صرخة فزع أطلقها القاضي أحمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء والقاضية كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة التونسيين بسبب تدخل السلطة التنفيذية الواضح وخاصة وزير العدل في الشأن القضائي من خلال عمليات التعيين.. وكشف الرحموني أمس في لقاء صحفي انتظم بالعاصمة بمناسبة عرض نتائج التقرير الاول للمرصد حول التعيينات القضائية منذ تولي الحكومة المؤقتة الحالية مهامها في 24 ديسمبر 2011 إلى موفى أفريل الماضي، الخروقات القانونية المصاحبة لعمليات تعيين القضاة والتي تجاوز عددها المائة تعيين.. وبين أن وزير العدل تولى اصدار مذكرات عمل وقتية لعدد من القضاة المعنيين بالتسمية في حين يوجب الفصل 7 مكرر من القانون الاساسي للقضاة تسميتهم بمقتضى امر إضافة الى ما يقتضيه الفصل 7 من نفس القانون من حصر نطاق مذكرات العمل في نقلة القضاة من غير أصحاب الوظائف العليا لمصلحة العمل. كما تمثلت الخروقات في ممارسة اربع وظائف قضائية عليا من قبل قضاة دون اصدار أوامر في تسميتهم الى الآن وتعيين قضاة في وظائف قضائية عليا لا تتوفر فيهم الشروط القانونية المستوجبة لتوليها من ذلك تعيين المتفقد العام بوزارة العدل ورئيس المحكمة العقارية دون ان يكونا قد توليا لمدة سنتين على الأقل خطة رئيس دائرة بمحكمة التعقيب أو ما يعادلها إضافة إلى خلو امر تعيين الرئيس الأول لمحكمة التعقيب من التنصيص على وقوع التشاور مع مجلس الوزراء ووزير العدل. وللتذكير فإن الفصل السابع مكرر من القانون الاساسي للقضاة الذي يعتبر مخالفا للدستور ومبادئ استقلال القضاء، ينص على أن التعيين للرئيس الأول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب ووكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية والمتفقد العام بوزارة العدل ورئيس المحكمة العقارية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس والوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس يتم بأمر من رئيس الجمهورية.. وتمتع رئيس الحكومة المؤقتة حاليا بهذا الاختصاص وأصبح هو الذي يعين في الوظائف المدنية العليا بالتشاور مع الوزير المعني ومجلس الوزراء. وبالتالي فقد مارس رئيس الحكومة المؤقتة صلاحياته المسندة اليه بحكم القانون بإجرائه تعيينات في الوظائف القضائية العليا وتعيينه القضاة العدليين بالمحاكم العسكرية وإلحاقه بعض القضاة بوزارات أخرى. وتولى تعيين الرئيس الاول لمحكمة التعقيب بناء على تقاعد سلفه وصدر في شأنه امر في حين اعلنت وزارة العدل عن تسمية خمسة من أصحاب الوظائف القضائية العليا وهم الرئيس الاول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب ووكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية والمتفقد العام بوزارة العدل ورئيس المحكمة العقارية ولم تصدر بعد التسمية الخاصة بهم بل تم الاعلان عنها في وسائل الاعلام. وشملت التعيينات بالنسبة للقضاء العسكري قضاة من الصنف العدلي تم الحاقهم بالمحاكم العسكرية. الهيئة الوقتية وفسّر أحمد الرحموني أن السلطة التنفيذية وبحجة تطهير القضاء من الفساد، ودون استشارة الهياكل المعنية بالقضاء، عينت عدد من القضاة مستغلّة حالة الفراغ الناجمة عن تعطيل المجلس الأعلى للقضاء بموجب التنظيم المؤقت للسلط العمومية وتباطؤ المجلس الوطني التأسيسي في إصدار القانون الأساسي الذي ينشئ بموجبه هيئة وقتية تعوض المجلس. وفي نفس السياق ذهبت السيدة كنو إلى ابعد من ذلك ولم تستبعد ان يكون تلكؤ المجلس الوطني التأسيسي في بعث الهيئة الوقتية مقصودا، ويأتي بإيعاز من السلطة التنفيذية. وقال رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء: « إن حركة تعيينات القضاة خلال الفترة المذكورة اتسمت بالتدخل المباشر وغير المسبوق للسلطة التنفيذية وبغياب المعايير الموضوعية والغريب أنها شملت قضاة من جميع أصناف القضاء العدلي والاداري والعسكري بمختلف الرتب التي ينتمون إليها وبمختلف الوظائف وحتى مجلس ادارة تعاونية القضاة.. إننا لم نتصور أبدا أن يحصل في وزارة العدل التي لها مستشارون ومراكز بحث وديوان أن تتعامل بهذا الشكل مع السلطة القضائية في فترة ما بعد الثورة». وأثار رئيس المرصد مسألة لا تقل أهمية تتعلق بالتعدي على التقاليد القضائية وفي هذا الشأن بين أن تعيين أصحاب وظائف قضائية عليا بمذكرات عمل وقتية لا تتلاءم مع مراكزهم ورتبهم داخل السلم القضائي انتقاص من اعتبار هذه الوظائف كما ان طريقة التعيين نفسها وتجريدها من الصبغة الاحتفالية يصب في نفس الخانة. وبين الرحموني أن الهدف من اعداد التقرير حول التعيينات القضائية الذي ساهم فيه عدد من الخبراء والمختصين هو تحسيس الرأي العام والمجتمع المدني والسياسي بأن مسألة التعيينات القضائية هي في جوهر استقلال القضاء وأن تبعات الاخلال بالمبادئ الأساسية في هذا الخصوص ستكون وخيمة على استقلال الوظيفة القضائية ونجاعتها. ونبه القضاة الحاضرون في الندوة الصحفية إلى ان السلطة القضائية كسلطة لم يكن لها وجود سابقا، وشددوا على ضرورة إيجاد سلطة قضائية فعلية تعمل بالتوازي مع السلطتين التنفيذية والتشريعية وبينوا انه لا يمكن الحديث عن سلطة قضائية مستقلة والقضاة يعاملون طبق نموذج الموظف العمومي وتقع تسميتهم من السلطة التنفيذية ومن وزير العدل تحديدا وبمذكرات فقط وأحيانا دونها. وقالت رئيسة جمعية القضاة التونسيين كلثوم كنو إنه يجب تدارك الفراغ المؤسساتي في ادارة الشأن القضائي والاسراع في إنشاء هيئة وقتية تحل محل المجلس الأعلى للقضاء.. وتساءلت ماذا سيتبقى للهيئة الوقتية من صلاحيات بعد تعيين هذا العدد الكبير من القضاة؟ وفي نفس الإطار تحدث الرحموني عن التعدي المبكر على اختصاص الهيئة الوقتية في اشرافها على القضاء العدلي وذلك باستكمال السلطة التنفيذية تعيين جميع اصحاب الوظائف القضائية العليا وما يمثله ذلك من استباق لعمل الهيئة الوقتية وسلب صلاحياتها والتجاوز على ولايتها العامة في الشأن القضائي. وذكّر الرحموني بأهداف المرصد التونسي لاستقلال القضاء الذي اعلن عن تأسيسه يوم 7 مارس 2012.. وذكر أن المرصد ليس اطارا مهنيا لكنه يعكس مشاغل القضاة بمختلف اجيالهم ورتبهم وتخصصاتهم وهو لا يشمل القضاة فقط بل فيه محامون وجامعيون وإعلاميون ومساعدو القضاء كما يهتم بالمواطن وينفتح عليه ويسعى للقطع مع انعزال المؤسسة القضائية.. لأن انعزالها ساعد النظام القمعي على الحط من اعتبار هذه السلطة واهتزاز الثقة فيها.