أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 3 ماي 2024    حفاظا على توازناته : بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يرفع رأس ماله الى 69 مليون دينار    الرابطة المحترفة الاولى – مرحلة التتويج – الجولة 6: جولة القطع مع الرتابة    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    بلدية تونس: حملة للتصدي لاستغلال الطريق العام    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    معهد الصحافة يقرر ايقاف التعاون نهائيا مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بسبب دعمها للكيان الصهيوني    مقتل 20 شخصا على الأقل جراء حادث سقوط حافلة في واد بهذه المنطقة..#خبر_عاجل    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    الرابطة المحترفة الاولى : تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    البطولة الوطنية : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الثانية إياب من مرحلة تفادي النزول    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    إيقاف 3 أشخاص من بينهم مفتش عنه من أجل السرقة وحجز 3 قطع أثرية بحوزتهم    طقس اليوم الجمعة    خلال 24 ساعة: 15 قتيل و 500 مصاب في حوادث مختلفة    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    وسط أجواء مشحونة: نقابة الصحفيين تقدم تقريرها السنوي حول الحريات الصحفية    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    المغازة العامة...زيادة ب 7.2 % في رقم المعاملات    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    القصرين: اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    باجة.. تفكيك شبكة ترويج مخدرات وحجز مبلغ مالي هام    انتخابات جامعة كرة القدم.. قائمة التلمساني تستأنف قرار لجنة الانتخابات    اجتماع تنسيقي بين وزراء داخلية تونس والجزائر ولبييا وإيطاليا حول الهجرة غير النظامية    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    القبض على مشتبه به في سرقة المصلين بجوامع هذه الجهة    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    عاجل : إدارة الترجي تمنع التصريحات لوسائل الإعلام في هذه الفترة    بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    بنزيما يغادر إلى مدريد    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معضلتنا التربوية من التشخيص إلى البدائل 2/ 3
نشر في الصباح يوم 17 - 05 - 2012

- عاد الكاتب في الجزء الاول من مقاله الى جذور المعضلة التربوية المتعلقة بالتراث العربي الاسلامي ويواصل في نفس السياق قائلا:
مكنتنا العودة إلى التاريخ العربي الإسلامي من التعرف إلى العوائق والأسباب السلبية المتراكمة والمسهمة في استفحال المعضلة التربوية التي يمكن تلخيصها في «فهم تراثي للتراث والرواسب التراثية والنظر إليه كراسب (القياس النحوي، الفقهي، الكلامي) في صورته الآلية اللاعلمية» «التداخل بين الذات والموضوع» أي في غياب المنهج عند التعامل مع التراث.
«غياب المعالجة البنيوية أي محورة فكر صاحب النصّ حول إشكالية واضحة».
«غياب التحليل التاريخي أي ربط فكر صاحب النص بمجاله التاريخي
إغلاق باب الاجتهاد الذي وضع حداً نهائياً أمام استحداث مبادئ قانونية
حول الأسباب الكلية والعامة للمعضلة التربوية
انبرت منذ مخلّفات صدمة «الحداثة الأولى» أولى كتابات النّهضة لدى مفكّرين من أمثال الطهطاوي ,خير الدّين التّونسي وغيرهما وارتكزت على مبدإ ثابت :»الاقتباس عن الغرب بما يوافق الشّريعة» وعلى الرّغم من سموّ المقاصد فقد آلت كلّ تلك التّجارب إلى فشل ذريع تؤكّده ظاهرة استمرار الإعضال الّتي تحكم مدارسنا ويعود ذلك في تقديرنا إلى جملة الأسباب التّالية:
الاستيراد التّربويّ المباشر لبرامج و»مناهج غريبة عنا حملت في طياتها فصاما و أورثت منهجاً مزدوجاً بين التعاليم الدينية والمعارف المعاصرة -الارتجالية التي وسمت بها جميع التّجارب و المخطّطات التّربوية التي اهتمت بانطلاق العملية التّربوية .. العمل بالمقاربة بالكفايات ،(غلق مدارس ترشيح المعلمين، دور المعلمين العليا..).
غياب آليات المراقبة ونظم المساءلة الكفيلة بتبيّن مواطن الخلل بما يساعد على تحليلها في الإبّان ووضع استراتيجيات التّعديل والإصلاح ،أو حضورها الصّوريّ الّذي يتّخذ أشكالا عديدة كتغيير عناوين الكتب المدرسية و تغيير ألوان المناهج والمقررات والبرامج الرّسمية أو تسمية ممارسة بيداغوجية سابقة بمسمّيات جديدة أو تغيير توقيت التّدريس.
وفي هذا المستوى من التحليل نذكر أن حال مدرستنا التونسية اليوم ليس إلاّ نتاجا لإرث فكريّ وثقافيّ أبينا أن نتأمله تأملا موضوعيا. ويبدو أنّ الخلل كامن في مسارات معالجة المدخلات والممارسات .
إنّ نشاط علوم الحياة والأرض في مدارسنا ومعاهدنا الّذي يتلقّاه تلاميذنا منذ أكثر من خمسة قرون وحتّى السّاعة ظلّ يراوح مكانه كدرس في التأريخ حيث تُسرد على المسامع القوانين الكيميائيّة والفيزيائيّة وتُكتب على السبورة بالطباشير الأبيض وتُستظهر دون تأمّل في الظّاهرة ودون تحليل وبحث في الأسباب والآثار ودون ربط بين التّعلّم ووظيفته العملية دون يقظة علمية وابستمولوجية للتّعديلات الحاصلة نتيجة للتّقدّم البحثيّ مما قد ينشئ الفجوة العلمية بين عقولنا وعقول الآخرين ويظهر البرزخ بين التّفكير الخلاّق وبين التّفكير الجامد وتغيب من مخرجاتنا التّربوية النّخبة القادرة على الابتكار والاختراع فتقاليد التلقين والتدريس الرافضة لمنهج الحوار المتكافئ بين الأستاذ والطالب، وثقافة الإشراف والتوجيه التسلطي، ومعايير التحكيم ، قد تكون كلها أو بعضها أسباب وعوامل تساعد على إحباط محاولات الإبداع والاجتهاد العلمي في وطننا.
ولنفترض جدلا مع الخائضين أنّ المواد العلمية لا تلقى من النّجاح لدينا إلاّ النّزر اليسير لأنّها ناتج الفكر الغربي فإن مخرجاتنا في اللّغات وفي الأدبيات وفي العلوم الإنسانية بكافّة حقولها ما كانت بأفضل حال من بقيّة العلوم فعدد مفكّرينا بما يحمله مفهوم المفكّر من معاني الإضافة والتّجاوز والتّجديد يظلّ شبه منعدم ومدارسنا القيادية ما أنتجت إلى حدّ السّاعة غير ما ألفنا من المراتب المتأخّرة في التّصنيفات العالمية
إنّ مثل هذا الواقع لا يقودنا إلا إلى البحث المعمق عن جذور الإهدار والإعضال؟
قد يعود ذلك إذن إلى :
1- هندسة التّوازي بين الفكر والممارسة وصلة غير واعية مع تراث جمعيّ:
تخطو مناهجنا التربوية والتعليمية خطوات الحداثة المستعجلة فما من دارس ينكر عليها غاياتها الكبرى ولا مراميها أو يعيب عليها الاستناد إلى النّظريات التّربوية الحديثة أو يستهجن استنجادها بكافّة العلوم التّربوية المؤكّدة على مراعاة خصوصيات المتعلّم ودرجة وظيفية الوضعية المقدّمة إليه وحسن تمكينه من بناء المعارف وغير ذلك ممّا يشيع بالمدارس الانقلوسكسونية أو الفرانكفونية،لكنّ ملاحظة الخبير للممارسة البيداغوجية بالفصول تكشف توازيا مع هذا الفكر فنحن إزاء مدرّس يقيم صلة غير واعية مع تراث جمعيّ يحكم كلّ سلوكاته وينزّلها فيه
2- سلطوية تربوية
تعد استمرارية التّربية التّسلّطية القائمة على الأمر والنّهيّ والكفّ والزجر والعقاب المجسمة في العلاقات التربوية العمودية المتمركزة حول المعلم طامسة للمواهب والكفايات الفردية وقاتلة لخصالهم القيادية. هذه نقطة تكشف حجم الزّيغ ودرجة الفهم المغلوط للسّنة النّبوية ولأحاديث الرّسول الكريم (ص) الذي أولى أهمية للمحيط الاجتماعيّ في التّنشئة وفي التّعلّم فما كان تعليمه للصّحابة إلاّ يسرا وصبرا ومراعاة للفروق بين الأعراب وأهل الحضر وعملا بقوله تعالى:(« ... وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ...) آل عمران (159)
ومن مظاهر السلطوية التي وسم بها كل من التربية والتعليم في بلدنا يمكن أن نشير إلى ما يلي:
أ - سلطوية في المناهج الدراسية
تعتبر بعض المناهج الدراسية مصدراً خصباً من مصادر السلطوية ومن أهم مظاهر السلطوية في المناهج بشكل عام ما يلي :
أن عدداً من المناهج الدراسية مقتبس من المناهج الدراسية الغربية وموجه بالتعليمات السياسوية المستبدة التي يحركها النظام السابق
إن المناهج الدراسية العربية بشكل عام تتمحور على المعرفة بدلا من تمحورها على المتعلم
ب- سلطوية في طرق التدريس تتسم باللفظية والتلقين
يشير واقع المناهج الدراسية في تونس بشكل عام إلى «رجحان كفة التنظير على حساب التطبيق» وتنمية القيم والاتجاهات الإيجابية وتكتفي بالنقل والتمرير الشفاهي للمعلومات فتعمل على حشو الأدمغة وتغيب التعليم
ج-سلطوية العلاقة بين المعلم والتلميذ
وصف عديد الباحثين وجود علاقة مبنية على التسلط والإجبار والخوف والإذعان والاستسلام من جانب الطالب في عديد المدارس ، أليس ذلك ما يمنع من ظهور الخصال القيادية والإبداع والأخلاق الفاضلة ؟ أليس ذلك ما جاء على لسان ابن خلدون في مقدمته» حيث يقول ابن خلدون: «إن من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين.. سطا به القهر، وضيق على النفس في انبساطها، وذهبت بنشاطها، ودعا إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر.. وعلّمه المكر والخديعة لذلك. ؟
هكذا أدت تلك العلاقة التسلطية التي سادت إلى نتائج وآثار سلبية من أهمها: -تربية الطالب على الخضوع والذل الدافعين إلى التمرد والانعزال
إضعاف روح المبادرة عند الطلاب وخفض قدرتهم على أخذ القرارات الفردية
- إعادة إنتاج التسلط وتثبيته في العلاقات التي يفرضها نظام تربوي متخلف ومعلمون عاجزون عن ولوج قلوب الطلبة وعقولهم
- إعداد خريجين محدودي القدرة والكفاءة وتخرج جيل ضعيف لا يقوى على مواجهة المشكلات والتحديات
- تسرب العديد من التلاميذ الذين كرهوا المدرسة وكرهوا معلميها لسوء إدارتهم الصفية وسوء معاملتهم وفشل طرائقهم وتقييمهم.
3- غياب الحرية الفكرية
إن الإبداع نبات شديد الحساسية لا ينمو زرعه إلا في البيئات التي يغذيها هواء الحرية الفكرية النقي ولا تخنقها أسوار التسلط والاستبداد الفكري والسياسي .
4- ثقافة النقل
من الأسباب الكلية المفسرة لتردي المخرجات التعليمية غلبة ثقافة النّقل على ثقافة إعمال الرّأي والتّفكير فحصص تدريس القرآن مثلا بقيت على حالها منذ الكتاتيب الأولى منحصرة في التّحفيظ وفي التّلاوة وفي التّفسير وما تعدّت بحال إلى تعقّب المعاني العميقة والعبر.
5- نمذجة الرّاهن التّربويّ بماض مخالف
يعود استمرار نمذجة الرّاهن التّربويّ بماض مخالف تماما لولع العقل العربيّ بتشبيه الوقائع وتمثيلها وتمسّكه بقاعدة قيس» الشّاهد على الغائب «وهي مفارقة جعلت الفعل التّربويّ في حالة جمود وتصلّب وتكلّس اعتبارا للتّخالف الطّبيعيّ بين وضعين لا يجمعهما الزّمن
6- شيوع التلقين وغياب البناء المعرفي
تطغى في الممارسات التربوية أساليب التلقين القائم على إلقاء المحاضرات، والشرح المباشر، والاستقبال القائم على الترديد والحفظ والامتثال والاستظهار ويغيب التساؤل والبحث والتجريب والفهم والنقد.
وهو في حقيقة الأمر مما يضعف قدرة الفرد على الابداع والتجديد والتعلم الذاتي ويعمل على تشجيع الاتكالية والسلبية.
باحث في علوم التربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.