أحسن بن جعفر إدارته لحملته الانتخابية فكان في حقلها الملغوم سابحا دون أن يبتل صعد حزب التكتّل الديمقراطي من أجل الحريات والعمل كقوة سياسية ثالثة في التأسيسي ورغم أن وجود هذا الحزب كان منطقيا ولم «يفاجئ» المتتبعين للشأن السياسي فان ذلك يعود أساسا إلى الانطباعات «الجيدة» التي تركتها مواقف زعيمه مصطفى بن جعفر في أذهان العامة.. فالرجل تصرّف بحكمة في أحرج المواقف السياسية التي مرّت بها البلاد ولم يتسرّع أو يتكالب على كرسي يتعارض مع رغبات الشعب.. كما كان حضوره الإعلامي محل ترحيب من المواطن لأنه لم يدخل في مجادلات ومشاحنات مع أي طرف سياسي ولم يتورّط في التهم التي وجهت لخصومه خاصّة فيما يتعلّق بمصادر التمويل وفتح الباب للتجمعين..اليوم نسلّط الضوء على شخصية بن جعفر في علاقته بالناخبين والتي رجحت كفته..
عماد الرقيق الماضي النضالي يرجّح الكفة..
تتميّز الشخصيات الفائزة في الانتخابات بماضيها النضالي ومعاداتها للأنظمة السابقة فربما المواطن انتخب حسب قاعدة من هو عدوّ عدوّي فهو صديقي..وان هذه الشخصيات البسيطة في لباسها وهندامها والقريبة من المواطن العادي فهذا يمسّ المواطن ويجعله قريبا من هذه الشخصية أو أن يركب محامي كبير سيارة أجرة وهو نائب رئيس حزب فهذا ربّما يقرّب هذه الشخصيات من المواطن الضعيف الذي وجد نفسه في هذه الشخصيات غير المتعالية وغير الفوقية والمتواضعة أو أن نجد رئيس قائمة يذكر كل الأحياء الفقيرة والنائية بالاسم في جلّ حصصه التلفزية فهذا يشعر هذه الطبقات والمناطق بأنها غير منسية من هذه الشخصيات والأحزاب.. والناحية الأخرى هي دور الانترنات والإعلام والعولمة والتي أصبحت المعلومة تمرّ فيها بسرعة غريبة وعجيبة وأصبحت معها الحملة الانتخابية تشهد نسقا سريعا ومتواترا خاصّة من خلال اعتماد المرشحين على طريقة الاتصال المباشر بالمواطنين والناخبين أو حاضرين في مواقع التواصل الاجتماعي... وربما لم يجد اليوم المواطن مؤاخذات على هذه الشخصيات في كل ما شاهده من تصرّفاتها المتسمة بالرصانة والجدية..وبالتالي لا تمثّل أي «إحراج» لأفكاره ولخلفيّته الاجتماعية والثقافية..وحتى من أخطأ وتراجع وفسّر وأعتذر على الملإ في التلفزيون ولذا أعطاه أتباعه فرصة لمتابعة مسيرته السياسية.. كما أصبح المواطن بعد ثورة 17 ديسمبر متيقظا جدّا ويحلّل كثيرا ردود أفعال الساسة تجاه قضايا مصيرية تهم البلاد ولذلك اختار الناخب التونسي من وجد أنه يمثّل قطعا مع الماضي ومن لم يتعرض مع أفكاره وتطلّعاته .. ولكن سيبقى المواطن «رقيبا عن كثب» لما سيفعله ويقوله بن جعفر وغيره من الشخصيات السياسية التي تصدّرت المشهد السياسي الحالي لأنه يأمل أن يبقى السياسيون الذين اختارهم قريبين من همومه ومشاغله..
مهدي عبد الجواد سياسي مخضرم.. وشخصية متزنة..
يُعد مصطفى بن جعفر اليوم، أحد الشخصيات السياسية المهمة في المشهد السياسي التونسي. ولا يعود هذا الى ما حصده حزب التكتل للعمل والحريات فقط، بقدر ما يعود الى شخصية الدكتور بن جعفر. بن جعفر شخصية سياسية «مخضرمة»، اهتم بالشأن السياسي العام رغم دراسته العلمية. وعرف محطات سياسية مهمة في تاريخه النضالي. ورغم ما يُعرف عن الرجل من طيبة، يعدها «بعض» خصومه نقيصة في رجل السياسة، فانه كان صلبا في ما يتعلق بالمسألة الديمقراطية وعلوية حقوق الانسان. فبن جعفر، المناضل الدستوري والطلابي، كان من الجناح الذي تمرد على الزعيم الحبيب بورقيبة، في منتصف السبعينات لما طُرحت مسألة الحريات والديمقراطية في تونس الاستقلال. ولم يتوان الدكتور بن جعفر عن الابتعاد عن الحزب في لحظة لم يكن من السهل فيها المروق على «الأب» المؤسس. وطيلة حياته السياسية كان بن جعفر وفيا لهذا الخط النضالي الحقوقي والمدني السلمي. فمن رابطة حقوق الإنسان إلى حركة الديمقراطيين الاشتراكيين الى المجلس الوطني للحريات وصولا الى حزب التكتل، كان بن جعفر وسطيا في التعامل مع المستجدات السياسية والفاعلين فيها، ولكنه كان مبدئيا ايضا. ولذلك كان السيد بن جعفر محل تقدير كبير من كل النشطاء في الحقل العام بكل مجالاته. واقترب بن جعفر لما في شخصه من ميزات ذاتية من الجميع يمينا ويسارا، ولكنه كان بعيدا بما فيه الكفاية عن الدكتاتورية وبريق السلطة الكاذب وهو ما برهن عليه بُعيد الثورة عندما رفض الانضمام لحكومتي الغنوشي. ولعلي لا أبالغ عندما أقول أن ما بلغه حزب التكتل من تمثيلية عالية في المجلس التأسيسي يعود الى هذا الموقف. تعرض بن جعفر كغيره من المعارضين الجديين الى الكثير من عنت الدكتاتورية وتضييقها، صحيح انه لم يتعرض الى ما تعرض اليه غيره من سجن واقامة قسرية ولكن بن علي لم يترك وسيلة تجعل من حياة بن جعفر «جحيما» الا واستعملها. غير ان الرجل حافظ على اتزانه وهدوئه، و لم يرد الفعل بتشنج ولم يدخل في مواجهة مفتوحة مع بن علي، ولكنه لم يستسلم ايضا. بن جعفر، الذي يحلو للكثير تقديمه، باعتباره «اشتراكيا ديمقراطيا» مثل أولف بالم تماما. رجل بسيط و»شعبي» يبعث بحركاته ونبرة خطابه الثقة فيه، والطمأنينة إليه. رجل الشارع البسيط يشعر بدفء الرجل الإنساني، لذلك أحسن بن جعفر إدارة حملته الانتخابية، فكان في حقلها الملغوم، سابحا دون ان يبتل، لم يشاحن أحدا ولم يُجادل خصما بانفعال، وهو أكثر الشخصيات السياسية حضورا في الإعلام، ويكاد لا يُذكر في الإعلام البديل تماما إلا بالمدح. وهذه الخصال تبدو عند البعض حتى ممن يُقدرون بن جعفر نقيصة في رجل الدولة. فما يطمح اليه بن جعفر أكثر من قيادة حزب مهم، ورئاسة الدولة ليست بعيدة في اطار المفاوضات القائمة، أو في المرحلة المقبلة. ودماثة الاخلاق التي يتمتع بها والطيبة الراجعة الى النشأة الاجتماعية والمُناخ الاجتماعي الذي يعيش فيه، يجعله محببا عند عامة الشعب من جهة، وانسانا غريبا غامضا من جهة ثانية. فالغضب كالسرور تماما من الصفات الإنسانية. وقيادة البلاد قد تحتاج في أحايين كثيرة، إلى صلابة في اتخاذ المواقف وصرامة في تمريرها والدفاع عنها وهو ما يبدو أن السيد بن جعفر يفتقده تماما. في الجملة الدكتور بن جعفر اليوم أحد مفاتيح الانتقال الديمقراطي، وهو من المؤتمنين على مكتسبات تونس، وهو في مخبر حقيقي اليوم، لان ما يتهدد هذا المسار الديمقراطي من مخاطر الانزلاق يمينا أو يسارا في ما يتعلق بالحريات وحقوق الانسان، يجعل بن جعفر أمام التاريخ، وهو ما قد يدفعه الى التضحية بطموحاته الشخصية من أجل تونس ومن أجل ما وهب عمره لتحقيقه: تونس الكرامة والحرية.
رضا الكافي ثبوت على المواقف والمبادئ...
اختيار مصطفى بن جعفر وغيره من الوجوه الحزبية التي تمثّل اليوم واجهة الساحة السياسية مرتبط بخوف الشعب التونسي من الزعامات السياسية بمفهومها التقليدي..فالشعب التونسي بات مرتابا لأنه غولط في الماضي وبالتالي بات عنده نوع من الحذر تجاه السياسة والساسة المتقلبين خاصّة وحسب تطوّرات ومعطيات الراهن فان مصطفى بن جعفر ظل محافظا على مبادئه وقد «تمرّد» على بورقيبة وخرج عن الحزب مع أحمد المستيري..ثم كان زمن بن علي من القلائل الذين لم تقو السلطة على تدجينهم..كما كان بن جعفر الإنسان والسياسي واضحا في خياراته ثابتا عليها ولم يتخلّ قطّ على الخطّ العلماني،الحداثي،الاشتراكي الذي سار فيه منذ البداية فكثيرون هم السياسيون الذين تلوّنوا كالحرباء وانتقلوا من النقيض الى النقيض حتى أصبح بعض الشيوعيين من الليبراليين..وبالتالي كان مرّد اختيار بن جعفر أوّلا مسيرته السياسية المشرفة وثانيا لأنه ليس من نوع المتسرعين في خياراتهم وقراراتهم فحتّى بعد الثورة عرض عليه منصب وزير الصحة ليفضّل الانحياز إلى صفّ الشعب الرافض لحكومة الغنوشي ..ومثّل بن جعفر مثالا للشخصية الهادئة والوسطية المتزنة كما له جانب كبير من الوقار منحه ثقة التونسيين... منية العرفاوي
مصطفى بن جعفر في سطور
ولد مصطفى بن جعفرعام 1940 بحي باب سويقة بتونس العاصمة . سياسي تونسي ورئيس حزب.
الدراسة
عاش يتيما في عائلة تتركب من خمسة أطفال ؛ ولم يمنعه ذلك من اللحاق بالمدرسة الصادقية فيما بين 1950 و1956. ثم واصل دراسته العليا بفرنسا في الطب ، وتخصص في الأشعة ، وقد انتمى خلال فترة دراسته إلى الاتحاد العام لطلبة تونس. عاد إلى تونس سنة 1975. ليدرّس بكلية الطب بتونس؛ كما تولى خطة رئيس قسم الأشعة بمستشفى صالح عزيز (1975-1980).
السياسة
سياسيا، انتمى منذ نهاية الخمسينات إلى الحزب الحرالدستوري الجديد، ولكنه خرج منه في السبعينات مع المجموعة التي أعلنت سنة 1978 عن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، والتي كان هو نفسه أحد مؤسسيها. وقد ساهم في تلك الفترة في إصدارجريدة الرأي (1977) وفي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (1978)، وقد تولى فيما بين 1986 و1994 خطة نائب رئيس لها. كما كان من مؤسسي نقابة أطباء المستشفيات الجامعية سنة 1977.
زعيم حزب
إثرالمنعرج الذي سلكته حركة الديمقراطيين الاشتراكيين برئاسة محمد مواعدة سنة 1991، أعلن عن معارضته للتوجه الجديد، فرفت من الحركة سنة 1992 فأسس سنة 1994 «التكتل الديمقراطي» من أجل العمل والحريات، كما ساهم سنة 1996 في تأسيس المجلس الوطني للحريات بتونس.