لم يجد "إيف لوكوك" المنشط التلفزيوني والمطرب وخاصة المقلد المشهور لشخصيات فنية وإعلامية وسياسية واجتماعية فرنسية صعوبة تذكر في الإستحواذ بالكامل على انتباه جمهور المسرح البلدي بالعاصمة لدى افتتاحه في سهرة السبت الدورة الثانية لمهرجان الضحك بتونس. المهرجان الذي انطلق يوم 26 جانفي الجاري ليتواصل إلى 2 فيفري القادم تنظمه مؤسسة "ياليل للإنتاج" وتدعمه وزارة السياحة وعدة هياكل على غرار البنك العربي لتونس وشركة تونزيانا وإذاعة موزاييك وغيرها أما أبرز سمة للمهرجان فتتمثل في أن كل مداخيله تعود إلى اتحاد المدارس المختصة والمندمجة بتونس وهي منظمة غير حكومية ذات صبغة عمومية تأسست سنة 2001 وتسخر جهودها لفائدة الأطفال ذوي الإحتياجات الخصوصية وإدماجهم في المجال المدرسي بالخصوص. شيراك وساركوزي فاتحة برنامج المهرجان كانت أكثر من مشجعة. إذ أن الجمهور أقبل بكثافة كما أن العرض أسعد على ما يبدوالحضور. يكفي أن ندلل على ذلك بالضحك العالي وبالتصفيق الحار طيلة مدة العرض. إيف لوكوك معروف بالخصوص من خلال تقليده الناجح جدا لشخصيتين بالأساس هما الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والصحفي والكاتب المعروف "باتريك بوافر دارفور". ولئن اختتم برنامج العرض الذي قدمه بصوت هذا الأخير فإنه قدم فقرة مطولة ومنسجمة مع آخر الأحداث السياسية في فرنسا بالنسبة لجاك شيراك. وقد أكد لوكوك في هذه الفقرة إلمامه الكامل بأدق التفاصيل فيما يخص شخصية الرئيس شيراك حتى أنك تكاد تنسى أن الأمر يتعلق بتقليد للشخصية. والتقليد لدى الذين يحذقون هذا الفن ليس فقط تقليدا للصوت وإنما يقع في هذه العملية تلبس كامل بالشخصية. شيراك الذي أطل علينا- من خلال لوكوك - بلباس مغربي في إشارة إلى التحول الذي طرأ على الشخصية بعد انتهاء مدة حكمه لفرنسا ودخوله في مرحلة التقاعد استعرض مختلف المحطات والأشخاص الذين كانوا مهمين خاصة في تجربته السياسية. وكانت كل المواقف مضحكة وطريفة جدا دون أن تكون مبتذلة أوفيها تقليل من شأن الرجل بل على العكس قدم "أيف لوكوك" شخصية لطيفة وخفيفة الظل حتى وهويتعرض لمشاكل الرئيس الأسبق اليوم مع عدالة بلاده. لا يمكن بالطبع أن يكون العرض ناجحا ما لم يتضمن فقرة هزلية حول الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي الذي تعتبر شخصيته مادة خصبة للفكاهيين ولجماعة الكاريكاتور ولمختلف وسائل الإعلام بصفة عامة التي تتلقف أخباره بلهفة. إيف لوكوك الذي يقدم كل شخصية بلباس يراه أقرب ما يكون إلى تمثلات الجمهور الواسع لها إختار الزي الرياضي لنيكولا ساركوزي المشهور به وهو المتمثل في تبان قصير وقميص. ظهر لوكوك على الركح وهو يركض مقلدا طريقة ساركوزي في ذلك وكان هذا المشهد الهزلي لوحده كفيلا بحمل الجمهور على الضحك ملء القلوب إلى درجة أن صدى القهقهات كان مسموعا في أرجاء المسرح. المواقف التي عبر عنها على لسان الشخصية كانت بدورها مثيرة للضحك على غرار تصريحات ساركوزي حول القطيعة التي قامت حولها حملته الإنتخابية بالكامل. لا يمكن استحضار شخصية الرئيس الفرنسي الحالي طبعا دون الحديث عن علاقته بالمال وبالأثرياء ودون الحديث عن الترفيع في راتبه الشهري بنسبة 140 بالمائة ودون الخوض في حياته الخاصة وبالتأكيد طلاقه من "سيسيليا" وزواجه القريب من " كارلا بروني". وبما أن إيف لوكوك يبذل جهدا كبيرا في جعل الشخصية المقلدة قريبة جدا من الشخصية الأصلية فإنه نجح في تقليد هيئة ساركوزي ومظهره الخارجي في حين كان آداؤه أقل على مستوى الصوت ونبراته عكس ما يحدث مع شخصية شيراك التي يتلبس بها بالكامل. استعراض لنجوم الفن ومواقف جد طريفة اشتمل العرض على كرنفال مر أثناءه عدد كبير من الشخصيات الفنية على ركح مسرح مدينة تونس: فرانس غال، لارا فابيان، باتريسيا كاس، ميراي ماتيو وفرانسواز آردي وغيرهن وقد استعان لوكوك بممثلتين في آداء الشخصيات النسائية. هو بنفسه يقوم من حين لآخر بآداء شخصية نسائية عندما تكون أوصافها تمكنه من ذلك. من الوجوه الفنية الرجالية قدم بالخصوص كل من جوداسان وإنريكوماسياس ودجوني هوليداي الذي خصه بفقرة أطول من البقية ذلك أن شخصية دجوني المثيرة وأسلوبه على الركح وأسلوب حياته كذلك تشكل بدورها مادة ثرية يستغلها الفنانون الفكاهيون والمقلدون بالخصوص كما ينبغي. من بين الفنانين الذين يبرع لوكوك براعة خاصة في تقليدهم نذكر كل من كلود فرانسوا ودايف وباتريك برويال وكانت الفقرة الخاصة بهذا الأخير طريفة جدا ذلك أن إيف لوكوك أحيانا يقتصر على تقليد صوت الفنان وأحيانا أخرى يقدم فقرة هزلية حوله بالتوازي مع آداء مقطع من أغنية له وأثارت الفقرة الخاصة بالشاب خالد موجة إعجاب لدى الجمهور فقد ركز لوكوك بوضوح على الحركات المميزة لملك الراي على الركح، دون أن ننسى حسن تقليده لصوته كما لا ننسى بالطبع شهرة الشاب خالد بمنطقة المغرب العربي. جمع غفير من المطربين الفرنسيين وحتى من الممثلين على غرار آلان ديلون وشخصيات اجتماعية على غرار السيدة ديفونتناي رئيسة هيئة ملكة جمال فرنسا المشهورة إلخ احتفى بهم إيف لوكوك بتونس كما كانت له جولة بالخارج قادته مثلا إلى الفنان العبقري فرنك سيناترا. ومن بين اللحظات المثيرة في هذا العرض تقديم شخصية زوجة الرئيس الفرنسي السابق برناديت شيراك في شكل بعيد عنها كل البعد. برناديت المعروفة بهيئتها الكلاسيكية والرصينة تحولت إلى فنانة وقدمت لوحة راقصة على طريقة شباب الراب وقد ضحك الجمهور مطولا إزاء ذلك. لم يهمل إيف لوكوك المنشطين بالتلفزة خاصة المشاهير من بينهم وقد برع في تقليدهم على غرار باتريك سيباستيان (فرنسا 2) ونيكوس (ستار أكاديمي بتي آف 1) وطبعا كما سبق وذكرن باتريك بوافر دارفور والراحل جاك مارتان في مشهد طريف تخيله صاحبه وجمعه مع نيكولا ساركوزي في مدرسة المغرمين التي كان يقدمها جاك مارتان كل يوم أحد. استغرق العرض حوالي ساعة وربع ولكنه كان ثريا جدا حتى أننا نخال أنه دام وقتا أطول وكان طريفا خفيفا وقد ساعد الجمهور الذي يعرف مختلف الشخصيات المقلدة أوالتي خضعت للكاريكاتور صاحب العرض على تقديم فقراته المتعددة براحة تامة حتى أنه لم يكن مدعوا لتقديم شخصياته إذ كان الجمهور يضحك بتلقائية ويتفطن إلى الشخصية منذ اللحظة الأولى. الجميل في العرض أنه متكامل فيه الموسيقى من خلال العازفين المرافقين على الركح أو من خلال الفقرات المسجلة وفيه الرقص بإمضاء "لي كوكات" المشتقة من اسمه على غرار "لي كلودات" اللواتي كنا ترافقن كلود فرانسوا مثلا وفيه الفقرات الهزلية الضاحكة والتقليد بعيدا عن الإبتذال أواستسهال فن التقليد.