خلافا لكل الأعراف الدبلوماسية رفض الرئيس الأمريكي أثناء جولته الشرق أوسطية الأخيرة وضع إكليل من الزهور على ضريح القائد الشهيد ياسر عرفات الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي يمثل رمز الوطنية الفلسطينية، وعلى العكس من ذلك لم يتوان جورج بوش عن زيارة متحف الهولوكست في القدس بل وأعاد التأكيد على "يهودية دولة إسرائيل". ويأتي هذا الاعتراف امتدادا لاعتراف سابق من رئيس أعظم دولة تدعي دفاعها عن أسس ومبادئ الأممالمتحدة فقد سبق لبوش أثناء افتتاح مؤتمر أنابوليس أن أبلغ ضيوفه العرب اعترافه بالكيان الصهيوني "كوطن قومي للشعب اليهودي" ولم يصدر عن الوفود العربية الحاضرة أية اعتراضات أو استنكارات أو حتى بعض التحفظات, بل يبدو أن هؤلاء القادة العرب _عبر مشاركتهم في مؤتمر أنابوليس_ قد اعترفوا بيهودية إسرائيل،ألم يضع ألمرت شرط الاعتراف بدولة إسرائيل اليهودية كمنطلق لكل مفاوضات قمة أنابوليس؟ بل وأضاف بلهجة ملؤها الوعيد والترهيب: "كل من لا يعترف بذلك, لا يمكنه التفاوض معنا". وبالتالي فان دخول العرب إلى هذه المفاوضات يعني ضمنيا الاعتراف بيهودية إسرائيل. هؤلاء العرب وجهابذة العلمانيين لم يحركوا ساكنا إزاء هذه الدعوات واعتبروها أمرا يخص إسرائيل، إسرائيل التي يجب أن نتعلم منها الديمقراطية والتعددية !! كما يرى هؤلاء وهم الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لما فازت "حماس" في انتخابات المجلس التشريعي بل وشاركوا في حملة أو "جريمة" قطع الإمدادات الغذائية عن الشعب الفلسطيني بدعوى الخوف من قيام "حكومة إسلامية" شبيهة بحكومة تورا بورا؟.لقد بين رئيس الوزراء السابق أرييل شارون الرؤية الإسرائيلية للدولة اليهودية المزعومة وذلك أثناء مؤتمر العقبة سنة 2003 حيث قال "إن الحل الذي نقبله ولا نقبل سواه هو أن يكون الأردن وطناً للفلسطينيين، وبإمكان أي فلسطيني في أي مكان كان، بما في ذلك عرب (إسرائيل) التوجّه إلى الأردن وإقامة دولتهم فيه، وأردف قائلاً: "هذا هو الحل العملي الذي يوفّر علينا وعلى الفلسطينيين العذابات وعدم الاستقرار، ف(إسرائيل) من البحر إلى النهر لن تكون إلا دولة يهودية نقية، وقد حملّنا وزير السياحة اقتراحًا يقضي بإسكان أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة في العراق، وتجنيسهم بالجنسية العراقية؛ للإسهام في عملية تحقيق توازن بين الشيعة والسنة"، وقد كان رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ذلك الوقت "تستطيع إسرائيل أن تسمي نفسها بما تريد وهذا ليس شأننا" . ان رضوخ الفلسطينيين لهذا المطلب الإسرائيلي سيكون له عدة تداعيات على القضية الفلسطينية أولها الاستحواذ على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية والمقدرة بنسبة 23% من جملة الأرض وذلك عبر التأكيد على شرعية الاحتلال ويهودية الأرض المغتصبة. ثانيا، إذا استجاب الفلسطينيون لهذه الدعوات فان ذلك يعني إسقاط حق العودة أي إجهاض القضية الفلسطينية برمتها فإسرائيل ترمي من وراء دعوتها للاعتراف بها كدولة يهودية إلى إسقاط أي اقتراح فلسطيني أو دولي يقضي بعودة المهجرين (الذين هجروا من ديارهم سنة 1948) إلى حدود إسرائيل وأن يصبح أمر اللاجئين يخص الفلسطينيين وحدهم، فإسرائيل تريد أن تحصر مشكلة عودة اللاجئين في أقل حدود جغرافية وهي تحاول منع عودة فلسطينيين إلى إسرائيل كرمز لتنفيذ مطلب "عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها" . ثالثا إن سعي الكيان الصهيوني إلى الحصول على الاعتراف بصفته اليهودية وذلك لتحقيق الحلم الإسرائيلي بترحيل مليون ونصف المليون عربي وهو عدد العرب الموجودين داخل إسرائيل والذين يسمون بعرب 48 بالتالي ترحيل الدفعة الأخيرة من الفلسطينيين وإلحاقهم بباقي اللاجئين (إن صار يمكن أن نسميهم لاجئين) وهو ما يعني إكمال المشروع الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية. إن إعادة تأكيد جورج بوش على يهودية إسرائيل يصب في إطار حرص الرئيس الأمريكي على تنفيذ وعده الذي قطعه على نفسه في الرابع عشر من أفريل 2004 والذي ألزم إدارته بضمانات أمريكية لإسرائيل تتعهد واشنطن بموجبها بعدم العودة لحدود 67 وبعدم تفكيك المستعمرات الاستيطانية المحتلة وبعدم عودة اللاجئين اعترافا بيهودية إسرائيل، وذلك طبقا للرسالة التي بعثها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون والتي سماها الفلسطينيون آنذاك "وعد بلفور الثاني". فحاذري يا فلسطين!! انه وعد بلفور الثاني الذي سيكمل المشروع الصهيوني باغتصاب كامل الأرض التاريخية لفلسطين وترحيل آخر فلسطيني من الأراضي المقدسة الطاهرة