اصدر المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» مؤخرا وقائع الأمسية الثقافية التي انتظمت ببيت الحكمة تخليدا لروح جعفر ماجد يوم الجمعة 21 ماي 2010 في كتاب بثمانين صفحة تمّ فيه تجميع دراسات قدمها بالمناسبة نجله الأستاذ معز ماجد والشاعر نور الدين صمود ومحمد رؤوف يعيش ومحمد اليعلاوي وعبد الرحمان الكبلوطي وجميلة الماجري لمحاولة اكتشاف جوانب من شخصيته وآثاره وتسليط الأضواء على أهم برامجه الإذاعية والتلفزية. وجعفر ماجد الذي تزهو قصائده بالقيروان أو تتغنى بالمرأة او تحتفي بتونس وتهيم بجمالها وعراقتها، من شعراء تونس الكبار ومن مؤسسي المدونة الشعرية التونسية الحديثة خطابا استعاريا جديدا يتميز بجماليته الفائقة وإيقاعاته الفاتنة، وخطابه فيه عمق وقوة يشدّ المتقبل إليه والى صوره وإيقاعاته، وهو من القلائل الذين قاوموا إفراغ القصيدة العربية من شحنتها العاطفية وتحويلها إلى شعارات خالية من روح الشعر بدعوى الالتزام ولكنه كان الالتزام بمعناه الإيديولوجي الضيق. شعر جعفر ماجد حسب شهادة للدكتور عبد الوهاب بوحديبة: «موصول بوطن الذات ، بإيقاع الجسد، باختلاجات الروح، لهذا كان في الأغلب الأعمّ ضربا من البوح والاعتراف.. كان كتابة لتاريخ الروح، وتوسيعا في أغراضه إلى الحنين فإلى الحنان وإلى الالتزام الحقيقي». وفي شهادة لابنه: «هو من الذين يؤمنون بضرورة الإبقاء على الصلة بين الماضي والحاضر من اجل الإعداد للمستقبل ويشهد فكره وفنه على ذلك. لقد كان حلقة متينة في سلسلة الفكر والأدب والفن ولا أخاله يرضى ألا تواكب «رحاب المعرفة» روح العصر وألا تعرّف بكل جديد ترصد نبضه وتنفذ إلى عمق قضاياه ومشكلاته لذلك فإننا نحرص على أن تعيش المجلة هذا العصر شكلا ومضمونا حتى تحقق لنفسها الاستمرار والتميز». كتاب «جعفر ماجد» تضمن كذلك إخوانيات الشاعر مع شعراء القيروان ورفيق دربه نور الدين صمود الذي قال: يا رفيقي على دروب القصيد ** وخليلي في الحرّ أو في العمودي ونديمي على كؤوس القوافي ** تسكر الروح كابنة العنود في بحور الأشعار كم قد سبحنا ** وأتينا باللؤلؤ المنضود ونظمناه مثل عقد اللآلي ** وبدا في العيون مثل العقود وأضاف صمود : « لقد كان بعض المتظاهرين بالمعارضة يؤاخذوننا على تغنينا بالجمال في المواضيع الغزلية ، في أجمل معانيها، أو الوطنية في أشمل معانيها، ظانينا ان ما يكتبونه في المواضيع الضيقة التي يدعونها «التزاما» مثل التغني ب «التعاضد»،شعر جيد، بينما رأيناهم قد انقلبوا على تلك المعاني عندما تراجع النظام في التعاضد، وحوكم المكلف بالتخطيط والتصميم، لأسباب بعيدة عن الفن والجمال فكان كل منا « ملتزما» يكتب تلقائيا ما يجول في أصغريه. أما منتقدونا على عدم الالتزام،فقد كانوا « ملزمين» أو إمّعة، يرددون ما يقول المسؤولون كالببغاء عقله في أذنه. وعن مساهماته الإذاعية و التلفزية في البرامج المختلفة أو في نظم الأغاني المختلفة كتب محمد رؤوف يعيش ان جعفر ماجد أمتع مستمعي الإذاعة الوطنية ببرامج متميزة تفنن في اختيار عناوينها ومن بينها ديوان «الصبابة « الذي كانت نصوص حلقاته طافحة بمعاني الحب والعشق والوجد والهيام.. كما كان له برنامج «أغنية وقصيد» يتناول خلاله شرح ارقي القصائد التي تضمنتها المدونة الشعرية العربية ولحنها كبار الملحنين والتعليق عليها معتمدا في ذلك على معرفته الواسعة بالتجارب الشعرية العربية والعالمية وأنساقها المختلفة وقدراته الفائقة على توليد المعاني الخفية واستخراج الصور المعبرة ولكنه لم يكن يرغب كثيرا في تقديم برامجه بصوته بل كان يقترح الأصوات التي يرتاح لأصحابها من المذيعين والمذيعات. وقد أنهت الشاعرة جميلة الماجري الكتاب بقولها : «لا يمكن لأي كان - مهما اختلفت الأذواق الشعرية - أن ينكر مكانة جعفر الشعرية وشعريته العالية ولا نملك إلا أن نعتز به شاعرا أخلص للشعر واجتهد في تطوير تجربته،أطعم اللغة والشعر قلبه وأعصابه- على حد تعبيره- وذلك هو الشاعر الحق.