اكتشاف أنفاق سرية تحت مبنى الكابيتول الأمريكي (فيديو)    رئيس وزراء باكستان: سيذكر التاريخ كيف أسكتنا الجيش الهندي    كلاسيكو ناري اليوم بين برشلونة و ريال مدريد : التوقيت    مواجهات حاسمة في الجولة 29 للرابطة المحترفة الأولى: لقاءات مشوّقة اليوم!    النجم يحتفل اليوم بمرور قرن على تأسيسه: 100 عَام من المجد    الجمهور بصوت واحد: النجم فخر الانتماء    النجم يحتفل بالمائوية: مسيرة حافلة بالتتويجات والانجازات    حالة الطقس ليوم الاحد    طقس اليوم: أمطار مؤقتا رعدية مع تساقط البرد بأماكن محدودة    "إعدام ميداني".. مقتل 4 علويين في ريف اللاذقية    مصرع 119 شخصا في فيضانات شرق الكونغو الديمقراطية    القيروان تحتلّ المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج الحبوب المرويّة    وزير الاقتصاد والتخطيط من صفاقس: عازمون على حلحلة المشاريع المعطّلة    في تظاهرة هي الأولى من نوعها في ولاية سوسة: «حروفية الخط العربي»من أجل تربية فنية وتعزيز الهوية    وداعا كافون    استعدادات لموسم النقل الصيفي    الرابطة المحترفة الثانية: (الجولة 24-الدفعة الاولى) النتائج والترتيب..    بعد وفاة صديقه ''كافون'': بلطي يُقرّر تأجيله حفله في بروكسيل    كأس تونس للكرة الطائرة: الترجي الرياضي التونسي يتوّج باللقب للمرة 23 والتاسع على التوالي    المرض الذي عانى منه ''كافون''    تونس: هذه استعدادات وزارة النقل لضمان نجاح الموسم الصيفي    مغني الراب "كافون" في ذمة الله    عاجل : أحمد العبيدي '' كافون'' في ذمة الله    مغني الراب احمد العبيدي المعروف ب"كافون" في ذمة الله    وفاة مغني الراب التونسي "كافون" بعد صراع مع المرض    زازا : ''كافون الإنسان الطيب الى يحب الناس لكل ربي يرحمك خويا ''    القصرين: أكثر من 1400 تلميذ ينتفعون بخدمات قوافل طبية حول صحة الفم والأسنان    المهدية: فتح بحث تحقيقي في شبهة سرقة تجهيزات بمستشفى الطاهر صفر    نداء من الممرضين في تونس لتعزيز حقوقهم وتوسيع آفاقهم المهنية    اختصاصي أمراض القلب: قلة الحركة تمثل خطراً صحياً يعادل التدخين    الكاف: زيارة منتظرة لوزيري السياحة والتجهيز والإسكان    إصلاحات ثورية لتحسين خدمات تصفية الدم: نصوص قانونية و هذه التفاصيل    لهذه الأسباب اتحاد المرأة يرفض ''طلاق عدل الإشهاد''    جنيف: بكين وواشنطن على طاولة الحوار    المهدية: إيقاف 3 أعوان بمستشفى الطاهر صفر بشبهة السرقة    سليانة: الأمطار التى شهدتها الولاية مفيدة للأشجار المثمرة والزراعات الكبرى (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    مديرة التفقدية الطبية: هناك نصوص قانونية سيتم إصدارها قريبا لتحسين الخدمات المسداة في مراكز تصفية الدم    نائب سابق بالبرلمان: وفاة مهاجر تونسي آخر في سجن إيطالي    الشكندالي: سياسة التعويل على الذات في تونس فكرة جيدة ولكن...    إنتاج الحبوب يرتفع بأكثر من 58% بفضل الظروف المناخية الملائمة    جريمة مروعة تكشف بعد 8 سنوات: قتلت زوجها ودفنته في المنزل بمساعدة أبنائها..!    وزارة التربية: فتح باب التسجيل بالسنة الأولى من التعليم الاساسي للسنة الدراسية 2026/2025    الولايات المتحدة تعرض الوساطة بين الهند وباكستان..#خبر_عاجل    عاجل/ اصدار بطاقات ايداع بالسجن ضد 4 موظفين وأعوان بهذا المستشفى من أجل هذه التهمة..    سيدي بوزيد: اليوم وغدا انقطاع التيار الكهربائي بهذه المناطق    موعد مباراة أنس جابر في بطولة روما للتنس    باكستان تغلق مجالها الجوي بعد تصعيد عسكري مع الهند    "جيروساليم بوست": ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    الخبير الجبائي أنيس بن سعيد: لا سقف لإدخال العملة الصعبة إلى تونس للمقيمين بالخارج... والتصريح ضروري لتفادي التتبعات    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    صفاقس: الدورة 7 لمهرجان المسرح المدرسي الناطق باللغة الفرنسية بدار الثقافة عقارب.    الاحتياطي من العملة الصعبة يبلغ 22,9 مليار دينار وتراجع بنسبة 3 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية    معهد البحوث الفلكية في مصر.. لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأضحى والأمر متروك للسعودية    الحكومة الألمانية الجديدة تواجه إرثاً من الصعوبات الاقتصادية    مجلس نواب الشعب ينعى الفقيد النائب نبيه ثابت    ملف الأسبوع: مهلكة عظيمة: لا تتتبعوا عوراتِ المسلمينَ... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ    منبر الجمعة: واعرباه. وا إسلاماه. هل من مجيب؟!    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تتحول اللحظة السينمائية إلى عملية جلد للذات
«هو وهي» الفيلم الجديد لالياس بكار:
نشر في الصباح يوم 10 - 01 - 2008

لا نستطيع القول ان المخرج إلياس بكار ومن خلال فيلمه الجديد «هو وهي» قد ترك مجالات كثيرة للنقد. إما أن تقبل المشروع ككل أو أن ترفضه برمته. وفي حقيقة الامر فإن المخرج إلياس بكار وهو الذي يبدو كأنه قد وضع أوراقه كلها في هذا العمل في سلة واحدة جعل مهمة المتلقي تبدو صعبة للغاية. مشاهدة هذا العمل لا يمكن أن نصفها بأنها فسحة لطيفة.
وعليك كمتلق أن تفرك عينيك طيلة فترة المشاهدة لانك في كل مرة تشك إن كانت الاحداث تجري بالفعل أم هي من قبيل التهيئات ذلك أن عملية المزج بين الواقع والخيال قد تم استعمالها بإطناب في هذا الفيلم.
دارت أحداث الفيلم كلها في فضاء مغلق ولم يكن من حقنا أن نتطلع إلى خارج الشقة إلا في مناسبات قليلة لكن الفضاء الخارجي لا يتجاوز بضعة أمتار أمام باب الشقة أي المسافة التي توصلنا إلى مصعد العمارة. دارت الاحداث في شقة متواضعة ومهملة. لكن تم استعمال ما يلزم من ديكورات لتوضيح أن الشقة وإن كانت مبعثرة الاثاث وبعض الاجهزة فيها معطلة فهي لا تدل على فقر في مستوى شخصية قاطنها، بل أن المفروشات التقليدية والكتب الكثيرة تحيلنا بالقوة إلى شخصية مثقفة ومفكرة. اقتصر المخرج على ممثلين اثنين هما من أنيسة داود التي يشاهدها الجمهور هذه الايام في فيلم «عرس الذيب» للجيلالي السعدي ومحمد علي بن جمعة الذي صار الجمهور التونسي يعرفه جيدا من خلال أدواره في السينما وإطلالته بالتلفزيون، مع ظهور بارق للممثل عبد الحميد قياس ومشهد لمنوبية بن سعيد.
علاقة أزلية
«هو وهي» عنوان لا يمكن إلا أن يصف تلك العلاقة الابدية بين المرأة والرجل. الفيلم محمل بالابعاد الفلسفية والرموز والايحاءات. الاحداث تدور بتونس وبالتحديد حول شاب مثقف اختار العزلة في شقته بفعل عوامل ذاتية وموضوعية من بينها أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالولايات المتحدة الامريكية مع العلم أن هذا الفيلم الذي عرض للجمهور بداية من أمس قد شرع صاحبه في التحضير له منذ سنة 2001. تقتحم فتاة شقته وتحاول فك عزلته بالقوة. مستعملة في خطابها لغة منفعلة ومتحررة من الضوابط الاخلاقية المتفق عليها وهي لا تتردد في استعمال السواعد أيضا. ما نعرفه عن هذه الفتاة أنها تبلغ من العمر 19 سنة وأنهما ربما يعرفان بعضهما من قبل. لا هي تحمل اسما ولا هو يحمل اسما. الحوار لا يخدمنا كثيرا في مجال التعريف بهويتيهما. بعض أطراف الحديث تقول بأن الشاب طالب في الطب وأن مشروعه أن يصبح في يوم ما طبيبا ربما تأخر طويلا أو ربما لم يعد يغريه كثيرا. اللحية والنظارتان والرداء الصوفي الابيض الطويل الذي يلف فيه جسده اتقاء البرد تترك المجال مفتوحا لعدة قراءات. أما هي فقد كانت واضحة تعرف ما تقول وتعرف ماذا تطلب.
هي تلك الفتاة الشابة التي تتدفق فيها دماء الشباب تطرق باب الرجل ليلا لا يفتح لها الباب مباشرة لكنها تصر وتلح وتنتهي بالرجل وهو يفتح لها باب الشقة، تمارس سلطتها عليه. تحاول فك عزلته تارة بالاغراء وتارة بالصد وتارة أخرى بالقوة. تطوعه كيفما تشاء وتمتص غضبه وتتغلب على قوته الجسدية بأسلحة الجسد واللغة. تدور الاحداث كلها تقريبا في مناخ حميمي. تكون الاجساد في أغلب المشاهد عارية. لحظات الخلو إلى الذات في الفيلم قليلة. الاعصاب مشدودة في الغالب ونشعر في كل مرة أن الانفجار قادم. وكأننا بالمخرج تسكنه رغبة في توضيح سر الكون.
الممثل محمد علي بن جمعة كشف كعادته عن قدرة واضحة في التلبس بالدور. لقد تطلب منه الفيلم حضورا جسديا كبيرا وطاقة واضحة على تجاوز نفسه من خلال آداء لحظات صعبة عاشتها شخصيته وتطلبت تجميعا لطاقة كبيرة وتوظيفا لكامل مكونات الجسد لكن إضافة إلى التعبير الجسماني كان ينبغي له أن يكون حاضرا على المستوى الذهني. أما الممثلة أنيسة داود فقد كانت بالخصوص جريئة ومنسجمة مع شخصيتها وهي من الممثلات الشابات المقتنعات جدا بأن الجسد وسيلة اساسية لدى الممثل وأكدت في تصريحاتها بعد تقديم الفيلم صباح اول امس في عرض خاص أمام الاعلاميين بحضور مخرج الفيلم والممثل محمد علي بن جمعة بقاعة أميلكار بالمنار في العاصمة أن الممثل لا ينبغي أن يتردد في توظيف جسده لان ذلك من طبيعة مهنة الممثل.
الانسان في كل حالاته
المرأة الشابة التي شاهدناها في فيلم «هو وهي» يتراءى لنا أحيانا أنها مجرد سراب أو هي من وحي خيال الرجل المنعزل في شقته أو هي ضميره أو هي نتيجة حاجة ملحة إلى امرأة تخرجه من حالته تلك. في الاثناء سمح للفنطازيا أن تذهب بنا بعيدا. وفي الاثناء كانت الكاميرا ترصد الانسان في مختلف حالاته بما في ذلك البهيمية منها.
السؤال الآن إلى أي حد يمكن أن نذهب مع المخرج في منطقه؟.
من ناحية التطرق سينمائيا للفكرة، فإن هناك شاعرية وعناصر جمالية في عدد من المشاهد لكن عددا آخر من المشاهد كانت الظلمة فيها. الظلمة على مستوى الفضاء وعلى مستوى ما يتركه الممثلان من انطباع بذلك كانت تشكل عبئا ثقيلا على المتلقي كما أن الفيلم كان مملا في بعض اللحظات. الايقاع كان ثقيلا. المدخل بالخصوص. بعض المشاهد كانت مستفزة. ذلك أن الكاميرا تقف مطولا أمام موقف تجدنا متحفزين للانتقال إلى موقف آخر. إلياس بكار ليس المخرج الاول الذي فتح أبواب الحوار حول العلاقة المركبة والمعقدة بين الرجل والمرأة أو بين الانسان والحياة فالمرأة يمكن أن ترمز أيضا للحياة في هذا الفيلم أو بين الانسان وضميره لان المرأة يمكن أن تكون أيضا ضمير الانسان أو هي المرآة التي يرى الانسان نفسه من خلالها فالموضوع قديم جديد. لكن المقاربة المعتمدة هي التي يتمحور حولها النقاش. الفضاء المغلق والمناخ الحميمي والحضور الطاغي للجسد والوصف الموغل للعلاقة المتوترة والعنيفة بين الكائن البشري واللحظات القليلة جدا التي تخف فيها وطأة الاحداث والاصرار على وصف بعض الحالات بدقة متناهية تكون غير ضرورية أحيانا وكان يمكن استعمال الرمز أو الايحاء دون أن تفقدها صدقها وبلاغتها جعلت العمل وكأن وراءه رغبة في الايلام وكأن هناك لذة من وراء كشف مواطن القبح لدى البشر.
إن تحويل اللحظة السينمائية إلى ما يشبه لحظة جلد الذات وتعذيب النفس فهذا توجه قد يكون له أنصاره لكنها تبقى لحظة صعبة جدا وتتطلب من الكائن المتفرج أن يتعالى على كل ما يختزنه من ثقافة وما يضعه أمامه من معايير أخلاقية بالاساس. مع ذلك يبقى هناك شرط جمالية العمل والشعور بمتعة المشاهدة. فيما يخص الناحية الاولى فإن هناك بعض اللحظات كانت قوية على غرار المشهد الذي تم فيه استعمال صوت الماء لتطهير الانسان كما تم توظيف الصوت بشكل جيد عموما في حين أن الاغنية بصوت درصاف الحمداني التي انتهى بها العمل كانت مسقطة وكان من الممكن الاستعانة بها داخل الاحداث أما فيما يخص متعة المشاهدة، فإنه لا يمكن الجزم بذلك ذلك أن الاحداث لا تأخذك إلى عالمها وتبقى أغلب ردهات الفيلم محافظة على مساحة بينك وبينها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.