إذا كان لتقرير منظمة العفو الدولية الصادر أمس بالتزامن مع الذكرى الاولى لانطلاق الثورات العربية من أهمية تذكر فهي بالتأكيد مرتبطة بالخاتمة التي خلص اليها التقرير والتي شددت على أن ما يثير الدهشة فعلا أن التغيير قد تحقق نتيجة لتدفق مواطنين عاديين الى الشارع وليس بتأثير من قوى خارجية أو مشاركتها وأن الحركات الاحتجاجية في شتى أنحاء المنطقة قادتها أجيال من الشباب والنساء كان لهم دور محوري في مواجهة كل أشكال القمع.. قد تكون الصدفة وحدها شاءت أن يتزامن إعلان هذا التقرير مع الوقفة الاحتجاجية لمختلف الاعلاميين صباح أمس أمام مقر الحكومة بالقصبة بما يمكن أن يذكر أصحاب القرار بان شعار الثورة "لا خوف بعد اليوم" لا يزال قائما وسيظل قائما. ولعل في تلك العبارات التي انتهى اليها تقرير أمنستي الذي جمع ثمانين صفحة تحت عنوان "عام الثورات، حالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" ما يجب أن يدعو مختلف المسؤولين السياسيين والحقوقيين في البلاد للتوقف عند مختلف الحقائق التي تضمنها تجنبا لتكرار مسلسل الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة لحقوق الانسان وتفاديا للوقوع في نفس الاخطاء التي كانت وراء ظلم الكثيرين وإقصائهم من الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاعلامية لا لشيء الا لانهم حملوا افكارا ومواقف مختلفة لم يكن النظام السابق الذي تفرد بالمشهد يمتلك ما يكفي من الارادة والشجاعة لمحاججتها ومقارعتها والقبول بها، وهو ما يدفع للاعتقاد بانه اذا تكرر الامر فسيكون مصيبة على الجميع دون استثناء. لقد حرصت أطراف عديدة وعلى مدى الاشهر الماضية على ربط ما تشهده الشعوب العربية من تحركات وثورات ضد الانظمة القمعية بمخططات أجنبية موضوعة سلفا وهو ما يمكن تنزيله في اطار الاستخفاف والاستصغار بالشعوب. ولا شك أن في ذلك اهانة مزدوجة لتضحيات الشهداء الذين سقطوا من أجل الحرية والكرامة، واستهانة بدور الشعوب، واستنقاصا من ارادتها ورغبتها في كسر قيود الخوف والاستبداد. بل انه فيها محاولة للتقليل مما تحقق لتلك الشعوب واعتبار ما أفرزته الثورة من مناخ جديد للحرية نتاجا لتدخلات خارجية في حين أن كل العالم بما في ذلك القوى الكبرى التي لا تكاد تفوتها واردة أو شاردة اكدت انها فوجئت باندلاع الشرارة الاولى للثورة التي كان مهدها تونس، ومن يدري فلو أن تلك القوى كان بإمكانها منع ما يحدث لكانت استبقت الاحداث ولم تتردد في وأد تلك الثورات.. أما الملاحظة الثانية التي عرج عليها التقرير والتي لا يمكن تجاوزها فهي بالتأكيد تلك المتعلقة بأحرار الثورة من شباب ورجال وقفوا وقفة رجل واحد من أجل العدالة والكرامة الى جانب تلك الفئة التي يسعى الكثيرون اليوم لتغييبها وهي فئة حرائر الثورة ونسائها أيضا اللائي يراد لهن البقاء خارج مسار الثورة وكأن المرأة وهي التي كانت حاضرة في مختلف المظاهرات الاحتجاجية منذ بداية الثورة عنصر متطفل عليها أو كأن المرأة ممثلة في أمهات وأخوات ورفاق وبنات الشهداء لا موقع لها في صنع المسيرة الانتقالية للديمقراطية.. ليس الهدف من هذه الدعوة استعراض ما تضمنه التقرير من رصد لانتهاكات حقوق الانسان في مختلف الدول العربية التي لم تستوعب دلالات الربيع العربي بما في ذلك الدول النفطية التي رصدت مبالغ هائلة لشراء صمت الشعوب مقابل حزمة من التسهيلات المادية فمثل هذه المواقف والتصرفات مصيرها الزوال وربما يتعين على من يصرون على تجاهل التقريرين أن يتوقفوا لحظة عند آخر توصية في التقرير، ففيها من الحكمة ما يستوجب ذلك ويكفي ما يشير اليه التقرير من أن ما يبعث على الامل مطلع هذا العام الجديد هم أولئك الناس العاديون الذين لا ولن يقبلوا بمصادرة حقهم في الحرية والعدالة والكرامة..