تعرض عشرات الضباط التابعين للجيش الوطني بداية التسعينات من القرن الماضي إلى تعذيب وحشي في دهاليز وأقبية المقرات السرية لأمن الدولة بوزارة الداخلية في إطار اتهامهم بالتخطيط لقلب النظام، وقد فتح سقوط نظام المخلوع لهؤلاء الباب على مصراعيه لتتبع هذا الأخير وكل من كانت له يد في تعذيبهم وعزلهم من مناصبهم فكانت قضية «براكة الساحل».. واليوم تواصل «الصباح» نشر شهادات بعض الشهود الذين أدلوا بتصريحاتهم حول ما عايشوه وعرفوه عن تعرض أولئك العسكريين من تعذيب وعزل. في هذا الإطار قال الضابط القائد المتقاعد محمد الهادي بن حسين أنه في فترة وقوع هذه القضية كان يشغل خطة رئيس أركان جيش البر مضيفا أن هيئة الأركان التي يرأسها تتكون من عدة أقسام من بينها قسم الإستعلامات والأمن. وأضاف أنه خلال الفترة الفاصلة بين شهر أفريل وجوان 1991 تم استدعاء مجموعة من العسكريين من وحداتهم من طرف الإدارة العامة للأمن العسكري عن طريق قسم الإستعلامات والأمن التابع لجيش البر مضيفا أن ذلك كان يتم دون إستشارته أو أخذ رأيه ملاحظا أنه وقتها لم يكن على علم بالأسباب الداعية إلى هذه الإستدعاءات حتى لما سعى إلى الإستفسار عن الأمر واستيضاح أسباب هذه الدعوات للعسكريين. وأضاف أن العميد فرزة أفاده أنه يتم إجراء بعض التحريات معهم دون أن يوضح له أي شيء في خصوصها مضيفا أن وقائع هذه القضية حصلت عندما كانت وحدات جيش البر منتشرة في كافة أنحاء العاصمة وبعض المدن الكبرى بسبب حرب الخليج الأولى التي اندلعت لتحرير الكويت من الغزو العراقي. وعن التعذيب الذي تعرض له العسكريون بمقر إدارة أمن الدولة أكد أنه لم يكن على علم بذلك ولم يتم إعلامه من أي طرف من الأطراف، وصرح الجنرال بن حسين أن وزير الدفاع لم يتصل به سواء قبل هذه الواقعة أو بعدها مضيفا أنه علم بها بعد أن عقد وزير الداخلية آنذاك عبد الله القلال ندوة صحفية كشف فيها عن مؤامرة لقلب نظام الحكم مضيفا أنه لم تتم دعوته لحضور تلك الندوة كما لم يحضر جلسة الإعتذار للعسكريين المتضررين التي عقدها القلال بالوزارة، وأضاف أنه لم يكن على علم بكيفية معالجة وزارة الدفاع الوضعية المهنية للعسكريين المتضررين إثر إنتهاء التحقيقات معهم. نفي أما الجنرال السابق بالجيش الوطني محمد قزقز فصرح أنه كان في فترة حصول وقائع براكة الساحل يشغل خطة وكيل عام مدير القضاء العسكري، مضيفا أنه لا يستبعد أن يكون قد تم الإحتفاظ ببعض العسكريين وإجراء التحريات معهم في إدارة أمن الدولة في هذه القضية دون إعلام القضاء العسكري بذلك مؤكدا على أنه لم يكن على علم بذلك ولم تقع إستشارته كما لم يعلم بتعرضهم للتعذيب. مضيفا أنه حضر مرة واحدة لقاء بوزير الداخلية عبد الله القلال ومحمد علي القنزوعي وبعض ضباط الأمن وتم التطرق في اللقاء المذكور إلى موضوع المؤامرة. تأكيد وبسماع شهادة العقيد الطبيب المتقاعد من الجيش الوطني عبد العزيز خليل ذكر أنه كان في تلك الفترة رئيس قسم الرضوض والكسور بالمستشفى العسكري بتونس وخلال الفترة المتراوحة بين شهري أفريل وأوت من سنة 1991 وقع إيواء العقيد منصف الزغلامي والنقيب محسن الكعبي وعسكريين آخرين بالقسم الذي يشرف عليه ولاحظ عليهم آثار عنف وتعذيب ظاهرة للعيان خاصة بالمعصمين والساقين مؤكدا على أنها آثار شد وتوثيق بأصفاد مضيفا أن العقيد الزغلامي كان يعاني من شلل كامل في كافة أعضائه نتيجة الضغط العصبي الناتج عن وضعية الدجاجة المصلية، مضيفا أن الرائد سالم كردون تم ايداعه بقسم الإنعاش وقام بمعاينته وكان في حالة غيبوبة كاملة ويشكو من قصور كلوي. وأضاف أنه لم يعرف من جلب أولئك العسكريين إلى المستشفى ومن قام بإخراجهم لاحقا ملاحظا أن الأحاديث التي راجت وقتها تؤكد أن جهاز أمن الدولة هو من قام بذلك، كما صرح الطبيب المذكور أن نائب مدير المستشفى العسكري بتونس في تلك الفترة أعلمه أن هناك من اتصل به من وزارة الداخلية وقال له حرفيا باش نبعثلك شك لحم. ملفات طبية مفقودة وأضاف أنه أعلم مدير الصحة العسكرية آنذاك بذلك الأمر وبما عاينه على المتضررين من آثار عنف وتعذيب وطلب منه إعلام الرئيس المخلوع باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة مشيرا إلى أن الملفات الطبية الخاصة بالمتضررين الذين تم ايواؤهم بالقسم الذي يشرف عليه تم سحبها وتغييبها من أرشيف القسم المذكور حسبما أفاده به المتضررون أنفسهم عند انطلاق البحث في هذه القضية. وبسماع شهادة العميد المتقاعد من الجيش الوطني موسى الخلفي صرح أنه في فترة حصول الواقعة كان يشغل خطة مدير الأمن الداخلي بالإدارة العامة للأمن العسكري موضحا أنه في أواخر شهر مارس 1991 وحصول ما يعرف بقضية باب سويقة وإيقاف مجموعة اتهمت بحرق مقر لجنة تنسيق التجمع بباب سويقة نسب لمجموعة من العسكريين الإنتماء إلى التنظيم السري لحركة النهضة وانطلقت الأبحاث في براكة الساحل صلب إدارة أمن الدولة بوزارة الداخلية. وأكد على أنه لم يكن لا هو ولا أي من معاونيه على علم بما كان يتعرض له العسكريون من عنف أو سوء معاملة. وأوضح أنه خلال المدة التي استغرقتها الأبحاث والتحقيقات بإدارة أمن الدولة تمكنت إدارة الأمن العسكري من التصدي لتوجيه عدد من العسكريين من رتب مختلفة منها رتب عالية جدا لإدارة أمن الدولة وتفادى بذلك ايقافهم من طرفها وكان عدد العسكريين المذكورين يفوق المائة.