بقلم: مصطفى البعزاوي الحكومة الجديدة المنبثقة عن المجلس الجديد والمكون من المنتخبين الجدد، نريدها بخطاب جديد و بثقافة جديدة و بأحلام جديدة. يجب القطع مع الماضي، ولا نقصد التاريخ، بل القطع مع الانحرافات والقطع مع الظلم و القطع مع الفساد و القطع مع القمع. إن الحرية هي أغلى المكاسب التي حققها الشعب التونسي، و الحرية هي المكسب الذي مكن كل الشعوب العربية من الثورة على عفن الأنظمة المتسلطة والفاسدة. هذه الحرية لا يجب أن تصادر، لا يجب أن تقنن، لا يجب أن تكون منة و صدقة تصرف للناس بالمقدار و الجرعة. إن الحرية جزء من الذات البشرية التي خلقها الله ليحاسبها هو دون غيره، و يعرف، من دون شك، أنها تتحول إلى ظلم في حالة واحدة، التنازل عنها من البعض ليحتلها البعض. أما إذا حافظ كل فرد على حريته فتلك هي الحرية عينها. « أي إلاهي إن لي أمنية..........أن يسقط القمع بداء القلب» لهذا و لغيره أطلب من الحكومة الجديدة أن لا تفكر في مصادرة حريتي و لا حرية غيري. إنها مسؤولة عني و عن كل أفراد هذا المجتمع فردا فردا من شرقه إلى غربه و من جنوبه إلى شماله. هذه الحكومة الجديدة دمنا في أعناقها و عرضنا في أعناقها و مالنا في أعناقها، خبزنا في أعناقها و ملحنا في أعناقها. فهي مسؤولة عن وطن، مسؤولة عن بلاد و تراب وهواء وشمس، مسؤولة عن أحلام و عن جواز سفر، تدافع عنه مهما كان حامله فهو رمز للشهداء و رمز للكرامة. يا ألاهي إن لي أمنية أخرى.... إن حاجتنا للعيش الكريم و حاجة أبنائنا للعمل وتوفير مقومات الحياة الدنيا هي التي تغذي الأحلام و الآمال. هذه الحاجة لا يجب أن تقودها الرغبة في رفع التحديات بأي ثمن. نحن شعب مثقف، واع و وطني ولنا رغبة في التميز و النجاح. و إذا كانت هذه الرغبة في النجاح دفعت بالكثيرين من التونسيين و التونسيات إلى التعلق بتلابيب السلطة و الفساد لتحقيق الأحلام، فنفس هذه الرغبة سوف تتعلق بتلابيب العمل و الصدق و المساهمة في تطوير البلاد و تحديثها. لذلك فإن الرأسمال الوطني و الادخار الداخلي قادرين على رفع هذا التحدي. على القائمين أو من سيقومون بإعادة تشغيل عجلة الاقتصاد أن لا يحتقروا مدخراتنا و لا قدراتنا و لا ذكاءنا، فما حك جلدك غير ظفرك. إن التوجه للتمويل الخارجي لإعادة دفع عجلة الاقتصاد هي أول و أخطر الخطايا التي يجب تجنبها بأي ثمن. لا نريد مالا لا غربيا و لا عربيا و خصوصا خليجيا. حاجتنا إلى المال للاستثمار لا تستقيم مع جشع رأس المال الخليجي الذي لا يديره المستثمر الخليجي. نسب مردودية المشاريع العقارية التي حولت بلدان الخليج إلى كتل من الإسمنت المسلح و شوهت مدن الصحراء بناطحات السحاب و حجبت عنهم الشمس و الهواء لا تصلح لبناء اقتصاد جديد ومنتج. لا يقوم اقتصادنا الجديد على مشاريع الترفيه و مدن الملاهي و مراكز التسوق و التي تعتبر اختصاصا خليجيا بامتياز. إن لنا يدا عاملة مثقفة و شابة يجب أن ندفع بها إلى القطاعات المنتجة، حتى و إن كانت صغيرة، فنحن لسنا أفضل من اليابان التي توفر معظم مكونات الصناعة الإلكترونية من ورشات لا يتجاوز حجمها العشرين عاملا. أما أن نقبل باستثمار عقولنا و ارضنا و شمسنا و طبيعتنا و ثرواتنا في قطاع الخدمات لنعود خدما كما كنا بعد أن استرجعنا حريتنا و كرامتنا بدمائنا وعذاباتنا فهذا ضد منطق الأشياء و لا يدعو للاطمئنان و لا يؤسس لمستقبل واعد و متقدم. كذلك، و هذا أهم، أن لا يجب التعويل على مد أيدينا للديون و نحن نرى كيف تتهاوى حكومات و اقتصاديات التداين الواحدة تلو الأخرى و القادم أعظم. إن اقتصاديات الإنسان قامت منذ الأزل إلى اليوم برغم كل التعقيدات و النظريات على قاعدة بسيطة لكنها جوهرية و هي أن الفلاح يترك من محصوله بذور الزرع المقبل و هو ما نسميه في المالية الحديثة بالأموال أو الموارد الذاتية، النواة الصلبة لكل مشاريع و استثمارات الدنيا، و هي كذلك التوصية و الضمانة الضرورية لنجاح و استمرارية كل المشاريع في كل الأدبيات المالية و الاقتصادية بما فيها جامعة هارفارد..... لذلك فلا خوف من عدم التداين و لا خوف من الاعتماد على الرأسمال الوطني بل يجب منحه الثقة الكاملة و سترون كيف يبني المستشفيات والمدارس ويمد الجسور و يعبد الطرقات و يفلح الأرض ويبني المصانع و يورد و يستورد على شرط وحيد.....أمنحوه الأمان و أقطعوا دابر الفساد والرشوة و ضعوا له إدارة لا تستكمل دخلها من جيبه و من هباته. يا إلا هي: رغبة أخرى إذا وافقت...... هذه الحكومة و إن كانت حكومة الأغلبيات الانتخابية فإنها حكومة كل التونسيين. إنها حكومة التأسيس ليس من حيث الوجه القانوني لكتابة دستور جديد و إقامة نظام سياسي جديد و تعريف جديد للسلطات تضمن الديمقراطية و تقطع مع الدكتاتورية، بل تأسيس لإقامة نظام عادل لكل التونسيين و ليست حكومة محاصصة يقتسم فيها الرابحون المنتخبون المقاعد و التصورات. إن قاعدة التأسيس هي العدالة الاجتماعية و الاقتصادية و الصحية و التعليمية والجهوية و القطاعية. إنها نموذج لمجتمع ينتفع فيه الصالح و الطالح مادام يتنفس هواء هذه الأرض، إنها الحكومة التي سوف ينتخبها كل الشعب في المرة القادمة، ربما للونها السياسي، لكن أولا و قبل كل شيء لعدالتها و صدقها في خدمة الناس و هم قطعا و حكما سيصبرون عليها إن كانت كذلك بل من المؤكد أنهم سيدافعون عنها. كل الأحزاب الفائزة يجب أن تقطع مع ثقافة المعارضة و الاصطفاف الحزبي المقيت و توسع من قاعدتها الجماهيرية، يجب أن تجد الشعب إلى جانبها لا منخرطي أحزابها يدافعون عن «المعيز ولو طاروا». تذكروا كيف أخرج الشعب شافيز من السجن وأرجعه رغما عن أنف أمريكا إلى كرسي الرئاسة، تذكروا كيف هرب بن علي من العارية صدورهم في يوم جمعة و قد قذف الله في قلبه الرعب، تذكروا كيف حضر حسني مبارك في قفص الاتهام، تذكروا أن الشعب، كل الشعب هو صمام الأمان و تذكروا أن الشأن العام و خدمة الناس هو العمل الصالح بامتياز في السماء و الأرض. ملاحظة: عنوان المقال وعناوين الفقرات من قصيدة للشاعر مظفر النواب عنوانها ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة.