استضاف نادي الكتاب التونسيين أول أمس الجمعة الشاعر مجدي بن عيسى لمحاورته حول تجربته الشعرية في جلسة نشطها الشاعر محمد الشارني وحضرها عدد من أصدقاء الشاعر ورواد اتحاد الكتاب التونسيين والشاعر محمد الهادي الجزيري وعادل الجريدي عن الهيئة المديرة للاتحاد وغاب عنها الشاعر عبد الله مالك القاسمي بسبب المرض وقد كان من المفروض ان يقدم دراسة تنطلق منها الجلسة والنقاش. وفي هذه الجلسة تحدث الحاضرون وكان أغلبهم من المطلعين على أشعار وكتابات مجدي الصحفية في الجرائد التونسية والمجلات العربية لأنه بدأ مسيرته كإعلامي ثم التحق بالتدريس في الثانوي وقد أثني بعضهم على اللغة التي يستعملها الشاعر في رواياته وفي أشعاره التي تتميز بصفاء وإيقاع خاص بها يمكن الشاعر من خصوصية تجعله علامة مميزة وتجربة معاناة صادقة تخرجه من زمرة الشعراء التونسيين الذين ارتفع عددهم وأصبحوا يظهرون بدواوين كالفقاع تتصف بالاستسهال والضحك على الذقون يولد بعضها في السماء بين النجوم ولكن ما تلبث الأضواء التي تسلط على أصحابها ان تخفت فتذوي حتى تضيع في الزحام ويصفيها الزمن ولا يحتفظ منها إلا بمن تثبت جدارته بحمل اسم شاعر.
حوارات الأشياء والتفاصيل الصغيرة
والشاعر الأستاذ مجدي بن عيسى الذي يرى بعض النقاد ان لغة أشعاره: «لا تجاهر بخروجها عن ثوابت الكتابة الشعرية العربية وأن كتاباته تتنازعها الصوفية بقاموسها اللغوي والنبرة التأملية الاستكشافية حيث يحاولان معا قول التفاصيل واجتزاء مقاطع صغيرة من الحياة اليومية مع احتفاء بالموت وبالحياة وبالكون فتنشأ في شعره حوارات هادئة ومتواصلة مع الأشياء والتفاصيل الصغيرة المهملة ومطلقات الكون وهي حوارات تسعى للتفاصيل لا لمطلقات الشجب وعمومية الكلام مع حضور سرد شعري يتعرف على الكائنات والكون والذات الى جانب جرأة واضحة في تصريف المعنى والتعامل بأريحية مع الرموز ذات القداسة.» عن هذه المقولات والتفاصيل سئل مجدي في تلك الأمسية فقال: «أصبح الشعر موجودا معنا في تفاصيل حياتنا حتى الصغيرة منها ولكنها التفاصيل التي تشتمل على روح وامتداد : «وقد فسر الشاعر محمد الهادي الجزيري فقال: «يحاول مجدي بن عيسى وفتحي النصري باشعارهما أنسنة الأشياء والذي يميز نصا عن نص هو موهبة الشاعر وقدرته على الكتابة كما لا يكتب أحد فالمعاني مطروحة على قارعة الطريق ويتميز من تتضح في أشعاره سعة الاطلاع والقدرة على النهل من المخزون الثقافي ومجدي بن عيسى يتميز عن غيره بأنه لا يعبث بالكلمات وإنما يتحكم فيها ويطوعها عن دراية ووعي، واقتناع بان الشاعر في النهاية ليس خطيبا في مسجد او في منبر سياسي ليتجه نحو المباشرتية. وأكد الجزيري في نهاية حديثه على ان أشعار مجدي على درجة عالية من السياسة وتتضمن مواقف حادة جدا أحيانا.
تأثير لغة الشعر على كتابة السرد
في هذه الجلسة سالت الشاعرة فاطمة بن محمود المحتفى به ان كان يكتب من خلال تجربة شخصية ام من خلال قراءات؟ ولاحظت ان قصائده تطورت نحو القصر وسألت ان كان هذا الاختزال والتكثيف موقف إدانة للقصيدة الطويلة الملحمية فقال بن عيسى ان الكتابة الحقيقية هي التي تجد فيها روح صاحبها وذاته التي يجب ان تكون المنطلق. كما رأى ضرورة ان يكون النص مثقفا يتم منذ بدايتة اختيار الفكرة التي يريد الشاعر ان يشتغل عليها واعترف بالمناسبة بان ديوان «تقريظ الشهوة» كتب لفتاة أحبها وأهداها إياه رغم انه قرأ الكثير من كتب التراث وقرأ عن مسالة الجنس والجسد مما زوده بأجنحة انطلق بها لتكون للقصائد أبعاد كونية.أما بالنسبة الى قصر القصائد فقد صرح مجدي بانه يميل للقصائد القصيرة وان مطولاته ليست كثيرة ولكنها مبنية بدورها على مقاطع قصيرة. ولاحظ الحضور أيضا أن مجدي يشتغل على محاور ومفردات يطوعها لنفس الفكرة ويبتعد بها من الأوسع نحو الأضيق ليصوغ رؤية أوسع فيتسع المعنى. طبعا تخللت الجلسة قراءات شعرية من دواوين مجدي حيث قرأ الإيقاع والمجازات وابرة الصمت و قناص الأرواح ودون مسكن قار إضافة إلى مقاطع من قصائد تقريظ الشهوة. وعن تجربته الروائية تحدث مجدي بن عيسى عن روايته «الدوار» التي كان خجولا لا يريد ان يغامر بنشرها إلى ان وجد إعلانا على مسابقة في الشارقة فبعث بها وإذا بها تنال جائزة الشارقة للعام 2005 وقد شجعته الجوائز التي نالها وطنيا وعربيا وطباعة كتبه في لبنان من اجل تامين فرصة التوزيع على كتابة رواية «خيالات نورة المدهشة» التي تبين من خلالها -حسب بعض النقاد وهو ما أكد عليه الحاضرون في الجلسة وحاولوا إثباته- تأثير لغة الشعر على كتابة السرد وتحكم رؤية الناقد في بناء متخيله الأدبي. وفيها استطاع المزج بين المتخيل الشعري والمتخيل السردي الذي ورد سلسا في تحولاته ومترابطا في تفاصيله الصغيرة والفرعية ومنسجماً مع مقاصد النص وتمكن بذلك من نقل كبرى القضايا التي تتفاعل في المجتمع وتشغل الناس.