تصريحات رئيس بعثة المراقبين العرب الفريق أول الركن محمد أحمد مصطفى الدابي في اليوم الأول لمهام البعثة بوصفه "الوضع بالمطمئن" في حمص أثارت لغطا كبيرا كما جاءت لتعزز الشكوك التي حامت حول مدى حيادية هذا الرجل في نقل الحقيقة كما هي بالنظر إلى ماضيه "المظلم"، ما من شأنه أن يضع مصداقية البعثة على المحك ويقوض جهود الجامعة العربية لاحتواء الأزمة في سوريا. فلقد ركزت غالبية الأطراف التي شككت في حيادية الدابي على ماضيه العسكري في الجيش والنظام السوداني، فطوال حكم الرئيس السوداني عمر البشير كان الفريق محمد أحمد عنصرا أساسيا في نظامه عندما أصبح المدير العام لجهاز الاستخبارات العسكرية سنة 1995، وتم تعيينه بعد ذلك مديرا لجهاز الأمن الخارجي ثم نائبا لرئيس هيئة الأركان للعمليات العسكرية برتبة فريق. كما تسلم كذلك ملف النزاع مع إقليم دارفور، حيث كان أحد المفاوضين مع الفصائل المتمردة في تلك المفاوضات التي رعتها دولة قطر.
مجرم حرب
كما هو معلوم فالرئيس السوداني قد صدر في حقه مذكرة إيقاف في مارس 2009 بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، ومن الحيثيات التي ارتكز عليها المشككون في مدى نزاهة الدابي تعيينه أنذاك من طرف الرئيس السوداني منسقا وطنيا للحملة السودانية المناهضة لقرار مجلس الأمن عدد 1591. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف يقبل أن يعين منسقا لحملة مناهضة لقرار دولي يدين البشير بجرائم حرب مثبتة وموثقة لدى العديد من المرجعيات السودانية والعربية والدولية؟ بل يمكن أن نذهب أبعد من ذلك، فتصريحات عبد الكريم الريحاوي رئيس رابطة حقوق الإنسان ومدير مركز لاهاي لملاحقة المجرمين ضد الإنسانية ساهمت في تعزيز هذه الشكوك إن لم تؤكدها، حيث أكد أن رئيس بعثة الرقابة العربية مطلوب للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور إبان توليه منصب رئيس للمخابرات العسكرية. فكيف لرجل كهذا مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية أن يقود تحقيقا في جرائم هو بدوره ارتكبها في الماضي؟ لذلك لن يكون مستغربا أن يؤيد ويتعاطف مع من يماثلونه في موقفه القانوني.
اعتراضات غربية
لم يقتصر التشكيك في نزاهة الدابي على الشخصيات العربية، فقد أعرب البروفسور أريك ريفز في كلية سميث الأمريكية والخبير في الشأن السوداني عن استغرابه من اختيار الدابي رئيسا للبعثة العربية فهو تقلد مناصب عليا في مؤسسة عسكرية مدانة بنفس نوعية الجرائم التي يجري التحقيق فيها بسوريا. كما أكدت الباحثة المتخصصة في الشؤون السودانية في منظمة "هيومن رايتس ووتش" جيهان هنري أن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي اقترفتها الأجهزة الأمنية في إقليم دارفور في التسعينات من القرن الماضي كانت في ظل تولي محمد أحمد منصب رئيس المخابرات العسكرية السودانية، فهو في موقع يتيح له أن يعرف كل صغيرة وكبيرة في صلب الجهاز الأمني، هذا إن لم يكن هو الذي أصدر التعليمات باقتراف مثل هذه الممارسات.
بداية لا تبشر بحيادية
جاءت تصريحات الدابي بوصفه الوضع مطمئن في حمص في اليوم الأول له في أكثر المدن السورية التي تعرضت لأشرس العمليات الأمنية، لتعزز عدم ضمان حياديته، جاء ذلك في الوقت الذي رصدت فيه منظمات حقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 40 شخصا. مما ساهم في مزيد احتقان الشارع السوري المنتفض وسكب الزيت على النار عوض العمل على تهدئة الوضع المتأزم بطبيعته، كما من شأن تصريحات الدابي إلى جانب ماضيه أن تجعل مصداقية البعثة العربية محل شك وتقوض الجهود العربية الرامية إلى احتواء الموقف قبل تدويل القضية.
الجامعة العربية
لا جدال في أن الجامعة العربية على علم بماضي الدابي "المظلم" ورغم ذلك عينته على رأس البعثة العربية.. وهو ما يفسر أن الجامعة لا تريد أن يصل مراقبوها لنتائج تجبرها على القيام بتحرك أقوى حيال سوريا في ظل الانقسمات الحاصلة صلب المنظمة، وهو الذي أجبر بعض الأطراف العربية على انتهاج مسارب المساومات الخلفية وتغليب المصالح الضيقة على المصلحة العامة. وفي ظل عجز الجامعة العربية حتى في الإيقاف الفوري لاستهداف المتظاهرين بالرصاص الحي في ظل تواجد مراقبيها على أرض الميدان كأولوية إنسانية قصوى لا تحتمل المزيد من المماطلة حقنا للدماء الطاهرة التي تسفك يوميا على يد النظام، تقف غير قادرة، مثلما عودتنا، عن تحمل المسؤوليات المنوطة بعدتها لترمي بمصير المواطن السوري والأمة العربية كافة تحت أقدام الغرب ليفعل ما يحلو له...