"جميل أن نحتفل باللغة العربية في تونس التي شكك بعضهم في عروبتها.. وجميل أيضا ألا تجد الشعوب غير العربية تونس لتصنع شعارها "الشعب يريد".. وأجمل من ذلك ان نحتفل باللغة شعرا وقد كانت اللغة ومازالت هاجس الشعراء". بهذه الكلمة وبالكثير من "الضمار" وخفة الظل وقصائد الشعر الشعبي وقصيدة "رن التلفون" لحسين الجزيري قدم الشاعر الجليدي العويني الامسية الشعرية التي نظمتها وزارتا الثقافة والتربية عشية أول أمس بالمسرح البلدي بالعاصمة مساهمة منهما في الاحتفال بيوم اللغة العربية الذي أقرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. انطلقت الامسية الشعرية التي حضرها وزير التربية السيد عبد اللطيف عبيد والسيد الحبيب العويني رئيس ديوان وزير الثقافة وعدد من السفراء العرب وعدد قليل من الروائيين والشعراء التونسيين بفقرة موسيقية غنائية أمّنها كورال العمران الاعلى وكورال النور لمدرسة المكفوفين ببئر القصعة وتغنى خلالها الاطفال بأناشيد مدرسية ك"نحن المتحدين ربي معانا" وقصائد لابي القاسم الشابي من بينها "خلقت طليقا كطيف النسيم".
شعر نابع من الاعماق...
وقد استهل هذه الامسية الشاعر الصادق شرف الذي قرأ قصائد ثورية وتغزل بالمرأة التونسية ومسيرتها النضالية ووقوفها الدائم ضد كل أشكال الظلم والاستبداد ومحاولات الرجوع بها إلى الوراء وقال مشاكسا الحاضرين مستهزئا بمن تجرأ على الحديث عن استعمال المقص وختان النساء في تونس: "فضيحة.. تخلف وخسارة ألا تسوق المرأة السيارة..".. طبعا قصائد الصادق شرف لم تخل من الشعارات التي أفتكت التفاعل والتصفيق خاصة وقد كان اغلب الحضور من النساء وتلاميذ الاعداديات. واستوقف مدير بيت الشعر محمد الخالدي الايام واستبق القيادة وقرأ قصائد "ممالك أخرى" و"وردة الاسرار" و"غرابين". وألقى خالد الوغلاني قصائده، وقد تأنق وبان في تأنقه الكثير من رفعة الذوق والفخر والاعتداد بالصناعات التقليدية التونسية التي نهلت من آخر صيحات الموضة واستعد للقاء مريديه من المتعطشين للشعر النابع من الاعماق الصادق في ما يحيل عليه من مشاعر وأحاسيس الولاء للوطن والدفاع عن مجد تونس وعزتها وقد ظهر ذلك جليا عندما أهدى للحضور "خمسة أبيات لتونس". حضور سبقه وزير التربية إلى التصفيق الحار لتأكيد الاعجاب والتشجيع. وتواصل التصفيق مع اعتلاء الشاعر الشاب نزار الحميدي الركح وهو عضو نقابة كتاب تونس وخريج المعهد العالي للعلوم الانسانية بتونس متحصل على جائزة الشباب العربي بالاسكندرية 2008 والجائزة المغاربية لأدب الشباب 2008. وله ديوان شعري بالاشتراك (إبداعات شبابيّة) صادر عن ديوان الخدمات الجامعية للشمال 2008.
.. وآخر بكثير من الشعارات والمباشرتية
ومن مجموعتها الشعرية "الوردة التي.. لا أسميها" قرأت الشاعرة فاطمة بن محمود البعض من قصائدها واختار الشاعر البحري العرفاوي من دواوينه "النزيف" و"أبابيل" و"نمل ودود" وغيرها قصيدة "أتكلم" التي والكلام للبحري العرفاي كتبت في سنوات الدخان ويقصد بها سنوات الاستبداد تلتلها قصائد انتمي "وأنا الآتي" و"القادم مستقبلي" و"جاء الشهيد بلا جسد" التي قال فيها "لست من اليمين لكي تميل ولست من اليسار لكي تدار ولست من الوسط لتنضبط إنما أنت النمط". الشاعر نور الدين صمود وقبل ان يقرأ قصيدا تغزل فيه بتونس وقصيد "عودة المغترب" تحدث عن وضع اللغة العربية في تونس وأكد على أنها بخير وقد كرمه وزير التربية وأصر على ان يسند له بنفسه باقة الورد وقد اهديت مثلها إلى كل الشعراء لتختتم الامسية بواحدة من أجمل قصائد الشاعر آدم فتحي وعنوانها "أنت ذا بعد الخمسين". وبسؤال منظمي الامسية عن الشعراء الذين تغيبوا وقد تم الاعلان عن مشاركتهم تبين ان هذه الامسية تزامنت مع أخرى في مدينة القيروان يشارك فيها الشاعر جمال الصليعي وان الزميل نور الدين بالطيب منعته بعض الظروف الخاصة من الحضور.
يغيبون ويتذمرون
الجدير بالملاحظة ان الشعراء والادباء وممثلي المنظمات والجمعيات الثقافية غابوا وكأن التظاهرة لا تهمهم وكأن اللغة العربية لا تعنيهم وهذا رغم توجيه الدعوات والاتصالات المباشرة مع البعض منهم وان الجمهور الغفير كان اغلبه من التلاميذ ورجال التربية وهو ما اسعد السيد عبد اللطيف عبيد الذي عبر ل"الصباح" عن سعادته بنجاح التظاهرة ومسعى القائمين عليها وعن أمله في أن تأتي بقية فعاليات يوم اللغة العربية أكلها وان تسفر المسابقات والورشات التي شارك فيها التلاميذ في مؤسساتهم التربوية عن نتائج طيبة تساعد على الارتقاء بمستوى اللغة العربية في بلادنا وتحبب فيها الناشئة. والحقيقة أن غياب الأدباء والشعراء عن التظاهرات والندوات واللقاءات والاحتفاليات بصفة عامة - إلا إذا كانوا نجومها وأبطالها - أصبح أمرا ملفتا للانتباه ويدعو للاستغراب خاصة وان اغلبهم لا يفوتون فرصة يتذمرون فيها من تغييبهم ونسيانهم واقصائهم من كل منابر الحوار تقريبا.