"توقفت عن نقد الإعلام.. والوقت حان لدفع قطاع الإعلام نحو الإصلاح"هذه التصريحات للطفي زيتون مستشار رئيس الحكومة يمكن اعتبارها حمالة أوجه. فالرجل الذي عرف بشراسة نقده للإعلام والإعلاميين والمستشار العنيد الغير قابل لزحزحة أفكاره كما وصفه كثيرون ممن تناقشوا معه سرا وعلانية حول مواضيع تهم قطاع الإعلام يتحول فجأة للإقرار بأنه توقف عن النقد وأن الوقت قد حان للإصلاح..لا يمكن أمام هذا التحول إلا أن يقف المرء قليلا للتفكير..وطرح فرضيتين وتساؤلين اثنين : -هل اقتنعت الحكومة الحالية أنه لا يمكن التمادي في مهاجمة الإعلام والإعلاميين إلى ما لا نهاية؟ والأسلم أن تنتهج فعلا لا قولا نهج الإصلاح في قطاع ينشد هذه الخطوة منذ ما بعد الثورة مباشرة ويدفع إليها كثيرون . وطرق هذا الإصلاح معلومة تمر حتما عبر الحوار مع أهل المهنة النزهاء الذين لم تتلوث أيديهم بصنوف التطبيل والتزلف والمناشدة للنظام السابق والمرور بسرعة لتفعيل بعض الإجراءات الضرورية على غرار إحداث الهيئة المستقلة للإعلام وتفعيل المراسيم المقترحة لتنظيم القطاع ووضع الأطر القانونية اللازمة والتعامل بجدية مع مقترحات تقرير الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال والأهم العمل على استبعاد الوجوه البنفسجية من الساحة الإعلامية لاسترجاع ثقة التونسي في إعلامه العمومي والوطني. - أم هل يمكن اعتبار هذا التغيير في التصريحات تغيير إستراتيجي لا غير فرضته مقتضيات المرحلة والأعين على الاستحقاق الانتخابي المقبل؟ ويجد هذا الطرح ما يبرره لدى من يرون الحكومة أو بالأحرى حركة النهضة تتجه شيئا فشيئا لتوظيف "ماكينات" النظام السابق في كل القطاعات ومن بينها الإعلام بحثا عن نجاعة وتوازن لم تتمكن منهما بالشكل المطلوب طوال الفترة السابقة. وهذا التوظيف قد يتطلب مهادنة المورطين والفاسدين ولو لحين. وبالتالي المرور مباشرة إلى الحديث عن أنه "حان أوان التوقف عن النقد والشروع في الإصلاح"، لكن دون أن يعنى الإصلاح بالضرورة الاستماع لأصوات المصلحين الأحق بالاستماع إليهم ودون أن يمر الإصلاح بالقطع مع ممارسات الماضي في الإعلام ولا مع وجوه الماضي من الإعلاميين الذين ألفوا خدمة من في الحكم وخبروا فنون الترويج والدعاية لبضاعته. وجندوا أقلامهم ومنابرهم لصالح أولياء نعمهم. إذا ما صحة الفرضية الأولى فلا نملك إلا أن نشد على الأيادي الراغبة في الإصلاح عبر منطق الحوار بعيدا عن الترهيب و "الإعتصامات بالوكالة"والسب والشتم الممنهج للإعلاميين دون استثناء. ولا نستطيع إلا أن نبارك هذه الخطوة إذا ما رأينا بوادرها على أرض الواقع وإذا ما استجابت لنداءات شرفاء المهنة المنتصرين للحرفية وللأخلاق المهنية وللقوانين والمراسيم المنظمة لقطاع الإعلام رغبة في أداء رسالة نبيلة واستعادة الصورة اللامعة للإعلامي والصحفي في عيون الرأي العام. أما إذا ثبتت صحة الفرضية الثانية فلا أبلغ من أن يقول المرء "يا خيبة المسعى".. ويبقى على الحكومة ومستشاريها المكلفين بقطاع الإعلام أن يثبتوا حقيقة نواياهم على أرض الواقع وترجمة التصريحات الإيجابية إلى أفعال ملموسة تقطع الشك باليقين. وتضع حدا لفرضيات قد تتحول بعد قليل إلى قناعة راسخة لدى كثيرين لا سيما فيما يتعلق بمسألة إعادة إنتاج المنظومات القديمة بمسميات جديدة و التعاون مع الفساد والفاسدين.