلم: حسين علي الحمداني يمكننا القول بأن المنطقة العربية تعيش مرحلة انتقالية بكل أبعادها، وتشكل مشاهد هذه المرحلة وتجاذباتها شكل وهوية النظام السياسي القادم، والسؤال هو :ماذا تمثل المرحلة الانتقالية التي تعيشها الشعوب والدول التي تنتقل من نظام لنقيضه؟ وهل يمكن أن تكون هذه المرحلة طويلة بالقياس لما مرت به شعوب العالم الأخرى في حقب ماضية من التاريخ؟ ما يمكن أن نكتشفه من مراجعاتنا للعقود الماضية في أغلب الدول العربية سنكتشف بأن النظم السياسية التي حكمتنا عقوداً طويلة لم تكن قائمة على أسس بناء الدولة الجامعة للمكونات المتعايشة من آلاف السنين بقدر ما كان قائما على إيجاد صراع بين المكونات من أجل البقاء على كرسي السلطة. لهذا فإنها حين تتهاوى وتسقط لا تترك مقومات دولة بمعناها المتعارف عليه بقدر ما ترك إرثاً مقيتاً يصعب تجاوزه في فترة قصيرة. وهذا ناجم من إن شكل الدولة العربية بعد حقبة الاستعمار في النصف الثاني من القرن العشرين أخذت شكل الدولة القائمة على حكم العسكر وهذا تجلى بوضوح في مصر والعراق واليمن وسوريا وتونس وليبيا، فيما كان الصنف الثاني من الحكم قبلي عشائري أسري كما هو في الخليج العربي، وبالتالي غاب شكل الدولة المدنية من قاموس الفكر السياسي العربي عقودا طويلة. وغياب الدولة المدنية يعني غياب المجتمع المتنوع فكريا وأيدلوجيا واقتصار الدولة بفكرة واحدة ومفهوم واحد لا يبتعد كثيرا عن فكر الحزب الحاكم وأدبياته التي عادة ما تكون شعارات ترفع لتردد ليس إلا والسعي لمحو وتدمير الآخر بأي شكل من الأشكال طالما أنه يختلف في الرأي والفكر والقومية والدين. لهذا فإن هذه الأنظمة الشمولية المنحدرة من العسكر أو القبائل لم تشأ تكوين مجتمعات متطورة يحكمها العقل ويسودها الوئام، لأنها لو عمدت لهذا لما وجدت لها مكانا في السلطة، وهذا ما تجلى بوضوح في موجة الثورات العربية القائمة على عنصر الشباب المتعلم والمنفتح على الثقافات العالمية وبالتالي بدت عورات النظام السياسي العربي تظهر بقوة، ويظهر معها الوجه الحقيقي لها والمتمثل بالقمع وهي الوسيلة الوحيدة التي تلجأ إليها الأنظمة الدكتاتورية في التعامل مع مطالب الشعب مهما كانت مشروعيتها، انطلاقا من إن الحاكم ينحدر من المؤسسة العسكرية وبالتالي يتعامل مع الشعب وفق مفهوم العدو الذي يجب القضاء عليه. لهذا يمكننا القول بأن الدولة العربية غاب عنها التفكير السياسي والنظرية السياسية القادرة على مواكبة التطور وبناء الدولة والمجتمع بالشكل الصحيح،وحتى بعد زوال هذه الأنظمة ظلت هنالك حالة من الفوضى والمشاعر تقود المشهد السياسي في بلداننا بحكم وجود بقايا قد تكون قوية للحزب الحاكم، وهذه الحالة عانى منها الشعب العراقي، ويعاني منها الآن الشعب التونسي والمصري وسيعاني منها الشعب الليبي عبر وجود مؤيدين بشكل أو بآخر للقذافي - وهذه الحالة الموجودة فعلا من شأنها أن تعرقل عملية البناء الديمقراطي - بل الأغلب يسعون لبناء الطوائف الفرعية على حساب الدولة الأمة والسبب يكمن في التراكمات الثقافية التي خلفتها حقب الشمولية والدكتاتورية لدرجة باتت عدم الثقة تلازم الجميع. وهذا يعني بأننا ورثنا من الأنظمة الدكتاتورية بوعي أو دون وعي نفي الآخر وعدم الاعتراف به لدرجة لم نعد نستسيغ كلمة ( معارضة) التي دائما ما ارتبطت بذاكرتنا على إنها تقود (مؤامرة) ومرتبطة بالعمالة وغيرها من التوصيفات التي ملأت ذاكرتنا في العقود الماضية. لهذا نجد بأن مرحلة الانتقال من الدكتاتورية للديمقراطية في عالمنا العربي تحتاج لوقت طويل بسبب وجود ترسبات فكرية واجتماعية وحتى اقتصادية كثيرة تتطلب انتظار ولادة جيل جديد يحمل الأفكار التي بدأنا بضخها للمجتمع في السنوات الأخيرة لكي تأخذ دورها في بناء المجتمع ديمقراطياً.وعملية بناء المجتمع ديمقراطيا ستلاقي صعوبات كثيرة في مرحلة التحول هذه، التي تحتاج ليقظة دائمة ووعي وإدراك لأهمية الديمقراطية كنهج ثابت لا حياد فيه.