لئن توجهت ميولات العديد من التشكيليين إلى المدرسة الواقعية كوسيلة للاتصال المباشر مع المتلقي، فإن الكثير من الفنانين اعتمدوا المنحى التجريدي، نظرا لأن نقل الواقع بالنسبة إليهم طريقة تفتقر إلى الرمزية وعمق الفكرة، كما يستطيع أيّ كان التقاط صور وبتقنيات عالية عبر آلات تصوير رقمية متطورة، لتكون أعماله خالية من الحسّ الفكري والإيحاءات المتنوعة. وفق هذا التصوّر اختارت الفنانة الشابة نادية الصادفي أن تكون أعمالها مندرجة ضمن الفن التجريدي، وهي أعمال تعرض في دار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة إلى غاية 30 أفريل الجاري.. لوحات تحمل عناوين مختلفة، وإن دلت على شيء فهي تدل على إحساس الفنانة وانفعالاتها، على غرار لوحات «الوهم» و«لا حاجة للكلام» و«نهاية العالم» و«قص الراس تنشف العروق» و«حمورية في الوجه ولا غصّة في القلب».. والمتأمل في لوحات نادية الصادفي يكتشف المضامين الجمالية والتعبيرية الفكرية التي تريد الفنانة طرحها داخل أعمالها من خلال كتل لونية منصهرة داخل اللوحات.. يستطيع المشاهد أحيانا أن يجزم أن اللون قد يكون اعتباطيا، أو يترجم دلالات نفسيّة خاصة ونتاجا للاوعي الفنان. صاحبة المعرض تفسر الأمر بأن الفنان التشكيلي قبل ثورة 14 جانفي كان أسيرا للاستبداد الفكري والإبداعي، وهو ما جعله يعيش نوعا من الكبت النفسي الفني على مستوى العديد من الأفكار والأبعاد الجمالية، التي تمثل إيحاءات وقيما جمالية وتعبيرية هامة، تُخضع العمل الفني إلى رمزية اللوحة، ولقراءة قابلة للتأويل، حيث يكون المتلقي أمام مشهد يقرأ فيه الظاهر على سطح اللوحة، ومشهد آخر يكون فيه المعنى خفيا يختبئ وراء الصورة الظاهرية، وتكتشفه العين المتفحّصة. وإن تميّزت الفنّانة الشابة نادية الصادفي في معرضها الذي يحمل عنوان «خارج القانون» بالموهبة فقد استطاعت تشكيل لوحاتها بأسلوب ذي بعد حركي ذاتي تميز بقوة في التعبير، لتدرك وأنت تتأمل في كل ركن من اللوحة أن كل العناصر الموظفة تحتوي على مفردات تشكيلية، فضلا على أن كل لون له وقع خاص وانسجام مع الأشكال. أعمال تستحق التشجيع، خاصة وأن صاحبتها ليست متخرّجة من معهد الفنون الجميلة، كل ما في الأمر أنها نشأت في وسط فني، وهي حاليا ناشطة في إحدى الجمعيات الثقافية، لتفسح المجال إلى خيالها الفنيّ وميولاتها الفكرية.