نور الدين عاشور بافتتاح أشغال المجلس التأسيسي خطونا خطوة هامة نحو الانتقال الديمقراطي خاصة بعد الانتخابات التي أفرزت خريطة سياسية تعبر نسبيا عن قوة الأحزاب ومدى شعبيتها، لكن لابد من إخضاع عملية الانتقال إلى منطق وجملة من الأعراف والتقاليد في المجال الديمقراطي ربما ما زالت الطبقة السياسية تفتقر إليها. فمن حق الفائزين بمقاعد التأسيسي تكوني تحالفات وتكتلات والطموح إلى تولي مناصب هامة لكن كان يفترض أن يكون ذلك بشكل يتماشى مع الممارسة الديمقراطية ومستوفيا لشروط احترام كل التونسيين. لقد كانت طريقة تقديم التحالف مرشحيه لرئاسة الدولة والحكومة والمجلس التأسيسي استعراضية أكثر من اللازم والحال أن الأمر يتعلق بنتائج مشاورات كان يتعين أن تبقى في هذا المستوى إلى حين اجتماع المجلس التأسيسي والشروع في أشغاله وفق جدول أعمال محدد. ولا شك أن استباق الأحداث وحرق مراحل كان على الصعيد الشكلي الذي حرمنا كتونسيين من تذوق طعم الديمقراطية وممارستها فترشيح رئيس للدولة حتى قبل تحديد مهامه والإعلان عن مرشح للحكومة والخوض في توزيع الحقائب الوزارية قبل تكليف رئيس الدولة الشخصية المتوافق عليها بتشكيل حكومة وإجراء مشاورات مع مختلف الكتل أو الأحزاب، كشف عن "جاهزية" كانت سمة الحياة السياسية في العهد البائد. إن القفز على الجوانب الشكلية من شأنه طرح تساؤلات حول كيفية تعاطي الحكومة المقبلة مع مشاريع القوانين الذي ستعدها والتي ربما ستعتبر قوانين حتى قبل مناقشتها والتصويت عليها من قبل أعضاء المجلس التأسيسي وكذلك حول التعيينات في المناصب الهامة وغيرها من المسائل التي تتطلب الخضوع لضرورة احترام الجانب الشكلي. لقد استمدت الديمقراطيات الغربية عراقتها من العمل بالديمقراطية كمبدإ وأيضا باحترام الجوانب الشكلية في العمل والممارسة بل في بعض الأحيان يمكن للفعل الديمقراطي أن تشوهه ارتجالات وتسرع لأن الديمقراطية كل لا يتجزأ ، شكلا ومضمونا.