إعداد جمال الفرشيشي وأروى الكعلي - عاشت ولا تزال الشعوب العربية على وقع ما سمي "بالربيع العربي" والذي كانت انطلاقته الأولى من تونس تلتها مصر، وبين تونس والقاهرة تشابهت الُأحداث والتطورات التي تسارعت بشكل كبير من يوم لآخر وكانت نقطة الفصل بالنسبة إلى الثورتين النجاح في تنظيم الانتخابات ثم السيرنحو تأسيس ديمقراطية حقيقية. «الأسبوعي» بحثت في نقاط الالتقاء والاختلاف بين الثورتين من خلال النظامين المدني و العسكري اللذين قادا هذين البلدين خلال الثورة لاستجلاء نقاط الاختلاف والتشابه بينهما. تحدث محللون كثرعن الثورتين التونسية والمصرية بإطناب؛ ومع كل حدث جديد وموعد هام في تاريخ البلدين إلا واتجهت الأنظار نحوهما في نظرة تقييمية لهذين التجربتين. كما أكدوا ان المصريين كانوا في حاجة إلى المقدمة التونسية حتى يثبت لهم أن الشعب قادرعلى فرض إرادته، وأن أسابيع من الإصرارالشعبي كافية لهدم أركان نظام جثم على نفوس الملايين . فساد مالي .. تميز نظاما مبارك و بن علي بفساد الطبقة الحاكمة ، حيث كدست العائلتان الحاكمتان ثروات كبرى بطرق غيرنزيهة، تقدراليوم بالمليارات، وأحاطت نفسها بمجموعة من رجال الأعمال محدثي النعمة، ممن عملوا على الجمع بين الثروة والنفوذ السياسي، وقد جلبت هذه النخب في نهاية الأمرنقمة شعبية منقطعة النظير على النظامين الحاكمين في البلدين ، كانت السبب الرئيس في إنهائهما؛ لكن ذهب محللون ومتابعون للشأن السياسي بالبلدين إلى القول إنه ثمة اختلاف لا بد من رصده فيما يتصل بطبيعة نظامي مبارك وبن علي، فقد أكدوا على أن النظام المصري أقل تضييقا على الحريات العامة والصحافة والإعلام من نظيره التونسي. وإن من أكثرالمشاهد إبهارا في الثورتين التونسية والمصرية تشابه فصولهما العجيب، وخصوصا الكيفية التي عالج بها النظام في البلدين تصاعد الحركات الاحتجاجية ، فكلا الرئيسين خطب ثلاثة خطب في شعبه ، وكلاهما بدا معزولا ومتأخرا في رد فعله ، وكلاهما ذكرببلائه الحسن في خدمة دولته ووطنه وأبدى تفهما غير مقنع لمطالب الشباب الثائر على حكمه، وكلاهما خطب خطبة الوداع مساء الخميس وغادر الحكم مساء الجمعة. بين القناصة والبلطجية اتسمت الثورتان بحضورللعديد من المصطلحات على غرار»القناصة « في تونس و»البلطجية» في مصر. كما تكونت اللجان الشعبية لحماية الأحياء والسكان ؛ ولا يمكن نسيان دورالشباب في البلدين الذين اتخذوا من»الفايس بوك» وسيلة لطرح القضية وتنظيم المسيرات ونقل الاخبارفكان كل مواطن صحفي .أمرآخر ازدانت به شوراع البلدين أيام الثورة تمثل في ارتفاع النزعة المطلبية والاحتجاجات النقابية التي شملت كل الميادين. وفي سياق أخر، تحدث سياسيون في تقييمهم للتجربتين عن غياب الرموزوالزعامات السياسية المؤثرة في تونس إبان الثورة وبعدها فيما ضربت بقوة في الشارع المصري خاصة القيادات الدينية. بين الإخوان والنهضة يتزايد اهتمام المتابعين لما ستفرزه انتخابات ثاني ثورة عربية وقد نشرت مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية «فورن بوليسي» في عددها الصادر في شهري سبتمبر/أكتوبر مقالة بحثية ل« إريك تراجر» «تحت عنوان جماعة الإخوان المسلمين التي لا تقهر.. آفاق قاتمة لمصرالليبرالية»؛ حيث قدم الكاتب عددا من الأدلة التي تثبت أن جماعة الإخوان أصبحت القوة الأكثر تأثيرا على الساحة السياسية المصرية بعد الإطاحة بنظام مبارك، فضلا عن إمكانية نجاحها بأغلبية ساحقة في الانتخابات البرلمانية القادمة. وإن كان عدد من التقارير قد تحدث عن دعم أمريكي لحركة النهضة ، فإنّ هذه الدراسة دعت الحكومة الأمريكية إلى العمل على دعم القوى الليبرالية، وتدعيم جهود التحالف بين القوى الليبرالية في مصرلمواجهة تنامي نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، والعمل على تقليل احتمالية خضوع الأحزاب المصرية لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى دعوة الكاتب الإدارة الأمريكية لتقديم أفكارليبرالية للشعب المصري غير المثقف، وتعليمه أهمية التعايش مع الآخر، واحترام حقوق الأقباط ، تجنبا لتعرضهم للهجوم ولمزيد من العنف. بين المدني والعسكري يعد النظام المعتمد في البلدين من أهم نقاط الاختلاف بينهما حيث اختارت تونس نظاما مدنيا يقود البلد نحو مجلس تاسيسي ستكون أولى جلساته يوم غد الثلاثاء و ستتمثل مهامه في سن دستورجديد للدولة ؛ في حين كان تكفل المجلس العسكري في مصربقيادة البلاد. ويبدو أنّ مناقشة الدورالسياسي والاقتصادي للمؤسسة العسكرية بعد الثورة أمرفي غاية الحساسية في مصرمقارنة بالدول الأخرى. فلا يمكن جمع معلومات دقيقة حول الضباط المصريين أوالمؤسسة العسكرية المصرية حسب مجلس سياسة الشرق الأوسط الأمريكي، وهو ما سيحد من القدرة على انتقاده. وقد رأت تقارير صحفية أمريكية أنّ أداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر يوحي بالتخلي عن القيم والمبادئ التي انطلقت من أجلها الثورة، خاصة على خلفية ما اقترحه الجيش من «مبادئ فوق دستورية»، تجعله غيرخاضع للرقابة المدنية وتسمح له بالتدخل في السياسة حتى بعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وهذه الإجراءات تتمثل بشكل خاص في الاعتقالات المستمرة التي يشنها المجلس العسكري والمحاكمات العسكرية التي يقف أمامها مدنيون.. أما في الداخل المصري فيرى عدد من المحللين أنّ الانتخابات القادمة لن تحقق الكثير للبلاد، في ظلّ الحكم العسكري. وبالرغم من أنّ الانتخابات القادمة ستتم بإشراف قضائي ورقابة محلية ودولية، فإنّ الجدل مازال متواصلا حول ما إذا كانت هذه الانتخابات ستقطع بالفعل مع الممارسات السابقة، في ظلّ تواصل الاعتقالات والمحاكمات العسكرية ل15 ألف مدني على خلفية المشاركة السياسية أو التعبيرالحر. كما أنّ أداء المجلس العسكري المصري لا يحظى بتأييد عدد من الشخصيات السياسية في البلاد على غرار تصريح بثينة كامل أول مرشحة محتملة للرئاسة في مصرالتي قالت إن المجلس العسكري «يخنق الأمل في التغييرولا يمكن الوثوق به لإدارة انتقال البلاد إلى الديمقراطية..» وهو ما ذهبت إليه بعض الصحف المصرية. انتقدت بعض الصحف المصرية أداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث كتب فهمي هويدي في صحيفة «الشروق» المصرية مقالا بعنوان : «مصرتحت وصاية العسكر.» اعتبرفيه أنّ أسوأ ما في إعلان المبادئ الأساسية للدستورالجديد في مصر أنه يضع المجتمع تحت وصاية المجلس العسكري في الفترة الانتقالية ، ويضع المؤسسة العسكرية فوق القانون في الظروف العادية. من جهته، اعتبرخالد صالح رئيس تحرير صحيفة «اليوم السابع» أنّ موقع المجلس العسكري فى الدستورالجديد الذي ستتم صياغته بعد الانتخابات يمكن أن يفجرجدلاً حقيقياً حول العلاقة بين المجلس العسكري والرئيس المنتخب، وحدود صلاحيات كل منهما عند الأزمات.