طهران الصباح من مبعوثنا صالح عطية كيف تتحرك الصحافة في ايران؟ ما هي ضوابطها وهوامش الحرية فيها؟ وماذا عن «الخطوط الحمراء» التي تتحكم فيها؟ كيف هي حال «الانترنت» و»الفيسبوك» في الجمهورية الاسلامية؟ أسئلة يطرحها كل صحفي ومراقب منذ اللحظة الاولى لدخوله التراب الايراني.. فمعيار الحكم على تطور مجتمع وانفتاح النظام السياسي، انما هو مناخ حرية التعبير والاعلام، في الصحافة والفضائيات وعلى الشبكة العنكبوتية.. والحقيقة، انه منذ ان وطئت اقدامنا الارض الايرانية شعرنا بنوع من القطيعة مع العالم الخارجي.. فالجوال انقطع عن لعب دوره الاتصالي، فلا انت تستقبل مكالمة من الخارج، ولا انت قادر على الاتصال بذويك او اصدقائك من خارج ايران.. بل ان بعض اعضاء الوفد التونسي، حاولوا الاتصال باصدقائهم الايرانيين، سواء من الاعلاميين او الجامعيين او المثقفين لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، لوجود شيء ما في شبكة الاتصالات... وهذا امر غير طبيعي في دولة متطورة تكنولوجيا ومنافسة في المجال النووي بل حتى إذا سلمنا جدلا، بان ذلك ناتج عن تحوط امني، فالأمر غير مقبول بكامل المعايير .. الراجح، وفق احد المسؤولين في فندق «لالة» الذي مكثنا فيه الايام الثمانية ان الجانب الأمني، هو المحدد في هذا الموضوع، سيما في ظل حضور شخصيات عربية وعالمية مرموقة اشغال «المؤتمر الدولي الخامس لدعم القضية الفلسطينية»، ومعروف ان ابرز رجالات المقاومة الفلسطينية كانت حافرة في هذا المؤتمر، وهي مستهدفة اسرائيليا منذ زمن بعيد..
الشبكة العنكبوتية
لكن مشكل الشبكة الاتصالية ليس وحده الذي يفاجئك في طهران، فالانترنت هي الاخرى، تعيش على وقع قرار الشد والجذب الذي يقال ان الحكومة الايرانية بدأت تمارسه منذ اندلاع احتجاجات المعارضة قبل عدة اشهر، وتحديدا منذ انبلاج فجر الثورات العربية، التي كانت الانترنت احدى ادواتها الرئيسية.. غير ان هذه المعطيات لا تبدو دقيقة، بل تتحكم في تسريبها بعض الوجوه الشبابية التي تحمل وجهة نظر نقدية للنظام الايراني، ربما سعة سرعة الانترنت ضعيفة، لكن الشبكة العنكبوتية متوفرة. الأمر اللافت هنا، هو غلق عديد المواقع ذات الصبغة السياسية والاعلامية، فيما يبدو الدخول للشبكة الاجتماعية (فيسبوك)، صعبا ان لم نقل مستحيلا.. وهذا ما اكتشفناه في الفندق الذي اقمنا فيه، فقد كان الدخول للشبكة غير ممكن عمليا، والانترنت ذاتها ليست من الأمر المتاح بسلاسة كما يجري عندنا او في عدة بلدان اخرى.. لذلك تبدو ايران معزولة في الاعلام الدولي، وانباؤها واخبارها لا تصاغ باصابع رجالها، بقدر ما يصوغه الاعلام الغربي، او بعض الاعلاميين العرب، من «الموظفين» لدى هذه الدولة او تكل.. ولعل ما يثير حقا في هذا الموضوع ان ايران التي تربطها علاقات بالعالمين العربي والاسلامي، لا تملك ولو صحيفة ناطقة باللغة العربية، توزع في العواصم العربية، وحتى صحيفة (كيهان العربي) او جريدة (الوفاق) الناطقتين بالعربية، لاتصلان الى أي من الدول العربية... وعندما تطرح الإشكال للمسؤولين الايرانيين تجد لديهم قلقا واضحا بهذا الشأن، فمدير مركز الدراسات الاستراتيجية في طهران، الجامعي، تشبقيني اعترف ل»الصباح» بالتقصير في عملية ايصال وجهة النظر الايرانية بعقل وصياغة ايرانية»، وهو ما ينسحب على المجالات الفكرية والسياسية والاستراتيجية التي تكتب أدبياتها باللغة الفارسية او الانقليزية..
صحافة محلية..
عندما تتجول بين الأكشاك في العاصمة طهران ستجد كميات هائلة من العناوين الصحفية بينها (ايران) و(كيهان) و(تايمز) و(اخبار طهران) و(إيران ديلي) و(ايران دبلماسي) وغيرها وهي كلها ناطقة بالفارسية او الانكليزية بما يجعلك في قطيعة تامة مع الاحداث اذا كنت من المقلين في مشاهدة التلفزيون.. وعلى الرغم من هذه العناوين الكثيرة لا تبدو مطالعة الصحيفة جزء من تقاليد الايراني، خصوصا لدى الشباب وعندما حاولنا البحث عن أسباب ذلك، قيل لنا ان الصحف الإيرانية «رسمية»، بمعنى ان جرعة نقدها للحكومة وللنظام الإيراني، ضعيفة للغاية، اما تعاطيها مع القضايا الدولية، فهو يعكس إلى حد كبير، مزاج الحكومة وخلفيتها الدبلوماسية وطبيعة علاقاتها الدولية.. لاشك أن الإيرانيين، يعتبرون المساس ببلادهم، وبمصالحهم الوطنية، كما يصفونها، ومنها «النووي الإيراني»، ومناهضة الولاياتالمتحدة، والصراع مع إسرائيل، أمور غير قابلة للنقاش فيما تبدو الصحافة الإيرانية أمام «خطوط حمراء» عديدة، لا مجال للمساس بها بأي شكل من الأشكال، بينها من يوصفون ب»صقور النظام»، وحراس الثورة، إلى جانب النظام الديني، وهو المذهب الشيعي الذي لا يعتبره الإيرانيون مذهبا بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما هو جزء من نظام الحكم والثورة وإرث البلاد وخصوصياتها.. ويمكن للمرء أن يستطرد كثيرا في أمثلة للدلالة على الخطوط الحمراء المتوفرة في الصحافة والإعلام في إيران، بما في ذلك الصحافة الغربية، وحتى العربية، التي لا تجد لها مكانا في الأكشاك الإيرانية.. وعلى أية حال، بوسع المرء وهو يتأمل السياسة الإعلامية الإيرانية، أن يلحظ بوضوح، تشابك العلائق بين البنية السياسية للنظام، والمعطى الديني، والجوانب العسكرية، وهي علائق غير قابلة لتبادل الأدوار بين مكوّناتها.. ربما لأن البلاد تعيش الحصار الاقتصادي، وتواجه التهديد بالحرب، وتعاني من مواجهات دبلوماسية من المحيط العربي، فهل بوسع الإعلام الإيراني مع أفق الثورات العربية الراهنة، أن يظل مجرد حارس لمتطلبات الداخل الإيراني، في وقت يتحدث بعض الإيرانيين، من داخل النظام بالذات عن ضرورة البحث عن سياق إعلامي جديد يتحرك فيه الإعلاميون في إيران، ضمن أفق كوني؟ سؤال ترتبط الإجابة عليه بمسائل سياسية واقتصادية، إلى جانب الدور الإيراني في السياسة الإقليمية والدولية..