بقلم د. صالح بكر الطيار تحرص القوى الغربية والعربية على إبلاغ السلطات الرسمية على مختلف مستوياتها أن عليها العمل من اجل تجنيب لبنان أي تأثيرات سلبية لتداعيات « الربيع العربي « وخاصة الأزمة السورية التي تعتبر الأكثر تعقيداً والأكثر قابلية لأن تصيب بشظاياها المنطقة بأكملها. ورغم هذا الحرص فإن لبنان يمر الآن بظروف صعبة جداً دون أن تصل بعد إلى مرحلة خطرة لأن القوى السياسية المحلية على مختلف اتجاهاتها ومشاربها مصرة على عدم توريط الشارع بأي مصادمات ذات أبعاد سياسية أو طائفية أو مذهبية. وهذا لا يعني أن الشارع بمنأى عما يحصل عربياً وسورياً ، كما لا يعني أن الشارع ليس منقسماً أفقياً وعمودياً وعلى كافة المستويات والصعد. وبقراءة مبسطة للخارطة السياسية في لبنان اليوم يتبين التالي : - هناك خلاف بين السنة الداعمين بأكثريتهم للثورة السورية وبين الشيعة الداعمين بأغلبيتهم للنظام في دمشق. - وهناك خلاف بين سنة متشددين يعتبرون أنفسهم جزء من الصراع الدائر في سوريا ، وبين سنة يكتفون بموقف سياسي داعم للثورة ، وبين سنة مؤيدين للرئيس بشار الأسد. - وهناك انقسام أيضاً في الصف المسيحي حيث البعض يؤيد الثورة كلامياً والبعض يؤيد النظام شفهياً. - وهناك السلطة التنفيذية الممثلة برئيس الجمهورية والحكومة والتي قررت أن تعتمد سياسة «النأي بالنفس» و لم تلق هذه السياسة ترحيباً ممن يؤيد المعارضة السورية لأن لبنان برأيهم معني بما يجري في سورية ، ولأنهم يعتبرون أن ممارسات القوى الأمنية اللبنانية تصب في مصلحة النظام السوري. كما لم تلق سياسة «النأي بالنفس» ترحيباً ممن يؤيد النظام السوري لأن على لبنان برأيهم الوقوف إلى جانب سوريا وحماية أمنها عملاً بالاتفاقيات الموقعة بين البلدين. - وهناك تهريب السلاح على يد تجار لا يهمهم من ينتصر في سوريا بل المهم عندهم من يدفع أكثر. وهؤلاء التجار لا خلفية سياسية لديهم ولا دعم من أي جهة حزبية أو رسمية. - العمال السوريون في لبنان وتعدادهم بمئات الآلاف وهم منقسمون بين مؤيد ومعارض وينظمون من وقت إلى آخر تظاهرات للتعبير عن مواقفهم. - وهناك الضغوطات الدولية على لبنان التي تطالبه بفتح ممرات إنسانية على أرضه وعدم التعرض للمسلحين الهاربين من ملاحقة القوى الأمنية السورية. - وهناك مطار بيروت الذي يستقبل كل وافد عربي أو أجنبي ومن بينهم أعضاء في تنظيم القاعدة يصلون إلى لبنان وينتقلون منه سراً إلى سوريا للمشاركة في القتال. - وهناك الصراع الخفي في لبنان بين إيران وأمريكا وما له من انعكاسات في الظروف الراهنة. كل ذلك يؤكد أن لبنان يعيش الآن في قلب عاصفة « الربيع العربي « دون أن يتأثر بعد أمنياً ، رغم بعض الحوادث الفردية، لأن الأطراف السياسية اللبنانية تنتظر على يبدو اتضاح مصير ما يدور في سوريا. رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي