لقد بات الوقت متأخرا جدا للحديث عن السلام في السنة الاخيرة من عمر الادارة الامريكية، فجولة الرئيس الامريكي جورج بوش للشرق الاوسط هي في الاساس من اجل دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين على خلفية «انابوليس»، فجورج بوش الذي تحمل عناء السفر الطويل من اجل احلال السلام في ارض السلام بعد ان اعرب عن «تفاؤله» بتوفر ظروف قيام الدولة الفلسطينية قبل انتهاء ولايته، لم يتوان عن تكرار مواقفه المعهودة بدعم «امن اسرائيل» في اول يوم من زيارته للمنطقة كما انه سوف لن ينسى الحديث عن ازمة الرئاسة اللبنانية، وقد يزكي المبادرة العربية تجاه لبنان وحتما لن ينسى الازمة الايرانية عندما تسرح عيناه عبر مياه الخليج باتجاه الشاطئ الايراني. الرئيس الامريكي في زيارته للشرق الاوسط ضيف من طراز مختلف، لقد امر بتدمير بلد عربي عظيم هو من بين مؤسسي الحضارة الانسانية.. ولم يرف له جفن وهو يتلقى قوائم ضحايا قصف طائراته وصواريخه وقذائف مدفعية جيش جله من جيوش الوكالات الامنية! كذلك فهو لم يهتم بمعرفة اعداد الاطفال والنساء والشيوخ والعجز.. بين الضحايا.. هو في القتل «انساني» لا يفرق ولا يميز ولا تأخذه شبهة التعصب! فهل سيتذكر العراق ومعاناة شعب العراق؟ الرئيس الامريكي حامل السلام هل سيعي ما استبقى للفلسطينيين من فلسطينهم وهل سيخطر بباله ان مؤتمر «أنابوليس» قد كلف الفلسطينيين ما تبقى من ارض القدس العربية التي إلتهمتها المستوطنات والتي استمر العمل في توسيعها قائما بلا توقف خلال فترة المؤتمر وبعده... بالتأكيد لا. اذ ان لا احد يبلغه ان ذلك المؤتمر «التاريخي» قد كلف الفلسطينيين اكثر من مائتي شهيد واربع مائة جريح ومائة اسير اضافي، ليس في غزة وحدها بل في الضفة الغربية ايضا. وبالتأكيد فلن يذكره احد عند وصوله الى رام الله وسط غابة من الحراس بأن زعيم الثورة الفلسطينية وقائدها قد انتهى اسيرا ثم شهيدا في مبنى «المقاطعة».. وان غزة التي كان لها مطار هبطت فيه طائرة سلفه بيل كلينتون هي الان بالمليون ونصف المليون من اهلها في مثل الوضع الذي انتهى اليه ياسر عرفات تحت حصار التجويع والعطش والظلام والافقار معزولة عن الدنيا ومستشفياتها تعجز عن استقبال ضحايا الغارات الاسرائيلية اليومية والتدمير المنهجي لاسباب الحياة جميعا. لسوف يحلق جورج بوش فوق بقايا فلسطين.. ولسوف يدله مضيفه الاسرائيلي بكل ثقة في النفس على «ارض الميعاد»، ولسوف يستمتع بمنظر الجدار وهو يشق قلب تلك الارض المقدسة التي اصبحت «دولة لليهود». اما بالنسبة للبنان فقد تكون الفرصة مناسبة ليتذكر الرئيس الامريكي المدافع عن الحرية والسلام كيف انه قبل نحو عام ونصف العام، كان بمثابة «الناطق الرسمي» باسم الحرب التي شنتها اسرائيل على لبنان والذي لعب فيها دور المعرقل الاول لاي تحرك من مجلس الامن الدولي لوقفها، والمدافع الاول عن استمرارها على الرغم من سقوط الاف الشهداء والجرحى طوال 33 يوما ولسوف يحدثه مستشاروه الامنيون عن منافع القنابل الذكية والعنقودية، الامريكية الصنع، التي امد بها الاسرائيليين تعبيرا عن «حبه» الذي لا يوصف للبنان واللبنانيين وهو الذي حرض بعضهم على انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالحرب الاهلية تحت عنوان «النصف زائدا واحدا!!» كذلك فان دمشق وطهرن ستكونان حاضرتين في كل هذه الملفات حول دورهما في العراق ولبنان وفلسطين، او في مدى الخطر الذي يشكله السلاح النووي الايراني المفترض ومحاولته حشد الرأي العام العربي والاقليمي لاحتواء «الطموحات العدوانية» لايران ومواجهة قوتي التعطيل سوريا وايران اللتين يعتبرهما سبب تعطل مشروع الشرق الاوسط الجديد. وهكذا يمكن رصد جولة بوش بأنها لن تحيد كثيرا عما سبقها من زيارات لرؤساء أمريكيين، بعد ان تكررت المشاهد ذاتها والنتائج ذاتها منذ قدوم ريتشارد نيكسون سنة 1974 وحتى اليوم.. ويمكن قراءة التراجعات العربية «المؤثرة» من خلال زيارات الرؤساء الامريكيين الى المنطقة، خلال ال34 سنة جاء اربعة رؤساء في مواعيد ارتبطت بالحروب التي كانت عربية اسرائيلية ثم انتهت لان تكون اسرائيلية ضد الفلسطينيين وحدهم!! فأي سلام في الشرق الاوسط يمكن ان يتحدث عنه بوش بعد ان قطعت اوصاله العنجهية الاسرائيلية الامريكية؟!