- مصالح الشعوب العربية من آخر اهتماماتها..والوقوف إلى جانبها ليس من أولوياتها - أدخلت شعوب الدول العربية التي تحسست طريقها نحوالحرية وقام البعض منها بخلع حكامها فيما لا يزال البعض الآخر يناضل من أجل وضع حد لظلم دكتاتور جثم على صدور المواطنين ولسنوات، مفاهيم وتوجها جديد في المنطقة العربية التي بدورها دفعت القوى الكبرى على غرارالولاياتالمتحدة الى إحداث تغيير في مواقفها واتخاذ مواقف واضحة إما الوقوف إلى جانب مناصريها اوالإذعان الى صوت الشعوب ودعمها -. كشفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في مارس الماضي، أن إدارة أوباما تبحث الآن، وبعد عقد من الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط عن سبل عديدة لاستقطاب أعدائها والتحاورمعهم، وأنها تدرس أفضل السبل للتحاورمع أعدائها في العالم الإسلامي مثل حركة طالبان الأفغانية وربما حزب الله اللبناني. وهو تغيرجلي في التوجه الإمريكي الذي لطالما بحث عن خلق أعداء يشرع من خلاله ما يفعله ويضمن من خلال تضخيم خطره على أمنه القومي بقاءه واستمرارية البرنامج الموضوع من قبل اللوبيات التي تتحكم في الشأن الأمريكي مثل لوبيات السلاح واليهود وغيرهما. بعد الثورات..أين موقعها؟ فاجأت الثورة التونسية الإدارة الأمريكية وقد كانت النتيجة سقوط أحد عملائها في المنطقة. فقد صمتت واشنطن وعواصم العالم لأكثر من ثلاثة أسابيع عمّا كان يحدث في تونس من عنف وتقتيل للأبرياء المطالبين بالعمل والحرية. لكنها ادركت ان هذه القورة ستمتد الى ربوع النيل وهوما حدث في ما بعد. وفي مصركانت هناك متابعة دقيقة وحينية للبيت الأبيض لصيرورة الأوضاع في الشارع المصري إلا أنها فقدت وللمرة الثانية عميلا آخر كان من أبرزلاعبي واشنطن كان يستجيب لكل ما تمليه عليه الإدارة الأمريكية خاصة في كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية من خلال غلق معبررفح في أكثر من مرة. كما كان موقفها متأرجحا في بداية الثورة التونسية والمصرية بين الاستجابة لمطالب الثواربشأن الإصلاح وبين موافقتها على جدية الخطوات التي اتخذها بن علي ومبارك في هذا الاتجاه قبل تنحيه. أما في ليبيا فالمشهد كان أكثر وحشية ودموية حيث صمتت واشنطن تماما على ما يجري ، اذ كانت تصريحات كبارمسؤوليها محتشمة اكتفت بلا تعبيرعن قلق واشنطن مما يحدث للأبرياء. لقد اتفق المتتبعون للسياسة الدولية على أن آلام الشعوب العربية لم ولن تكون أولوية لدى الأمريكان الذين أعربوا عن قلقهم من التضررأوالاعتداء على حليفهم الأول في المنطقة ألا وهو الكيان الصهيوني. فالمهم بالنسبة إلى واشنطن بعد أشهر من حراك كبيرللشارع العربي أسفرعن الإطاحة «بمراسليها» في المنطقة العربية هوالحفاظ على أمن «إسرائيل» وتأمين تدفق النفط وحشرالاسلاميين الذين تعتبرهم وعملاؤها الخطر الأكبر في الزاوية ثم تقزيمهم حتى لا يشكلوا خطرا على مصالحها . أما حرية الشعوب وتقدمها فهي أمر لا يكتسي أي قيمة أومغزى بالنسبة إليها. خلاصة القول أن ما ذهب اليه أغلب المحللين يخلص الى أن معيار المصلحة الأمريكية هوالمحرّك الآن للمواقف إدارة أوباما من الثورات العربية. تقرير يوضح ويحذر.. نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا «لمارك لاندلر» كشف فيه عن وجود «تقرير سري» طلب الرئيس أوباما إعداده في شهر أوت الماضي يتمحور حول أوجه الاضطراب في العالم العربي، حيث خلص التقريرإلى أنّه «من دون إجراء تغييرات سياسية كاسحة، فإن الأوضاع في عدّة بلدان عربية تسيرنحو ثورات شعبية كبيرة». وقد حثّ التقرير على «إعداد مقترحات حول كيفية تعامل الإدارة مع هذه التغييرات السياسية المحتملة ضدَّ حكّامٍ شموليين هم أيضاً حلفاء مهمّون لأمريكا». كما طالب أيضاً بدراسة «كيفية الموازنة بين المصالح الاستراتيجية الأمريكية والرغبة في تجنّب فوضى واسعة وبين المطالب الديمقراطية لشعوب هذه البلدان» رغم ان نظرية إدارة بوش و»المحافظين الجدد» تقوم على فرض حروب و»فوضى خلاّقة» و»شرق أوسط جديد»، وفي الدعوة لديمقراطيات «فيدرالية» تُقسّم الوطن الواحد ثم تعيد تركيبته على شكل «فيدرالي» يحفظ حال التقسيم والضعف للوطن ويضمن استمرار الهيمنة والسيطرة على ثرواته ومقدّراته وقرارته؛ وهو ما يمكن استجلاءه من الوضع فيالعراق وفي السودان معاً. الخوف على «الابن المدلل» أعربت واشنطن من خلال تصريحات أبرز المسؤولين عن قلقها من زوال المسؤولين العرب الذين خدموا الأمن الاسرائيلي والمصلحة الأمريكية وشارع مصري محتدم وغاضب من كيفية إدارة مبارك للقضية الفلسطينية , حيث كانت ردة فعل الشباب المصري قوية إذ تم طرد السفيرالاسرائيلي من القاهرة وإنزال العلم الإسرائيلي ووضعه العلم المصري مكانه. قال وزيرالدفاع الأسبق روبرت قيتس :» إن إسرائيل لا تدرك بعد حقيقة ما يجري في العالم العربي..إن الشعوب العربية بدأت تفقد صبرها من الاستمرار في الصراع.. إن المطالبين بالتغييرفي الدول العربية لا يضعون قضية فلسطين على رأس أجندتهم ،ولكنهم يحملون موقفاً واضحاً أنه يجب وضع حد للجمود في هذه القضية..الإسرائيليون قلقون جداً من التغييرات التي تشهدها المنطقة بينما إدارتنا ترى الأموربشكل مختلف بعض الشيء..تستمرإسرائيل في ضبط النفس وعدم تدهور الأمور إلى الحرب». رغم الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي في اللحظات مؤخرا لثني الفلسطينيين عن المسعى الأممي ستذهب السلطة الفلسطينية يوم 23 سبتمبر الجاري الى الأممالمتحدة طلبا من 193 دولة الاعتراف بها كدولة رغم ان إسرائيل وحسب كتاب اسرائيليين- لن تعترف بهذه الدولة ، سواء كانت أٌعلنت من جانب واحد أم لا لأنها لا تريد قيام دولة فلسطينية أوالاستغناء عن شبر من أرض فلسطين .المسألة تتعلق بنضال الفلسطينيين للحصول على حقهم في بناء دولتهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وكانت واشنطن قد عبرت عن مخاوفها من أن طرح قضية الدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة سيضرباحتمالات إجراء محادثات سلام جديدة لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل . لذلك قامت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالتحدث في بحرالأسبوع المنقضي مع «كاترين أشتون» ومع رئيس الوزراء البريطاني السابق «توني بلير» الذي يزورالمنطقة حاليا أيضا سعيا منه لجمع الطرفين معا. وفي نفس السياق ذهب عدد من المفكرين الأمريكيين الى القول بأن أمريكا ستدفع الثمن غاليا لواستمرت في اعتماد سياسة الدعم اللامشروط لإسرائيل كما دأبت عليه ، حيث دعوا إدارة أوباما الى انتهاج سياسة مغايرة في التعامل مع القضية الفلسطينية خاصة بعد ثورة تسونامي الثورات العربية , فهي أما خيارين اما الوقوف إلى جانب إرادة الشعوب أو الإبقاء على الدعم اللامشروط لإسرائيل في ظل التغيرات الحاصلة في المنطقة. سياسة أمريكية خرقاء.. يقول الكاتب الأمريكي ستيفن وولت في حديثه لإحدى وسائل الإعلام متحدثا عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي :» اعتقد ان الحل الوحيد بالنسبة إلى واشنطن بعد التطورات الأخيرة في العالم العربي وفي المنطقة بخصوص النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي هو حل الدولتين، لذلك يتعين على الولاياتالمتحدة أن تتشارك مع حلفائها الأوروبيين وأصدقائها في العالم العربي وغيرهم للضغط من أجل تحقيق حل الدولتين قبل فوات الأوان. وقد يكون قد فات الأوان، ولكن أظن أنه ما زال ممكناً، لانه أفضل الحلول لكل الأطراف بمن فيهم إسرائيل، وما دامت أميركا لا تفعل ذلك فهي ليست بصدد مساعدة نفسها ولا أصدقائها العرب ولا حتى إسرائيل لذلك فهي بذلك تنتهج سياسة خرقاء.» فرض الوضع العربي الحالي نفسه بقوة على برامج وسياسات الدول الكبرى بل وأجبرها على تحيين مواقفها وتحويلها نحووجهة واضحة تسعى من خلالها الى الحفاظ على أمن حلفائها والعمل من أجل إرضاء الشعوب الثائرة بما يتماشى وتوجاتها، لكن السياسة الأمريكية ستبقى على حالها منحازة إلى «الايباك» ليأتي يوم تذكر فيه ما يمكن للشعوب أن تحدثه وتقوم به . جمال الفرشيشي