مع أنه لم يحمل في طياته مفاجأة تذكر فقد جاء تقرير منظمة هيومان رايس وووتش حول حرية الصحافة في العالم ليؤكد على هشاشة المشهد الاعلامي في أكثر من منطقة في العالم بما في ذلك دول الربيع العربي التي نجحت بفضل الثورات العربية في قطع اشواط مهمة من أجل اعلام حر بعيدا عن كل القيود التي كانت تهيمن عليه في السابق. وكشف التقرير الذي صدر تحت عنوان «حرية الصحافة 2012 انجازات وانتكاسات في الشرق الاوسط ليستعرض واقع الاعلام في 197 بلدا وقد اشار التقرير الى أن 66 بلدا يمكن تصنيف الاعلام فيه بأنه حر مقابل 72 بلدا لا يزال الاعلام فيه يعتبر حر جزئيا فيما يبقى الاعلام في 59 بلدا يفتقر للحرية. واعتبر الاعلام في تونس كما هو الحال في مصر وليبيا حر جزئيا بما يفرض على المشهد الاعلامي في بلادنا نقطة استفهام كبرى حول موعد تحرر الاعلام بالكامل من القيود والاحكام التي تمنعه من الانعتاق وتقف دون ارتقائه الى مرتبة الاعلام الحر في الانظمة الديموقراطية ... والطريف ان التقرير الذي كان يزعج السلطات في السابق ويسبب لها الاحراجات في الخارج لم يعد اليوم ذلك التقرير الذي ينتظره الكثيرون لمعرفة مؤشرات المشهد الاعلامي المحلي بل ان التقرير يكاد لا يحمل للمتتبع جديدا وهو في مجمله لا يتناقض مع مختلف القراءات والمخاوف التي تحيط بواقع ومستقبل حرية الاعلام في تونس بعد عام ونصف على ثورة َ14 جانفي التي حررت المشهد الاعلامي وأزاحت الستار عن العديد من الشوائب والنقائص التي طالما طوقته وجعلته ابعد ما يكون عن شروط الاستقلالية والموضوعية والحيادية المطلوبة في الاعلام النزيه الحر... من غياب للحرية الى حرية منقوصة وقالت المنظمة في مقدمة التقرير السنوي إن ثلاثة دول في المنطقة وهى مصر وتونس وليبيا شهدت تطورات هامة نتيجة للربيع العربي، وحققت حرية الصحافة مكاسب كبيرة في تونس وليبيا على وجه التحديد ومثلت إنجازات كبيرة بالنسبة لدول ظلت تحكمها لفترات طويلة أنظمة استبدادية. وأشار التقرير إلى أن البيئة الإعلامية في المنطقة شهدت تطورات ضخمة خلال العام الماضي، ورغم ذلك ظلت الأسوأ من حيث الأداء في العالم. على أن هذا الاعتراف بالتحول الجزئي في المشهد الاعلامي في دول الربيع العربي الثلاث لا يقابله أي تقدم في دول أخرى مثل البحرين وسوريا حيث يسجل التقرير تراجعا في حرية الصحافة في ظل الحملات القمعية للحركات الاحتجاجية، في حين أن الأوضاع في إيران لا تزال شديدة التقيد مع وجود عشرات الصحفيين خلف القضبان. وتابع التقرير قائلا إن الإعلام المستقل في جميع أنحاء العالم لا يزال يواجه تحديات في عدة بيئات، فالأنظمة في بعض دول الشرق الأوسط مثل البحرين وسوريا تشن حملات قاسية على الإعلام الذى يكافح من أجل احتواء حركات الربيع العربى الاحتجاجية في تلك البلدان. ويعتبر التقرير أن بعض الدول كالصين وروسيا وتركيا وفنزويلا، استخدمت عدة أساليب لإحكام قبضتها على الصحافة مثل اعتقال وسجن المعارضين وإغلاق المنابر الإعلامية ومقاضاة الصحفيين. وكان معارض صيني نجح خلال الاسبوع في الوصول الى مقر السفارة الامريكية في بيكين وذلك قبل أيام على زيارة محتملة لوزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون الى العاصمة الصينية وتنظر السلطات الصينية بكثير من الحساسية الى مسألة حرية الاعلام وواقع حقوق الانسان لديها وعرفت الصين خلال ألعاب الاولمبياد في 2008 انتقادات من الدول الغربية بلغت حد التهديد بمقاطعة افتتاح الاولمبياد الا أن ضغوطات الجانب الصيني الاقتصادي كانت تقف دون تنفيذ تلك التهديدات. وبالعودة الى التقرير الصادر عشية اليوم العالمي لحرية الاعلام فان واضعوا التقرير رصدوا استمرار التهديدات لحرية الإعلام على غرار تقارير السنوات السابقة، وشدد التقرير على إن الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم، وخوفا من الاضطرابات الداخلية قامت بفرض الرقابة على أخبار الثورات العربية وهو ما يمكن تفسيره بالخوف من امتداد الغضب الشعبي اليها. وقد لجأت الصين كما بعض دول أفريقيا والشرق الأوسط استخدمت الى قطع الإنترنت، واخضاع الرسائل النصية الى نوع من الانتقاء. ويخلص التقرير الى أن سيطرة الدول على وسائل البث المحلية لا تزال هي القاعدة في كثير من المجتمعات على الرغم من نمو قنوات الكابل والأقمار الصناعية، وتعد تلك وسيلة لفرض رقابة قوية على المحتوى الانتقادي. وكل من الصين وروسيا وفنزويلا وزيمبابوى وفيتنام قاموا بتوسيع مجال سيطرتهم على الإخبار التليفزيونية. وكالعادة فقد أكد التقرير أن دول أوروبا الغربية لا تزال تمثل أعلى مستوى في حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم، وشهدت إيطاليا تحسنا في الأوضاع بعد استقالة سلفيو بيرلسكونى، أما تركيا فقد شهدت تدهورا بسبب استمرار الحكومة في مضايقة وسجن المعارضين. وظلت أسوأ الدول في العالم في مجال حرية الصحافة وفقا للتقرير فكانت، بيلاروسيا، وكوبا وغينيا الاستوائية وإريتريا وإيران وكوريا الشمالية وتركمانستان وأوزبكستان. وتتميز هذه الدول بغياب الإعلام المستقل كليا أو جزئيا وتبقى الصحافة اللسان الناطق باسم النظام، ووصول المواطنين إلى المعلومات غير المنحازة محدود للغاية، ويتم قمع المعارضين بالسجن والتعذيب وأشكال أخرى من القمع. وتجدر الاشارة الى تراجع موقع الولاياتالمتحدة في ترتيب الدول في هذا التصنيف السنوي بسبب الحملة الشرسة التي قامت بها الشرطة الأمريكية على الصحفيين الذين غطوا احتجاجات حركة احتلوا وول ستريت عام 2011. وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد خفضت تصنيف الولاياتالمتحدة أيضا في تصنيفها السنوي لحرية الصحافة لنفس السبب، فتراجعت من المركز العشرين إلى المركز السابع والأربعين... انجازات وانتكاسات ترافق المشهد الاعلامي الذي وان استعاد حريته المصادرة فانه لا يزال في بداية المعركة قبل أن يستعيد ثقة الرأي العام ويستحث صفة السلطة الرابعة التي ترتبط بصاحبة الجلالة... فالرهان لن يكون هينا والاختبار طويل ما في ذلك شك لاسيما عندما يتعلق الامر بمواجهة الانتهازيين العائدين الى المشهد الاعلامي بقوة والتصدي لكل العقليات المتصلبة والافكار المعادية لوجود اعلام...