اختتم مساء الأحد مهرجان الجاز بقرطاج الذي نظمته مؤسسة سكوب للإنتاج بالتعاون مع مؤسسة تونيزيانا. وكان الجمهور في السهرة الختامية بنزل قرطاج طالاسو بقمرت على موعد مع الفنان الشاب بيرم الكيلاني «بندرمان» في الجزء الأول من الحفل أما الجزء الثاني فقد أمّنه الأمريكي الشهير مايكل بوركس المعروف بالرجل الحديدي. وإن عكس هذا اللقب ضخامة جسمه وعدم كلله من خشبة المسرح فقد أبدى إحساسا عميقا من خلال أدائه المنفرد وصوته الجهوري الذي يحيل على عمق موسيقى البلوز والجاز ومعاناة السود زمن العنصرية والاستبداد ليجمع بين التقاليد التي تعد بمثابة المهد لهذه الفنون وبين مفاجآت المستقبل وتطورات الأحداث في العالم. في حين أظهر بندرمان إمكانيات كبيرة في تنشيط السهرة من خلال مخاطبة الجمهور الذي كان حاضرا بأعداد غفيرة بأسلوب فكاهي ناقد وساخر سواء من الحكومة الحالية أو من أزلام النظام السابق. أسلوب عكس ذكاء وقادا في تواصله مع الجمهور لأنه كان من وحي اللحظة، فضلا عن أغانيه المتنوعة المشاكسة الثائرة والتي تنمّ عن مواقف واضحة إزاء الأوضاع العامة في تونس.
تفاعل كبير مع الجمهور
كأن الجمهور كان يتابع مسرحا غنائيا مع بندرمان ليلة أول أمس لما أظهره من إمكانيات فكاهية على الركح إضافة الى الرقص والنقر على الدف في ايقاعات صاخبة تفاعل معها الجمهور بالرقص حتى النشوة. وقد تجاوب الحاضرون أكثر عندما قدم الفنان أشهر أغانيه على غرار «سيستام» و»فري عماد» و»صوفية» و»يا بنت الناس»..أغان فيها الكثير من الحنين الى أيام ثورة 14جانفي المليئة بالأحداث الوطنية التي ستظل قابعة في نفوس كل التونسيين. بدورهم أبدى زملاؤه العازفون(رضوان بن بشار على آلة قيثارة باص وسليم بن صالح على آلة الكمنجة ومحمد علي القبلاوي على آلة الكلارينات) قدرات متميزة في العزف الفردي..ما جعل الجمهور يصر في اختتام العرض على إعادة بعض الأغاني وبعض القطع الموسيقية الصاخبة وكان حينئذ كل المتتبعين واقفين وتجاوب أغلبهم بالرقص والتصفيق مع إبداعات بندرمان.
قيمة فنية لا تكل على الركح
من المعروف أن الفنان الأمريكي مايكل بوركس صاحب الاسم الفني «الرجل الحديدي» يعتبر قيمة فنية كبيرة في عالم البلوز المتنوع في ايقاعاته والمليء بالشجن الذي يحمل كلمات ذات دلالات عميقة، ناهيك أنه رُشح ثلاث مرات لجوائز غرامي عام 2009 وهو معروف الآن كأبرز موسيقيي البلوز والروك. كل ذلك أكده الفنان الأمريكي ليلة أول أمس ليخلق أجواء هستيرية بأتم معنى الكلمة عبر موسيقى وارتجالات اخترقت الحدود وأغان نالت إعجاب الجمهور الذي وقف إجلالا لها الى آخر السهرة. مايكل بوركس بدا لطيفا جدا في تعامله مع الجمهور وأهدى البعض منه نسخة من ألبومه الأخير. كما بدت حرفيته العالية من خلال العزف على القيثارة الكهربائية. لم يكلّ من العزف والعرق يتصبب من جسمه البدين كما الجمهو الذي لم يكل من الوقوف تجاوبا مع إبداعاته وحضوره المتفرد على الركح. ومن المؤكد أنه سيظل عالقا في أذهان العديد من الحاضرين وخاصة الذين اكتشفوه لأول مرة ذلك أن مايكل بوركس من فناني البلوز الذين يستطيعون سحر القلوب والأذهان أينما حلوا.