ستة وستون يوما بلا طعام، لم يتناول الأسير الفلسطيني خضر عدنان خلالها غير الماء. بالماء فقط تحدى غطرسة قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي ما انفكت تستفزه ليقطع أطول إضراب عن الطعام في تاريخ الأسرى الفلسطينيين. وحتى بعد أن صدر قرار إطلاق سراحه، لم يكن الطعام همه الأول، حرص عدنان على أن يعمّم خبر توقف إضرابه على بقية الأسرى الذين تضامنوا معه، فلا يأكل قبلهم. لا يقدر الجسد البشري على البقاء دون طعام لمثل تلك المدة، بعد 50 يوما تبدأ الأعضاء الداخلية بالانهيار، لكنّ «الأسد» كما يحلو للمراقبين تسميته لم ينهر. خسر عدنان، ذو 33 عاما، ثلث وزنه، وربح كرامته. خبّاز «الصمود» في الثالثة والنصف فجرا من يوم 17 ديسمبر 2011، كان خضر عدنان محمد موسى على موعد مع سجانيه، مشهد يعرفه كل أسير فلسطيني حق المعرفة، اقتحمت قوة من الجيش الإسرائيلي منزله، دمرت ممتلكاته، أخرجته من بيته تحت تهديد السلاح، معصوب العينين، ليفتح عينيه بعدها على «قرار إداري» بإبقائه في الأسر، دون محاكمة ودون تهم واضحة، بجرّة قلم يأسر الإسرائيليون من يشاؤون. قصة اعتقال جرّبها الخباز الفلسطيني تسع مرات، منذ أول مرة اعتقل فيها كناشط عام 1999، منعته تلك الاعتقالات المتكررة من الحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد، بعدما حصل على البكالوريوس في الرياضيات الاقتصادية. الجسد الحرّ «ولدت حرا ولن أذهب إلى السجن طواعية»، نطق الخباز الفلسطيني بتلك الكلمات عندما رفض حضور مقابلة مع المخابرات الإسرائيلية أبلغ عنها في أفريل الماضي. اختار أسلوبا سلميا للمقاومة متخذا من الجسد الفلسطيني الذي طالما اخترقته رصاصات الاحتلال وهمشته قرارات مجلس الأمن الظالمة، سبيله إلى الحرية، في وطن سليب الحرية. زهد في الطعام وخاطب الإسرائيليين بلغة لا يفقهونها، فما كان منهم إلا أن استسلموا أمام صموده «الخارق». تمكن جسد عدنان الهزيل من أن يتحرر، بصيامه من أجل الوطن أطلق صرخة فزع تنقل للعالم مأساة أسرى السجن الإداري القابعين خلف القضبان بلا محكمات أو تهم، ذنبهم الوحيد أنّهم خرجوا يوما بحثا عن الوطن.