عاجل :وفاة مدرب إماراتي تهزّ تظاهرة القفز الحر في تونس    تفاصيل نسب الزيادات السنوية في أسعار المواد الاستهلاكية..    عاجل/ سقوط طائرة بهذا المطار..وهذه حصيلة الضحايا..    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..    عاجل/ جريمة مروعة: شابين يقتلان صديقهما حرقا..وهذه التفاصيل..    أخبار النادي الإفريقي .. الشريمي غير مؤهل والصغيّر في جرجيس    غدا انطلاق موسم التخفيضات .. صولد غير جاذب للتاجر والمستهلك!    بتعلة فشل المفاوضات مع المقاومة .. إسرائيل تلوّح باحتلال غزّة    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    استراحة صيفية    مع الشروق : صدّقوه... لم ير إبادة ولا مجاعة في غزّة !    أضرار فلاحية في القصرين    رئيسة الحكومة.. مبادرة الإسكوا فرصة مهمّة لتطوير الاستثمار    اللجنة الأولمبية التونسية تحتفي بالبطل العالمي أحمد الجوادي بعد إنجازه التاريخي في مونديال سنغافورة    الترجي الجرجيسي ينتدب المدافع مكرم الصغير    الرابطة المحترفة الاولى - طارق جراية ينسحب من تدريب مستقبل قابس    برنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية في تونس يطلق "تقييم الهشاشة متعددة الابعاد" لارخبيل قرقنة لتعزيز الصمود المناخي المحلي    سليانة: تحسّن موسم الصيد البري الحالي مقارنة بالمواسم الفارطة    قابس: وفاة شخصين وإصابة 7 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في حادث مرور بالطريق الوطنية رقم 1 بمارث    وزارة الشؤون الدينية تكرم مكتب حجيج تونس    الكاف: تكريم الفنانة صليحة في افتتاح الدورة 49 لمهرجان بومخلوف الدولي    مناضلون من التيار الشعبي يدخلون في إضراب جوع رمزي دعما لغزة من أجل رفع الحصار    نابل: متابعة الوضع البيئي بالجهة وبحث سبل رفع الاخلالات البيئية بمختلف البلديات    عاجل/ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعلن..    وسط حضور قياسي: مرتضى الفتيتي يتألق بمهرجان بلاريجيا الدولي    وزير الشباب والرياضة يُكرّم الجمعيات الرياضية الصاعدة ويؤكد على دعمها    بطولة كرة اليد: الكشف عن الرزنامة .. ودربي العاصمة في الجولة السابعة    الحماية المدنية: 568 تدخلا منها 142 لإطفاء حرائق خلال ال24 ساعة الماضية    وليد الصالحي يمتع جمهور باجة الدولي    واشنطن تحدد هدفا إيرانيا وترصد مكافئة مالية لمن يدلي بمعلومات حوله    زغوان: رفع 163 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية المنقضي    خزندار: القبض على عنصر مصنف خطير محل تفتيش ومحكوم بالسجن    انفجار يخت سياحي وتسجيل اصابات في صفوف المصطافين..وهذه التفاصيل..#خبر_عاجل    دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!    عاجل: وفاة فنان مصري مشهور داخل دار المسنين بعد صراع مع المرض    شنوّا يلزمك باش تاخذ قرض من بنك في تونس؟    مسؤول يوضح: ''لا اختراق شامل لمنظومة التوجيه... والتحقيق متواصل''    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    السنة الدراسية على الابواب : معلومات مهمّة لازم يعرفها المعلم و التلميذ    تأكلها يوميًا دون أن تعلم: أطعمة تقلل خطر السرطان ب60%    تُعطّس برشا ومكش مريض؟ هاو علاش!    التراث والوعي التاريخيّ    تواصل فعاليات الإقامة الفنية لمشروع"دا دا" للفنان محمد الهادي عقربي إلى غاية يوم 6 أوت الجاري    جامع الزيتونة ضمن سجلّ الألكسو للتراث المعماري والعمراني العربي    تثمين الموقع الأثري بطينة: تعاون علمي تونسي فرنسي وجهود ترميم متقدمة    زفيريف ينتفض ليُطيح بحامل اللقب بوبيرين من بطولة كندا المفتوحة للتنس    صور أطفالكم على الفيسبوك ؟ شوف القانون شنوا يقول    بارفان ب5 د و على الطريق ؟ رد بالك تضر صحتك و هذا شنوا يستنى فيك    قيس سعيّد: التعليم الوطني هو السلاح الحقيقي للتحرّر    سوسة: سلاحف بحرية مهددة بالاندثار تخرج إلى شاطئ القنطاوي في مشهد نادر    عاجل: زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب هذه البلاد    واشنطن تدين قرار وضع الرئيس البرازيلي السابق قيد الإقامة الجبرية    بنزرت/ حجز 5,45 طن من مادة الدلاع وإعادة ضخها في المسالك القانونية..    الصربي ديوكوفيتش يعلن انسحابه من بطولة سينسيناتي الأمريكية للتنس    حملات لوحدات الشرطة البلدية تسفر عن القيام ب 54 عملية حجز    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    اكتشاف علاج واعد لأحد أخطر أنواع سرطان الدم    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفية وعقدة الانتماء.. سماحة الإسلام في تعدد الأفهام
نشر في الصباح يوم 28 - 06 - 2012

منذ اليوم الأوّل من انخراطه في نشاطات بعض من ينسبون أنفسهم للفكر السلفي، يُحاط الفرد بجملة من الفتاوى والأفكار والأعمال تجعله يعتقد أنّه دخل من الجاهليّة إلى الإسلام، وأن لا سبيل له لممارسة إسلامه إلا في إطار الجماعة السلفية، وأن كلّ ما هو خارجها جاهليّة وضلال،
فترى الواحد منهم إذا تحدّث عن نفسه وتطوّر أحواله منذ أن عفا عن لحيته وقصّر قميصه، قال: لقد منّ الله علي بالإسلام بعد أن كنت في جاهلية جهلاء... ويقصد بالجاهليّة كلّ المجتمع الذي تركه خارج الجماعة، ويظن بذلك أنّ الحركة قدّمت له الإسلام الصحيح، وأن ليس في الدنيا فهم للإسلام أسلم وأصح من الفهم الذي قدّمته له خطب القادة والمشايخ... وتتطوّر به هذه العقدة إلى أن تكبّل فكره وعقله، ويصير عاجزا عن قبول الآخر عموما، وقبول الآخر الإسلامي خصوصا الذي ينتمي إلى فهم آخر غير فهمه، وينصهر كلّيّا في قوالب فكريّة وسلوكيّة جامدة جاهزة تعوقه عن فهم الطبيعة المرنة للإسلام الذي جعلت منه العناية الإلهيّة دينا تتعدّد فيه الأفهام، وقابلا للتطوّر والتأقلم في جوهر شريعته مع البيئات الحضاريّة والاجتماعيّة المتغيّرة في الزمان والمكان، وهذا القول ينسحب أيضا على بعض التنظيمات الإخوانية التي أضفت على مشايخها ثوب العصمة والقداسة والإلهام. ولا أدلّ على ميزة التعدّد في الفهم وحركية الشريعة لديننا الحنيف ممّا ذكره المؤرخون عن الإمام مالك بن أنس، حين ردّ على الرشيد الذي سمع منه الموطأ فعزم على حمل النّاس على الموطأ كما حمل عثمان النّاس على القرآن، فقال له: أمّا حمل الناس على الموطأ فليس لذلك سبيل، نّ أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم افترقوا بعده في البلاد، فعند أهل كلّ مصر علم، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اختلاف أمّتي رحمة. لقد كان فهم هذا العالم الجليل الذي عاش في القرن الثاني للهجرة، فهما منطقيّا وعقلانيّا يتماشى وروح الإسلام وتعاليمه السمحة، فقد رفض حمل النّاس على فهمه وأقرّ بتعدّد الأفهام، ولم يستنقص من إسلام أحد اختلف معه في الرأي.. إنّ السّلف الصالح من جيل العلماء الأول، وضعوا أخلاقيّة علميّة لتطوير الأفهام وتنويعها حسب مقتضيات كلّ عصر وظروف كلّ مصر، مهتدين في ذلك بالسنة الشريفة وبآي القرآن الكريم، وأمّا المعاصرون من الحركات الإسلامية السلفيّة الذين يعيشون عصر العلوم ونشأة النظريات، فمنهم من يدّعي العصمة لفهمه للدّين، ويستنقص من إسلام كلّ من لا يعتقد في فهمه ولا ينتمي إلى حزبه، وربمّا تطرّف بعضهم في دعواه، فكفرّ النّاس ورماهم بالزندقة والإلحاد..عقدة الانتماء هذه، حالة مرضيّة ابتُلي بها فرعون من قبل، فبغى في الأرض وبنى سياسة دولته على مبدأ ما أريكم إلا ما أرى..
إن أيّ حركة سياسيّة كانت أو دينيّة، ترفض الاجتهاد والتّعدّد في الفهم وفي السياسة، تشترك موضوعيّا مع طغاة العالم في الانفراد بالرأي وأحاديّة الفكر، وادّعاء العصمة والزّعامة والإلهام.. هذه الحالة، وصف لنا القرآن أعراضها، فتدبّرها جيل الصّحابة والعلماء التابعون من بعدهم، فنبّهوا الأمّة إلى مخاطرها، وحذّروا من الوقوع فيها، فكانوا لا ينكرون على بعضهم البعض الاختلاف في الفهم، بل يعتذرون ويقولون: هذا رأيي وهذا رأيك.. كما كان يفعل ذلك الإمام أبو حنيفة النعمان، حين يردّ على الاختلاف بقوله: قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا.. فالإسلام يتّسع لكل الاجتهادات، خطأ كانت أم صوابا (وَليْسَ عَليْكُم جُنَاحٌ فِيمَا أخْطأتُم به) (الأحزاب:5)... إنّ عُقدة الانتماء التي تحمل أصحابها على الاعتقاد بأنّ انتماءهم أحسن انتماء، وأنّ حزبهم يمثّل الإسلام الصحيح، وأنّ كل نقص في ولاء الفرد لهم هو نقص في إسلامه، وأنّ الخروج عنهم هو خروج عن الإسلام، وانخراط في المجتمع الجاهلي، هي التي كانت سببا في إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين، وتشويه الإسلام، وذلك بالخلط بين الانتماء إلى الإسلام كدين سماوي، وبين الانتماء إلى حزب سياسي قال عن نفسه أنّه يستمدّ حقيقته من حقيقة الإسلام، وأنّه يملك أحسن الأفهام لهذه الحقيقة، بل يقول بعضهم بأنّهم يملكون الحقيقة المطلقة، وعليه نّ من عاداهم فقد عادى الحقيقة الأزليّة، وهي الله.. وهذا غلو وتطرّف ما أنزل الله به من سلطان، فالحقيقة أجزاء تشترك فيها كلّ العقول على اختلاف أجناسها ودياناتها، وتصوغها الأفهام حسب الأمزجة والثّقافة والتكوين، ولا يملك العلم الكامل والحقيقة المطلقة إلا الله (وَمَا أوتِيتُم مِنَ العِلم إلاّ قليلاً) (الإسراء:85)، فما أنتجه العقل البشري في مجالات الفكر والفلسفة والسياسة والاقتصاد والاجتماع عبر التّاريخ، هو ثمرة هذا الاشتراك في أجزاء الحقيقة، وثمرة الاختلاف فيها، فلا يحقّ لأحد التكلّم باسم الحقيقة المطلقة، واحتكار منهج واحد للفهم، وتغليبه على كل الأفهام، لأنّ ذلك اعتداء على قدسيّة الحقّ الدّائم الله، وانتهاك لحرمة الإنسان الآخر الذي نتساوى معه في الإنسانيّة والتكريم الاهي للخلق من بني آدم، وفي ذلك فساد للحياة وللعمران... كان النّاس على عهد النبوّة يفقهون هذا، كما أنّ التابعين من أهل الرأي والعلم كرّسوا هذه المعاني، فقد قال أحدهم للخليفة عمر بن عبد العزيز: لو جمعت النّاس على شيء واحد.. فقال: ما يسرّني أنّهم لم يختلفوا.. ثم كتب إلى الآفاق: ليقضي كلّ قوم بما اجتمع عليه فقهاؤهم.. كما ورد عن عون بن عبد الله قوله: ما أحِبُّ أن أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يختلفوا، فإنّهم لو اجتمعوا على شيء فتركه رجل، ترك السّنة، ولو اختلفوا فأخذ رجل بقول أحدهم، أخذ السّنة.. وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه أرسل مبعوثا إلى جماعة من الخوارج، فقال له موصيا إيّاه: لا تحاجّهم بالقرآن، نّه حمّال أوجه... إنّ القطع باسم الإسلام تعسّف على الدّين ومصادرة له، وكهانة حيث لا بابويّة ولا كهانة في الإسلام، تجيز كما هو الشأن في الكنيسة للبابا وحده التكلّم باسم الله، وتخوّل له حق التفسير الإلهي للنّص، فالله قد خلق النّاس مختلفين، حتّى تختلف انتماءاتهم، فتتطوّر الحياة، وينمو العمران، وتزدهر الحضارة (وَلوْ شَاءَ رَبّكَ لجَعَل النّاسَ أمّة وَاحِدَة، وَلا يَزالونَ مُخْتلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّك) (هود:118) هذا الاختلاف وهذا التنوّع هو أروع ما جاء به الإسلام لتحقيق إنسانيّة الإنسان، ودفعه نحو حركيّة دائمة للبناء والإعمار.
بقلم: الأستاذ محمد الحبيب الأسود*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.