بقلم: المولدي الشاوش إن الحوار الوطني اليوم، بين ممثلي الشعب، من الأحزاب ومن القائمات المستقلة، الذين نالهم شرف ثقة الشعب التونسي، في تمثيله بالمجلس التأسيسي، لسن دستور البلاد، رسالة خطيرة، نرجو لهم التوفيق في تحقيق هذا الانجاز العظيم، بما يتواءم مع طموحاتنا المنحازة إلى تركيز مؤسسات صلبة في الدولة، تساهم في إخراجنا من العتمة التي لازمتنا طويلا في مختلف المجالات. الشعب التونسي اليوم أثخنته جراح الثورة وأوهنته، وينتظر من الجميع الجرعات المُبلسِمة، التي تضمد هذه الجراح المفتوحة التي أسست لانتخابات لا عهد للشعب التونسي بها بعيدا عن الفبركة الانتخابية الصورية التي عهدناها بعد استقلال تونس سنة 1956 مرورا بالسنوات العِجاف، في عهد الرئيسين، بورقيبة وبن علي، حيث كانت تذبح الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة ذبحا على مرأى ومسمع من العالم الحر، ثم تختم مهزلة الانتخابات، بالاعلان عن نجاح الحزب الأوحد بنسبة 99.99 % بينما اليوم اقتنع الانسان التونسي بما لا مجال فيه للشك، أن صوته قد أصبح فاعلا فعالا، وله قيمة عددية في عالم الحساب، وهذا في حد ذاته، قيمة اعتبارية رائعة تُسجل للتونسي في بنك المواطنة، الذي فقد فيه رصيده بالأمس الدابر، حيث كان صوته رقما لا قيمة له في الحضور، أو الغياب، باعتباره كما مهملا، يعيش الكبت والذل والمهانة، ولا حق له في التعبير عن ذاته، التي ما كان لها أثر في ساحة الاستبداد المطبق، الذي كرسته الدكتاتورية تحت شعارات براقة كاذبة، وكثيرا ما تصدم عيوننا هذه الشعارات في الساحات العمومية، والطرقات على طول البلاد وعرضها، فيصيبنا القَرَفُ والغثيان، من وقعها السيء على نفوسنا، وقد نعت الشاعر الراحل منور صمادح أحدها قائلا : شيئان في بلدي قد خيبا أملي الصدق في القول والإخلاص في العمل إلى غير ذلك من الشعارات التي يرددونها هنا وهناك، وما عاد لها وقْع على الانسان التونسي، الذي دمرته مخططاتهم الفاشلة، في العهدين البورقيبي والنوفمبري، والتي أعادت البلاد إلى الوراء سنوات، وسمرت الشعب في خانة التخلف والبطالة الدائمة لشبابه، كما دمرته الأساليب القمعية، من حقه في التعبير بواسطة الأحزاب، التي منعها « سيد الأسياد « لينفرد بالصولة والسطوة، وهكذا واصل بنا المسيرة، وهو مزهو بحفلات ( عيد الميلاد ) الذي تدوم أفراحه جل شهور الصيف، بإشراف وزارة الثقافة !!! ولما داهمته الشيخوخة، أزاحه عن الحكم وزيره الأول في السابع من نوفمبر 1987 بقراره الطبي المعروف، وواصل بنا المسيرة القمعية والدموية، الممعنة في الاستهتار بحقوق المواطنين، اجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا، وثقافيا. وهكذا أصبحت تونس الكليمة مرتعا للمافيا النوفمبرية، التي استولت على المراكز الحساسة بالبلاد، اقتصاديا، وأخذت بتلابيب البنوك العامة، والخاصة، فسخرتها لمشاريعها التي فاقت الخيال، في المقاولات والمضاربات المالية والعقارات، والتصدير والتوريد، ودون وازع من ضمير. والمخزي والمهين أن هذه الممارسات المحظورة، تمر بمباركة القنوات الحكومية، من هرم السلطة إلى سفحها، ولا يعود لخزانة الدولة من ريعها شيء، بل يزيدون تخريبها بتهريب العملات الصعبة على اختلافها، ودفنها في البنوك الأجنبية، خفية وجهرة، والشعب التونسي في المدن والقرى، والأرياف، يعاني ضنك العيش في جمود وركود. هذه هي المعادلة الصعبة والمدمرة، التي عشناها طويلا نجتر المرارة، ونحن نمني النفس بسطوع فجر جديد، ينير ما ادلهم من تضاريسنا في كل مكان، بعد الفِصام والإنكسار والتصدع. والآن، وقد وضع الانسان التونسي حدا لهذه الممارسات العنيفة التي عايشها ردحا من الزمن، وذلك بثورة الرابع عشر من جانفي 2011 والتي أعادت الروح إلى هذا الشعب الصبور، وأهلته إلى الدخول في باحة الممارسة الانتخابية الخالية من الغش والتزوير، الذي ألفناه وأنِسنا به، لأكثر من خمسين سنة، حتى تخمر في اذهاننا أن التزوير والخيانة في الانتخابات هما القاعدة الصحيحة، والعكس باطل، رغم أننا نعيش في بلد دينه الإسلام، وقرآنه الفصيح ينوه بالقيم النبيلة في أكثر سُوره ال114 والتي تنحاز كلها إلى الصلاح والإصلاح، اللذين هما أقوى عنصر في بناء الذات الاسلامية، وبه ترقى حياتنا وتستقر. من أجل هذا وكل هذا، سوف يتابع الشعب التونسي كل خطوات المجلس التأسيسي بعد تنصيبه، بكل نباهة وفطنة، لأنه هو المجلس المؤهل والوحيد والذي له الشرعية في سن دستورنا، الذي نريده حافظا وجامعا لسيادة الشعب، واثبات هويته العربية الاسلامية، والتي لا اعتراف لنا بغيرها من الانتماءات، فدستورنا منذ سنين الاستقلال الأولى، وهو يعاني تلاعب الأيدي القذرة بذبح فصوله ذبحا، من اجل الفساد والافساد، بالتعديل تارة، والحذف تارة أخرى، أو باضافة كل ما يوسع من صلاحيات الحاكم المستبد وتحصينه من كل تتبع بعد نهاية حكمه. بينما شعبنا اليوم يرغب في سن دستور ثابت، يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، تُحترم فيها الحريات الجامعة للرجال والنساء، وحماية حقوق الانسان، التي بها تفتح الآفاق الحوارية الجادة والبناءة، بين الحاكم والمحكوم هذه آمالنا وأحلامنا، سقناها باختصار شديد لمجلسنا التأسيسي المُوقر، الذي نرجو له النجاح والألفة من أجل الخروج بتونس من بوتقة الدكتاتورية، إلى رحاب الديمقراطية والإعلام الحر. كما نتوجه إلى السلطة التنفيذية الحاكمة بالبلاد اليوم، أن تشرق شمسها الدافئة على كامل الجمهورية التونسية، التي لحق التدمير والخراب، العديد من مؤسساتها الخاصة والعامة وأن يكون انحيازها دائما إلى قيم العدالة الاجتماعية وحقوق الفقراء والمُهمشين، في الجهات المحرومة وما أكثرهم كما يمتد طموحنا الى مضاعفة الاهتمام بالتنمية البشرية، من أجل خلق مواطن قادر على الإبداع في كل المواقع، ومعانقة العلوم الكونية على اختلافها، واستيعاب كل ما يحدث في العالم من حولنا من ثورات تكنولوجية، ومعلوماتية، وبحثية، طورت الآخرين إلى الأحسن، بينما لا نزال في بلادنا لم نعط البحث العلمي حقه في الجامعات التونسية، والتي لا تزال أبحاثها وآلياتها قاصرة على مواكبة العصر، لسبب أو لآخر، لأن هم الحكومات السابقة كان متوجها للحجر، وذلك ببناء النزل والمنتجعات السياحية، والمغازات التجارية العملاقة، في هذا المكان أو ذاك، بينما الواقع يفرض علينا مراجعة العملية التربوية والتعليمية والبحثية، التي لحقها الضمور والبؤس.