تشابكت في الآونة الأخيرة عدة معطيات سياسية واجتماعية واقتصادية،لتفرز نوعا من التململ الشعبي دفع بالنخبة السياسية للتطاحن والتراشق بالاتهامات وصل حدّ رفع المعارضة لشعار «فاشلون» في وجه الأحزاب الحاكمة.. ناهيك عن «دوامة» المطالب النقابية التي يتبناها أكثر من طرف وباتت أشبه بالنزيف القاتل الذي يشلّ الاقتصاد الوطني ويدفع به نحو مزيد من التأزّم.. وتبقى المطلبية الاجتماعية والاقتصادية معضلة دون حلول بما أن الحكومة لم تعرب عن نوايا حقيقية في التعامل الحكيم والرصين والايجابي مع هذه المطلبية ففي كل مرة تنتهج دربا خاطئا فهي تارة تتنكّر لالتزامات نقابية سابقة أمضت عليها الحكومات التي تعاقبت قبل «الترويكا» وطورا تنكص وعودا نقابية تعهّدت أو التزمت بها بما يعتبر استفزازا للشغالين يدفعهم لتصعيد لهجتهم ضدّ الحكومة وتصعيد مواقفهم الاحتجاجية والدفع أحيانا إلى شلل بعض القطاعات بما يعتبر تهديدا مباشرا لمصالح الوطن والمواطن.. النقابات ولا نقصد هنا فقط النقابات المنضوية تحت مظلة اتحاد الشغل بل أيضا باقي النقابات الناشطة في إطار ما يسمّى بالتعددية النقابية أو النقابات القطاعية الخاصّة والحرة ..تبدو مطالبها في شق كبير منها مطالب مجحفة فيها نوعا من التكالب على استغلال ضعف الدولة لتحقيق مطالب قد يكون فيها إنصاف للشغالين نتيجة سنوات من القحط وإنكار الحقوق لكن هذا لا يعني التخلّي عن الرصانة والعقلانية في طرح المطالب لاعتبارات أبرزها حلة الوهن الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.. كما أن هناك نوعا أخر من المطالب النقابية فيها الكثير من الابتزاز النقابي للي ذراع السلطة أو المزايدة للفت الانتباه واثبات الوجود.. من خلال طرحنا لهذا الملف نريد أن نؤكّد أنه آن الأوان ليتفهّم كل طرف مسؤوليته الوطنية والتاريخية للخروج من عنق الزجاجة قبل أن تضيع البلاد وتصبح عملية «جبر الضرر» مستحيلة.. ملف من إعداد :عبد الوهاب ومنية ------ د.عميرة علية الصغير : «لم يأتوا لإنقاذ الوطن.. بل لاقتسام الغنيمة !!!» ازدادت في الآونة الأخيرة وتيرة الاضطرابات الاجتماعيّة وتصاعدت حدّة المطلبيّة عند المعطّلين وعند الشغّالين وعند المُهيكلين وعند غيرهم في مناخ من غلاء للأسعار غير مسبوق، وفي موجة متزايدة من الشكّ في قدرات الحكومة، وفي إحساس عام بانسداد الأفق وشعور بالإحباط خاصة وأنّ عنفا جديدا بدأ يهدّد أمن الناس وحرّيتهم باسم «مكافحة الفساد الأخلاقي» و»تطبيق الشريعة» يرفعه «السلفيّون» أو من هم من «حاملي اللّحى» مثلهم عقيدةً أو مكيدةً.. وهاهي قطاعات حيويّة تضرب من رجال التعليم والقضاء والصحّة.. وقبلها إضرابات في النقل ومراكز عمّالية كبرى في المناجم وفي قابس.. الحكومة -إمّا لعدم الخبرة أو لجهل بإدارة الصراع الاجتماعي- دخلت مع النقابات وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل في عمليّة ليّ ذراع وفشلت.. ولن تنجح مستقبلا كذلك ما لم تتعظ بتجربة الحكومات السابقة وبتاريخ الصراع الاجتماعي في تونس.. البلاد تبنيها الأطراف الفاعلة أو لن تبنى.. والتفاوض بين النقابات والحكومة لن ينجح ما لم تُقنع الحكومة ذاتها بسداد تمشيها وبحكمة سياساتها الاجتماعيّة.. حكومة الجبالي ليست مسؤولة لوحدها عن خراب ميراث اقتصادي، هو في نهاية المطاف ثمرة سنوات من النهب الداخلي والخارجي، لكنّها مسؤولة حتمًا عن اختياراتها الاقتصاديّة الحاليّة وعن مصداقيتها لدى الشعب.. مواصلة نفس النهج الاقتصادي الليبرالي والإصرار حتى على فرضه في قطاعات لم يمسها هذا النهج هو من باب «من يضرب رأسه على الحائط»، ومن لم يتعلم من التاريخ.. لماذا انفجر التونسيّون في ثورة؟ لأنّ النهج الاقتصادي الليبرالي أدّى للبطالة والتهميش والتفاوت الجهوي وإغراق البلاد في الديون... إعادة «رسكلة» الفساد.. حكومة الجبالي فعلا هي شرعيّة بما أنّها منبثقة عن أغلبية اختارها الشعب للمجلس الوطني التأسيسي لكنها نسيت أنّ شرعيتها الفعليّة والتي ستُكسبها مصداقيّة فعليّة وتجعل الناس يصبرون عليها ويتفهمون صعوباتها ويضحوّن من أجلها هي تلك التي تصنعها في صدقها مع الناس وخاصة في تلبية أهداف الثورة.. ماذا نجد كمردود للحكومة بعد نصف عام تقريبا من إدارتها للبلاد.. السلبي أكثر من الايجابي وكل المؤشرات في الأحمر من غلاء الأسعار وتضخم البطالة إلى التداين.. لم تفقد الحكومة ثقة المؤسسات المالية الدوليّة فحسب بل فقدت كذلك ثقة غالبية الناس.. النهضة بالذات لم تحقق ولو جزءا من وعودها في التشغيل ولم تحسن التصرّف في المال العام.. الناس انتخبوها وانتخبوا حليفيْها للقضاء على الفساد وتطهير أجهزة الدولة من المفسدين وتتبعهم.. وماذا نجد؟ إعادة رسكلة لعناصر الفساد والتراخي في محاكمة من أجرم في حق الشعب إن كان اقتصاديّا أو سياسيّا.. بل إنّ رجال الحكومة ومن معهم في المجلس التأسيسي يعطون الانطباع، بل الدليل، على أنهم لم يأتوا لإنقاذ الوطن بل لاقتسام غنيمة.. عشرات المستشارين في قصر الحكومة وفي قرطاج لا معنى لهم إلاّ استنزاف ميزانيّة الدولة، وهاهم من وعدوا عند حملتهم الانتخابيّة من نوّاب المجلس التأسيسي أن يشتغلوا مجانا، يضعّفون منحهم إلى أكثر من أربعة آلاف دينار أي 15 مرّة الأجر الأدنى في البلاد، إضافة لوعد التعويض بالمليارات جملة لمن سُجن لأنه كان عارض النظام.. وكأن تكون حرّا أو أن تكون وطنيّا، يجب أن تتقاضى مقابلا على ذلك.. لذاك كله لن يصدّق العاطلُ الحكومة، ولن يصبر عليها من يكتوي بنار الأسعار ولن تترافق معها النقابات.. لكن هل ذاك مبرّر لأن نساهم في إغراق البلاد؟ هنا مسؤولية النقابات في ترشيد المطالب واعتبار مصلحة الوطن قبل المصالح الفئويّة.. وذاك لا يعفي الحكومة من التعامل بجدية مع مطالب أطباء الصحة العمومية وتفادي انهيار الصحة العامّة أو إعادة النظر في إجراء تطهير القضاء ووضع الملف بين أيدي الشرفاء من القضاة ذاتهم.. الخشية أن ليس فقط للحكومة أذان تسمع، بل وأيضا كفاءات تعتمد عليها. ----- إضرابات كبرى كمّا ونوعًا : قطاعات حساسة توقفت عن العمل والجهات تلتحق عرفت البلاد من الإثنين إلى الخميس المنقضي اضرابات كبرى على مستوى الكم والنوعية حيث مست قطاعات جد حساسة ونعني بذلك أعوان وموظفي المالية الذين نجح اضرابهم يومي 28 و29 ماي وذلك بعد تأجيلهم له لعدة أشهر وانتظار ايجاد حل لكن دون جدوى رغم محاولات اللحظات الأخيرة التي سبقت الاضراب بساعات.. وتواصلت الاضرابات يومي 30 و31 ماي بالنسبة إلى المعلمين وهو الثاني بعد اضراب يوم 16 من الشهر نفسه حيث تعطلت وهو الثاني بعد اضراب يوم 16 من الشهر نفسه حيث تعطلت لغة الحوار بعد أن رفضت الحكومة كل ما اتفقت حوله النقابة ووزارة التربية وذلك اثر انعقاد مجلس الوزراء الإثنين المنقضي.. الاضراب الآخر الذي لم يكن بالمقدور تجنّبه هو اضراب أعوان العدلية حيث توقف العمل في المحاكم الأربعاء وألغي إضراب اليوم الثاني بعد الاتفاق. اضراب آخر نوعيّ وهام نفذه الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الإستشفائيون الجامعيون الأربعاء والخميس المنقضيين والذين طالبوا بتوضيح وضعيتهم خاصة في كليات الطب إلا أن وزارة الاشراف لم تعترف بهم رغم الدور الذي يقومون به.. بالإضافة إلى الاضرابات العامة الجهوية التي تنطلق بجندوبة يوم 5 جوان وأما الهيئة الادارية بقفصة فقد أقرت مبدأ الاضراب العام الجهوي لكنها لم تحدد موعده بعد علما وأن القصرين كانت أجلت اضرابها إلى ما بعد الامتحانات الوطنية. ------ عدنان الحاجي : الحكومة لا ترى ولا تسمع والاضراب العام هو الحل! ما يحدث في الرديف ومنطقة الحوض المنجمي ككل منذ أشهر دليل قاطع على توتّر المناخ الاجتماعي... إضرابات واعتصامات.. قطاعات حيوية توقفت عن العمل وعن كل ذلك يقول عدنان الحاجي كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل بالرديف وممثل أهالي المنطقة:« ما هو مؤكد هو تراجع الحكومة في التزاماتها وهو أيضا ما يفسر الإضرابات فقد أصبحت الحلول مفقودة والآفاق مسدودة وأمام هذا الوضع ستتطور وتيرة التصعيد بما يقود الى مواجهة مع الاتحاد وأصبحنا نخشى أن يتكرّر سيناريو ما قبل 14 جانفي وشخصيا أن التوجه الداعي إلى اعلان الاتحاد لإضراب عام حتى تحسم الأمور فالتنديد لم يعد يكفي في ظل انتشار مظاهر العنف والاحتقان داخل الجهات.. واضرابات جوع عندنا في الرديف.. وقرروا نقل الاعتصام الى الحدود الجزائرية التونسية..». كما يقول الحاجي:« نحن لم نلمس شيئا فالحكومة لا تسمع ولا ترى ولا نعرف أي مصير فحتى الميزانية التكميلية لم ينفّذ منها شيء وقطاع الفسفاط متوقف عن العمل نتيجة اعتصام العاطلين عن العمل في السكك الحديدية ولهذا لا بد من حسم المعركة أمام العبث السياسي..».