كيف نوفّق في رسم سياسة أمنيّة ناجعة دون الإنزلاق إلى نظام بوليسي؟ التّحصّن بالمساجد هل هو خطّ أحمر أمام التّدخّل الأمني؟ إلى أيّ مدى تحترف النقابات الأمنيّة السّياسة؟ عفوا.. يا معالي الوزير قد يكون السيّد علي العريض من بين وزراء «الترويكا» القلائل الذين فرضوا الاحترام على الأصدقاء والفرقاء..ورغم أن توليه وزارة الداخلية في ظرف انتقالي حسّاس ودقيق والبلاد ما زالت لم تتعاف بعد من عوارض الاستبداد والجور كانت تجربة محفوفة بالمخاطر ومغامرة غير مضمونة العواقب والنتائج بالنظر للصورة القاتمة التي ترسّخت في أذهان التونسيين حول هذه الوزارة بالذات التي كانت مجرّد آلية للقمع وتنكيل.. فانّ هذه الوزارة كانت محلّ تجاذب بين إئتلاف «الترويكا» نفسها وكلنا يذكر التسريبات التي كانت تؤكّد قبل تشكيل الحكومة أن هذه الوزارة كانت محل نقاش مطوّل بين الأحزاب الحاكمة حاليا لكن حركة النهضة المدججة بالأغلبية التأسيسية لم تسمح لشريكيها بأن يضع أي منهما يده على وزارة سيادة خاصّة وزارة الداخلية.. العريض الذي وجد نفسه يعود إلى نفس المكان الذي زجّ به فيه كسجين رأي ويعذّب في غياهب أقبيته ,كوزير لوزارة بدت متقبلة وغير مستقرة منذ الثورة, ورغم جسامة المسؤولية سرعان ما بدأ العريض يلفت الانتباه الى مثابرته في عمله وجديته وتصرّفه كرجل دولة بعيدا عن المزايدات والمهاترات السياسية ورغم أننا كنّا نستشعر منه أحيانا تردّدا.. لكن خطواته الأولى كرجل دولة جلبت له الاحترام والتقدير من كل الشعب ومن نواب الشعب بما في ذلك نواب المعارضة.. لتحصل الانتكاسة عقب أحداث شارع بورقيبة المؤسفة ولعل الدموع التي غالب معالي الوزير لاخفائها في المجلس التأسيسي وسهام النقد تنهال عليه من كل حدب وصوب تعبير صادق عن عثرة الوزير في تقدير الموقف رغم يقيننا بأن المسألة لا تبدو يسيرة في تسيير دواليب وزارة محكومة بمصالح متضاربة وبآراء مختلفة وبتجاذب نقابي وبنوايا إصلاح وقوى جذب الى الوراء.. علامات الأسى والحزن التي كانت بادية على ملامح الوزير في تلك الفترة , اعتبرناها علامة صحية لوزير ناضل وظلم وأراد تحكيم ضميره في مهمته العسيرة بمعادلتها الصعبة تحقيق الأمن وإصلاح المنظومة المهترئة.. لكن ما على معالي الوزير أنه وبعد 6 أشهر من مهمته على رأس وزارة المتاعب لم يحكم بعد قبضته على كل دواليبها ولم يجد ربما الشجاعة الكافية ليحسم في قضايا نعترف أنها ملغومة وأنها متى انفجرت قد تسبب شظاياها عاهات لا يمكن محوها..لكن أحيانا يتطلّب الأمر بتر عضو ليتعافى باقي الجسم. ------ مجرد سؤال أي مشروعيّة لتجاهل وزارة الداخليّة ؟ توجهنا بجملة من الأسئلة إلى وزارة الداخلية لتسليط الضوء على انجازاتها لتحقيق أمن الوطن والمواطن وخططها الإستراتجية لتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وطلبنا إجراء حوار صحفي مع وزير الداخلية أو أحد معاونيه للإجابة على أسئلة الشارع الحارقة والردّ على كل اتهام يوجّه للوزارة لإنارة الرأي العام بالمعلومة الصحيحة ومن مصادرها الرسمية وإرساء قاعدة للتعامل المهني والحضاري بفتح المجال للرأي والرأي المخالف. ورغم محاولاتنا المتكررة عبر الاتصال بالمكتب الإعلامي وإرسال فاكس يتضمّن كل الأسئلة إلى الناطق الرسمي للوزارة بتاريخ 13-06-2012 على الساعة الواحدة ونصف بعد الزوال وتكرار عملية إرسال الفاكس إلا أن الداخلية رأت أنه من المناسب أن تتجاهلنا في إطار سياسة كاملة ينتهجها المسؤولون وهو عدم ايلاء العناية اللازمة للإعلام المكتوب مقارنة بالمرئي والمسموع محبذين الظهور التلفزي ربما لأنه أقصر طريق إلى الشهرة و»الناخبين» متناسين أن للإعلام المكتوب قراء من الشعب من المفروض أن نبدي نحوهم بعض الاحترام بتوفير المعلومة الصحيحة في ابانها التي هي حق للإعلامي وللمواطن أيضا وليست مجرّد «مزية». -------- لسعد اليحمدي (نقابة قوات الأمن الداخلي) : الوضع الأمني.. يزداد تعقيدا بات العمل النقابي الأمني في الآونة الأخيرة محل جدل سياسي وشعبي ومستهدفا باتهامات خطيرة لعل أبرزها «احتراف السياسة».. وقد أكّد لسعد اليحمدي المقرّر الأول للجنة الوطنية للمراقبة المالية للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي في لقاء معه على ضرورة تكليف لجنة برلمانية تهتم بالشؤون الأمنية لها من الكفاءة والنزاهة يكون من مهامها النظر في تعيين كبار القادة الأمنيين أسوة بأمريكا وألمانيا وغيرها وذلك لضمان ارتباطهم بلجنة كاملة وليس بشخص واحد حتى لا يكون بمثابة ولي نعمتهم كما وقع في السابق بالنسبة للمخلوع.. هذا المقترح كان تفاعلا مع السؤال المتعلق بكيفية التوفيق في رسم سياسة أمنية ناجعة دون الانزلاق إلى نظام بوليس قمعي.. ويضيف اليحمدي «رسم المخططات الأمنية الكبرى فيما يتعلق بتحديد المخاطر والمهددات وطرق التصدّي لها. تشريك أساتذة جامعيين من قانونيين وحقوقيين وأحزاب وخبراء أجانب ونقابات أمنية وإطارات أمنية للنظر في إعداد المقترحات والحلول لمواجهة الإخلالات الميدانية الأمنية (عمليات حرق المراكز الأمنية) وإعداد دليل ميداني لتدخّل رجل الأمن». وقد أكّد محدثنا كذلك على ضرورة إحداث وكالة أمنية قارة للطوارئ تتكون من قيادات أمنية مشهود لها بالكفاءة العالية تشرف على التدخّل في فضّ الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات غير القانونية وتهتم بإعداد الدراسات والمقترحات في التدخلات الأمنية الناجعة وبأقلّ الأضرار مع احترام مبادئ حقوق الإنسان سواء بالنسبة للمارقين أو رجال الأمن وبالتنسيق الكامل مع اللجنة البرلمانية وبوزير الداخلية. سألت محدّثي هل أن التحصّن بالمساجد هو خط أحمر أمام التدخّل الأمني الناجع؟ فأجاب «ليس هناك خط أحمر عندما يتعلق الأمر بالمساس بأمن تونس وزعزعة استقرارها وأمن مواطنيها، وديننا الحنيف المعتدل لا يجيز التحصّن بالمساجد للمارقين على القانون، ودرءا لكل الإشكاليات وتجنّبا لأيّ مساس بالمشاعر الدينية فالمطلوب إصدار نص قانوني وليس نصا ترتيبيا صادرا عن جهة واحدة حول التدخّل في المساجد». وسألته أيضا ما هو تقييم نقابة قوات الأمن الداخلي للوضع الأمني في هذا الظرف الدقيق؟ الوضع الأمني يزداد تعقيدا في غياب إجماع وطني حول المخاطر التي تهدّد استقرار الأمن القومي.. وقد حان الوقت أن تستعمل الدولة حقها في اللجوء للقوة حسب القانون وهي الجهة الوحيدة المسموح لها بذلك ضدّ كل من استضعف الدولة واعتدى على أمنها وأمن مواطنيها. ويبقى الأمن من شأن كل مواطن تونسي وكل سياسي وكل حقوقي وكل رابطي وكل نقابي فعلينا جميعا التضامن معا للوقوف صفا واحدا وقطع الطريق على كل النفوس المريضة التي لا ترغب في استقرار البلاد. -------- عماد بالحاج خليفة (اتحاد نقابات الأمن) : نرفض اللجنة البرلمانية.. ونريد أمنا بعيدا عن السياسيين الأحداث الأخيرة برهنت بما لا يدع مجالا للشك أن الأمن «مكبّل» بقرارات سياسية وأنه يمكن أن يتدخّل بنجاعة متى أصابت سلطة الإشراف في تقدير الموقف.. في اتصال بعماد بالحاج خليفة الناطق باسم اتحاد نقابات الأمن أجاب عن التساؤلات التالية، كيف نتوقى من الانزلاق إلى نظام بوليس قمعي ونوفر الحماية للمواطن في الآن نفسه، بالإضافة إلى رأيه في مقترح لجنة برلمانية تعنى بالشؤون الأمنية وتكون منبثقة عن المجلس التأسيسي.. في مستهل حديثه معنا يقول «التوفق في رسم سياسة أمنية ناجعة دون الانزلاق إلى نظام بوليسي قمعي يقتضي تأمين مقتضيات الأمن الجمهوري الوطني والمحايد وذلك بالالتزام الكلي بتطبيق القانون بعيدا عن كل التجاذبات السياسية وغيرها..» لكن الاتهام باحتراف السياسة مازال يوجّه لكم من أكثر من طرف، فأفادنا «كأمنيين وكاتحاد وطني لا تعنينا هذه المزايدات، ونحن أرفع من الدخول في نقاشات جانبية لا فائدة ترجى من ورائها، فنحن نقوم بواجبنا الأمني تجاه الوطن والمواطن ولا ننتظر جزاء ولا شكورا كما لا ننتظر التعليمات للقيام بالواجب الذي تمليه علينا ضمائرنا كأمنيين.. وإذا كانت غيرتي كأمني على وطني وعلى المواطن تسيّسا، فبورك هذا التسيّس.. سألته أيضا هل أنت توافق على فكرة لجنة برلمانية تعنى بالشؤون الأمنية، فأكّد أنهم يدافعون على أمن جمهوري محايد بعيدا عن السياسيين باختلاف مشاربهم.. وإذا كان هناك حرص على استقلالية الأمن عن كل تجاذب سياسي فيجب التنصيص في الدستور على أمن جمهوري محايد.. وبالنسبة للتحصّن بالمساجد من قبل بعض المارقين، فقد أكّد أن هناك قيادات أمنية معنية باتخاذ القرارات الملائمة في ظروف مشابهة.