صدرت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية المصرية وحصل حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب المتحالفة معه على أغلبية مقاعد المجلس بنسبة بلغت 47% يليه حزب النور السلفي بنسبة تجاوزت 23%، بينما اقتسمت الأحزاب الأخرى والمستقلون ما تبقى من المقاعد، ما يعني أنّ الإخوان والسلفيين حصدوا 70% من مقاعد البرلمان المصري. لم تكن تلك مفاجأة، إذ أنّ النتائج الأولية للانتخابات المصرية أظهرت حظوظا وفيرة جدا للإسلاميين، كما أنّ مصر لم تحد عن موجة ما بعد الثورات التي كان فيها للإسلاميين الحظوظ الأوفر. تدفع هذه النتائج كغيرها من التغيرات التي تشهدها مصر إسرائيل إلى دراسة الأوضاع وتعديل مواقفها والإستراتيجية التي تعتمدها، وتقوم السياسة الجديدة على الانفتاح والحوار. «إياك والهلع» بإمكان إسرائيل التأقلم مع التحولات الإستراتيجية المحيطة بها، وهذا ما يدفعها إلى تعديل سياستها الأمنية حسب تغيرات الجغرافيا السياسية. فبعد الثورة المصرية، كشف «عاموس يادلين» رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق أنّ جميع من في إسرائيل قد أصابهم الذعر، لكنه أدرك جيدا أنه من الضروري الظهور مظهر قوة على شاشات التلفزيون الإسرائيلي عملا بنصيحة «زئيف تشيف» له قبل سنوات «إياك والهلع»، محاولا أن يخفّض مستوى الإحساس الجمعي الإسرائيلي بالخطر. وإذا كان شعور الهلع قد أصاب الإسرائيليين بمجرد سقوط نظام مبارك الموالي لهم، فإنّ صعود الإسلاميين مثّل تحديا إستراتيجيا أعمق، ما دفع بتل أبيب إلى محاولة فتح قنوات اتصال مع ممثلي جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، منذ ظهور النتائج الأولى للانتخابات التشريعية. «النور» وإسرائيل بالرغم من أنّ «السلفيين» في مصر الممثلين في حزب النور كانوا يمثلون القوة الثانية في البرلمان، إلا أنّهم يستقطبون اهتمام المسؤولين الإسرائيليين بشكل كبير، بل إنّ تل أبيب رأت في التصريحات التي تحدث فيها حزب «النور» عن احترام الاتفاقات المصرية بما فيها اتفاقية «كامب ديفيد» خطوة إيجابية. وتذهب مصادر إسرائيلية إلى حد القول بأنّ الحزب السلفي لن يشكل خطرا على الاتفاقية وعلى إسرائيل. ولم تخف إسرائيل رضاها التام عن مواقف حزب «النور». ويضمن التنسيق مع السلفيين للإسرائيليين تفادي أسوإ سيناريوهيين يتخوف منهما المسؤولون في تل أبيب، الأول هو نشر قوات عسكرية مصرية في شبه جزيرة سيناء، دون الالتزام بما نصت عليه معاهدة السلام عام 1979 والثاني هو تحرك عسكري للقوات المسلحة المصرية في شبه جزيرة سيناء ضد أهداف إسرائيل، في حال نشوب حرب مستقبلية بين دول عربية وإسرائيل. مطيّة نحو السلطة وإن كان انفتاح السلفيين على اتفاقية السلام مع إسرائيل محل ترحيب في تل أبيب، فإنّه لا يتجاوز أن يكون مطية دبلوماسية لضمان موقع أقوى وأبرز في السلطة. فاتخاذ مثل هذا الموقف المنفتح نسبيا مقارنة بتوجهات حزب «النور» المتشدد، ليس إلا محاولة للتقدم خطوة إلى الأمام على حساب الإخوان. ف»الإخوان المسلمون» في مصر معروفون باتصالاتهم الدائمة بالإدارة الأمريكية، في حين يبحث السلفيون عن حلفاء ودعائم تضمن لهم البقاء في السلطة. من المؤكد أنّ إسرائيل لن تقطع قنوات الحوار مع الإسلاميين في مصر مهما كانت مواقفهم أو تصريحاتهم، فتل أبيب تحاول اليوم الاستفادة من أية خطوة إيجابية يخطوها حكام مصر الجدد نحوها، كما تحاول في الآن نفسه تفادي الدخول في صراع مباشر مع أي طرف من الجانب المصري، وستعمل على تمتين علاقاتها بالإخوان والسلفيين والمؤسسة العسكرية على حدّ السواء، فلا صوت يعلو في تل أبيب على صوت المصالح. أروى الكعلي