اليوم تفتتح أشغال المجلس التأسيسي بعد أن تسرب الملل إلى نفسية المواطن التونسي وسئم انتظار اتفاق السياسيين على الالتفات له والعمل على الاهتمام بمشاغله وبما يساعد على تحسين ظروف عيشه ويمكنه من قطف ثمار ثورته وسن القوانين التي تعيد له كرامته وتعتق رقبته وتزيل الثقل من على كاهله وتنسيه البعض مما عاناه من ظلم النظام السابق. ملل وقلة حيلة جعلا التونسي يترك السياسة لأهلها ويقبع منتظرا قرارا أو إجراء يزيح عنه غمة غلاء الأسعار وارتفاع نسبة البطالة وكثرة الضرائب وكسل الإدارة وتردي خدماتها الاجتماعية والصحية.. قرار يقنعه بان ثورته واقع ملموس وليست حلما بلا أفق.. اليوم وبعد أن اتفقت الأحزاب الكبرى الفائزة في الانتخابات على أن يرأس المنصف المرزوقي الجمهورية التونسية ومصطفي بن جعفر المجلس التأسيسي وحمادي الجبالي الحكومة وحسمت تقريبا مسألة التحالفات والائتلافات والاقصاءات والاقتراحات والانقسامات والتنافس على الرئاسيات يأمل المواطن أن يجد لاهتماماته الحقيقية مكانا في أجندات من انتخبهم. فالسوق التهبت فيه الأسعار دون أن يجد المواطن مجيبا لاستغاثته وقد وقع بين براثن الوسطاء في غياب مؤسسات قادرة على حمايته من الاحتكار والأنانية، إذ كيف لمراقبة اقتصادية أن تحمي المستهلك وأعوانها غير قادرين على حماية أنفسهم ولا على فرض إشهار الأسعار على تجار تملصوا من كل القوانين بتعلة القيام بثورة. وقطرات المياه في موسم الأمطار تتجمع بركا في المنازل والمؤسسات وتغمر الطرقات بعد أن تركت البلديات البالوعات والقنوات والأودية التي كانت تجهرها وتنظفها قبل الأمطار للمواطن يبتلي بها وللجيش يبحث لها عن حلول قد يغفل عن الجذرية منها لانعدام الاختصاص رغم توفر العزيمة. والاعتصامات والطلبات المجحفة وقلة الصبر والإضرابات والتلويح بالعام منها يجعل خسائر الاقتصاد التونسي بالمليارات والشركات المتضررة بالمئات ويضاعف عدد البطالين ويدفع المستثمرين إلى إعادة التفكير في قرارات الاستثمار في تونس ما لم تلح لهم بوادر انفراج ما مهما كان صغيرا. ..اليوم والجلسة الأولى للمجلس الوطني التأسيسي تلتئم لأول مرة لا بد أن يتذكر أعضاؤه أن الشعب التونسي يريد أفعالا لا أقوالا وقوانين خالية من الحسابات الحزبية ووضع دستور يخدم المجتمع ويكرس المساواة بين الرجل والمرأة ويضمن الأمن والإحساس بالأمان ويرجع الثقة للمستثمرين الأجانب الذين كانوا يساهمون معنا في دفع عجلة التنمية. إننا ننتظر إيفاء أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بتعهداتهم - الواقعية منها على الأقل- وخاصة على مستوى العناية بالجهات الداخلية وتامين التوازن بينها على جميع المستويات لأنه الضامن الحقيقي لإخراج تونس من هذه الوضعية الصعبة.