ما يحدث في التشاد نتيجة منطقية لتراكمات تعود إلى عقود وتشترك فيها معظم البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء وأحد تجليات إشكالية البحث عن هوية ل"الدولة" في إفريقيا ودورها وما إذا كانت تلك البلدان قد تخطت الجانب النظري في إرساء الدولة ومؤسساتها أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجموعة من الدول شاءت القوى الاستعمارية أن تظهر إلى الوجود في سياق تاريخي معين وغايات محددة. فليس صدفة أن تكون إفريقيا أكثر القارات التي شهدت حروبا أهلية أسفرت عن آلاف القتلى والمشردين في بلدان لم تهنأ باستقلالها وظلت منقوصة السيادة بفعل تجاذب القوى الاستعمارية السابقة والجديدة التي فوتت على البلدان المعنية فرص التنمية والبناء إضافة إلى أن تجار السلاح والطامعين في الثروات الطبيعية غيروا مسارات تلك البلدان وعمقوا تخلفها وشاركوا في إهدار أموالها بالتستر على فساد الطبقات السياسية. وليس من قبيل الصدفة أيضا أن تتصرف فرنسا مع بعض مستعمراتها السابقة جنوب الصحراء من موقع التملك وليس التعاون أو الشراكة وهذا ما يعبر عنه ب"فرنسافريقيا" حيث استمرت الرعاية والحماية لتك البلدان والتدخل في شؤونها الداخلية بل أن حتى الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران لطالما شعر بالامتعاض من تصريحات رئيس بوركينا فاسو الراحل توماس سانكارا الذي حاول بناء بلاده بالاعتماد على النفس غير أن مجرد انقلاب في أكتوبر1987 كان كفيلا بوضع حد لحياته وأفكاره ثم طويت الصفحة. كما اعتقد المراقبون في منتصف عام 2007 أن فرنسا بصدد القطع مع سياستها" التقليدية " تجاه إفريقيا عندما تحركت السلطات المعنية في اتجاه التحقيق في ممتلكات خمسة من رؤساء دول إفريقية واقعة جنوب الصحراء غير أن العملية سرعان ما وئدت. وأمام تنامي المنافسة بين فرنسا والولايات المتحدة وبدء تمركز الصين في القارة دخلت نزاعات إفريقيا مرحلة التدويل واقتسام مناطق النفوذ في ظل المعطيات الجديدة المستندة إلى ما تسفر عنه عمليات الاستكشاف للثروات الطبيعية وما يشهده إقليم دارفور السوداني خير مثال على المنافسة الشديدة على الثروات المنجمية. كان يفترض أن تكون التشاد وغيرها من البلدان الإفريقية قد تجاوزت الصعوبات والأزمات وأن يسودها الاستقرار وتتفرغ شعوبها المتعطشة للحياة إلى التنمية ولكن تمر العقود وتبقى العقليات الغربية على حالها تجاه بلدان لا يرى فيها الغرب سوى مصدر للثروة أما الإنسان هناك فغير موجود وإن اعترف له بذلك فلكي يكون في خدمة المستعمر الجديد.