بالنظر لجدية التجارب الديمقراطية القائمة راهنا في مجمل بلدان المغرب العربي الكبير.. وبالنظر ايضا لما لهذه التجارب على اختلاف أشكالها من أهمية في توفير الأسس الصلبة والضرورية لبناء كيان تكاملي مغاربي منشود يكون قادرا على مواجهة التحديات التنموية والأمنية التي تواجهها شعوب المنطقة.. فإنه يمكن اعتبار اجتماع وزراء خارجية دول المغرب العربي الخمس المنعقد منذ امس الاول الاثنين بالعاصمة الجزائرية والمخصص لبحث قضايا الأمن بالمنطقة بمثابة مسعى لابد منه لحماية وتحصين هذا المدّ الديمقراطي الوليد الذي يشهده الفضاء المغاربي.. نقول هذا لا فقط اعتبارا لأهمية العامل الأمني عادة في عملية التأسيس والتمكين للتجارب الديمقراطية وإنما اعتبارا أيضا لذلك الحضور القوي واللافت الذي أضحى للجماعات الارهابية وعصابات الجريمة العابرة للحدود في جغرافية المنطقة وداخل بعض دولها (مالي والساحل الافريقي خاصة) وما منْ شكّ أن مجرد تزامن ظهور مثل هذه الجماعات الارهابية المتطرفة وتصاعد نشاطها مع تنامي المدّ الديمقراطي في البلدان المغاربية تحديدا يمثل لا فقط تهديدا جديا لهذا التوجه الاصلاحي وإنما ايضا للأمن القومي المغاربي ذاته اعتبارا لكارثية الطروحات «الفكرية» والعقدية لهذه المجموعات المتطرفة والمنبتة بل والدخيلة ثقافيا وحضاريا على المنطقة.. إنّ التصدّي لما بات يعرف بمحاولات «أفغنة المنطقة» أضحى يمثل ضرورة أمنية وحضارية بأتم معنى الكلمة يجب ان تضطلع بها كل القوى الحية (أحزاب سياسية، وجمعيات..) فضلا عن دور الأجهزة الرسمية لدول المنطقة المطالبة بدورها بان تصوغ «مقاربة مغاربية موحدة» ووضع آليات للتعاون العملياتي في مجال مكافحة الارهاب والجريمة العابرة للحدود.. كما دعا لذلك وزير الخارجية الجزائري في افتتاح الاجتماع. أجل،،، فالتحديات الكبرى التي باتت تواجه الدول المغاربية وديمقراطياتها الوليدة على اختلاف «نماذجها» أضحت تتطلب المزيد من اليقظة والوعي والتأهب لا فقط الأمني واللوجستي وإنما أيضا الايمان بأن أمضى سلاح لمواجهة الارهاب ومظاهر البؤس الفكري والتخلّف السياسي في المنطقة انما يتمثل في مزيد الاصرار على المراهنة على الديمقراطية والاصلاح السياسي وردّ الاعتبار لارادة الشعوب في وضع الخيارات الكبرى التي تهم مستقبل الأوطان والأجيال في المنطقة المغاربية.