أصبح موضوع التبسيط الإداري، ، محلّ عناية دولية توضع له استراتيجيات وتُعقد حوله الملتقيات في إطار تكريس مقوّمات «الحكم الرشيد» (الحوكمة). ولا يمكن في تونس الثورة عدم إيلاء الموضوع العناية التي يستحق من خلال وضع استراتيجية تحدّد الأهداف التي من شأنها مجابهة تحدّيات المرحلة. فرغم ما تم تحقيقه من إصلاحات على مستوى تبسيط الأساليب والإجراءات الإدارية، على غرار إحداث الفضاءات الموحّدة لإسداء خدمات إدارية أوتقليص عدد الوثائق والآجال المتعلّقة بالحصول عليها لم يرق موضوع التبسيطات أو التبسيط الإداري إلى مستوى اعتماد استراتيجية بشأنه تكرّس مبادئ وقيما جديدة وترتقي بالمجتمع بكلّ مكوّناته، في علاقته بالإدارة، إلى مستوى الشريك الفاعل مما أثّر على قيمة الإنجازات حيث لا تزال الإدارة تشكو عديد النقائص ومنها بالخصوص: - تعدّد الإجراءات والمتدخّلين في مسار العمل الإداري - كثرة الوثائق المطلوبة وعدم الالتزام بالآجال - انعدام الشفافية والمساءلة وضعف المراقبة - الغموض واختلاف تأويل النصوص - مركزية القرار - ارتفاع الكلفة - عدم الإيفاء بالالتزامات ونظرا إلى دقّة المرحلة التي تمرّ بها البلاد وصعوبة الرّهانات التي يتطلّب تحقيقها مساهمة فاعلة من قبل إدارة عمومية شفّافة وذات مصداقية تعمل على تذليل العقبات وتجاوُز العراقيل الإجرائية لدفع نسق التنمية وفق الآليات المعتمدة دوليا لتيسير حصول الأشخاص على الخدمة ودعم تنافسية الاقتصاد واستقطاب الاستثمار، تبرز الحاجة إلى استراتيجية لتبسيط أساليب عمل المصالح العمومية وإجراءاته، استراتيجية تساند مختلف جهود الإصلاح قوامها النجاعة ومكافحة الفساد بما من شأنه تكريس علاقة حضارية داخل الإدارة وبينها وبين مختلف مكوّنات المجتمع وذلك وفق رؤية واضحة تتمثّل في أن تكون إدارتنا: إدارة ناجعة وشفّافة في خدمة المجتمع والتنمية. ويمكن أن يبادر البعض بالقول بأن هذا من سبيل الشعارات، التي تعوّدنا عليها دونما تنفيذ. ورغم أنّ هذا صحيح نوعا ما إذا ما عرفنا أنّ جلّ المبادرات والبرامج كانت «مشخصنة»، مرتبطة بأشخاص بزوالهم تُبتر ولا تنفّذ أو أنّها كانت لغاية نيل الرضا وتواصل تجديد الثقة وضمان عدم التزحزح من على الكرسيّ، فلينظر القائل بذلك إلى أسباب عديد التوتّرات والإشكالات التي عرفتها البلاد وتعرفها حاليا لوجدها تعود إلى إجراءات وأساليب عمل غير شفّافة تجاوزها الزمن لا يتمسّك بها سوى من يخاف أن يكون تجاوزه الزمن. وبناء عليه وباعتبارها أداة تنفيذ سياسة الدولة، لا «ذراع» شخص ما، وباعتبارها تستمدّ وجودها من خدمتها للمجتمع كافة فالإدارة في حاجة بالخصوص إلى استراتيجية وطنية لتبسيط إجراءاتها وأساليب عملها من شأنها تكريس: - الشفافية والمصداقية - العدل والإنصاف - المقاربة التشاركية - مراعاة خصوصية الجهات - التقييم والمساءلة ومن الأهداف الاستراتيجية لهذه الاستراتيجية المساهمة في إرساء مقوّمات الإدارة الرشيدة من خلال: - تكريس علاقة حضارية داخل الإدارة وبين الإدارة والمتعاملين معها - زيادة نجاعة الإدارة وتفعيل دورها في التنمية - مكافحة الفساد ويمكن تفريع تلك الأهداف كما يلي: 1. إرساء علاقة حضارية داخل الإدارة وبين الإدارة والمتعاملين معها: ويقوم على الاهتمام بحاجيات المتعاملين مع الإدارة والموظّفين وتطلّعاتهم على السّواء بما يجعلهم شركاء فاعلين في مسار تنمية البلاد. ومن أولوياتها الاستراتيجية: - مراجعة توقيت العمل الإداري - تفعيل دور الجهة والمجتمع المدني في مجال تبسيط الأساليب والإجراءات الإدارية - تبسيط الأساليب والإجراءات المتعلقة بممارسة نشاط اقتصادي - الحدّ من مركزية القرار 2. زيادة نجاعة الإدارة وتفعيل دورها في التنمية: وهذا الهدف رهين تقليص كلفة الإدارة وترشيد الإنفاق العمومي من خلال تقليص كلفة الإجراءات الإدارية وحسن استعمال الموارد المالية المتاحة مع مراعاة خصوصية الجهة. ومن أولوياته الاستراتيجية: - تقليص الكلفة وترشيد النفقات العمومية - وضع برنامج لتقليص العبء الإداري - تبسيط الأساليب والإجراءات المتعلّقة ببعض الخدمات المطلوبة بكثافة 3. مكافحة الفساد: فالمرحلة الحالية التي تمرّ بها تونس، تعتبر فرصة تاريخية لوضع خطة لمكافحة الفساد الإداري خاصة حيث يجد الفساد الإداري منفذا من خلال التشعّب وعدم الوضوح على مستوى الإجراءات والأساليب المتعلقة بالقيام بالعمل الإداري وذلك في إطار خطة وطنية شاملة لمجابهة الفساد بكل أشكاله. ومن أولوياته الاستراتيجية: - تفعيل دور الهياكل الرقابية - وضع مدوّنة سلوك داخل الإدارة - إرساء آلية قانونية للإبلاغ عن التجاوزات - مراجعة الأساليب والإجراءات المتعلقة بالانتداب في الوظيفة العمومية. ومحتوى الاستراتيجية المقترح هو للانطلاق منه لوضع استراتيجية وطنية يشارك في وضعها كلّ الأطراف المعنيين وبالتالي تكون نابعة منهم وفق حاجياتهم وانتظاراتهم بشكل يضمن حسن التنفيذ ولا يمكن أن تكون سوى دعما لاستراتيجيات أخرى في مجالات أخرى أحادية الهدف وهو النهوض بالبلاد والعباد. ومن شأن ذلك التوجّه نحو بناء تقليد العمل وفق استراتيجيات مصادق عليها بما يضع حدّا للارتجالية والبرامج على «هوى المسؤولين». بقلم: فتيحة شارني البريني *موظفة بمصالح الوزير المكلف بالاصلاح الاداري