لاقت مؤخرا القناتان الوطنيتان الأولى والثانية جملة انتقادات بسبب نوعية الصور المتحركة التي تعرضها للأطفال. «الصباح الأسبوعي» استعرضت محتوى البعض من مشاهدها هذه الصور وتحدثت إلى المختصّ في علم نفس الطفل صلاح الدين بن فضل وعائدة غربال المندوبة العامة لحماية الطفولة حول هذا الموضوع. عادة ما يطمئن الأولياء عندما يجلس أبناؤهم أمام جهاز التلفاز لمشاهدة صور متحركة ظنا منهم أنّها وسيلة ترفيهية لا غير وبأنّها لا ترسّخ أفكارا مسمومة في أذهان الأطفال، لكن ما يلاحظ في قنواتنا التلفزية تحديدا العمومية هو بثّ بعض الصور المتحرّكة التي لا تمتّ لواقع الأطفال بصلة. فعندما تعرض القناة الوطنية الأولى خلال شهر رمضان المعظم صورا متحرّكة لطفلين يرتديان حجابا ويبحثان في كيفيّة تحويل جنسهما من ذكر إلى أنثى بغاية عدم صيام شهر رمضان وعدم أداء الصلوات باعتبار أنّ العادة الشهرية للفتاة تفرض عليها ترك الصلاة والصيام لأيام محددة شهريا. فهل يعني ذلك أنّ وظيفة الصور المتحرّكة الترفيهية بالأساس تغيّرت وباتت تمثل ترسيخا لقيم وأخلاق جديدة بعيدة كلّ البعد عن مجتمعنا وديننا وثقافتنا؟ فكيف لطفل يبلغ من العمر 3 أو 6 سنوات أن يستوعب تلك الفكرة؟ وماذا إن تقبلها؟ هل من المنطقي أن نعلم أبناءنا مسائل كهذه؟ لباس أفغاني القناة الوطنية الثانية بثت بدورها خلال شهر أوت الماضي صورا متحركة تكون فيها الأمّ منقبة والطفلة ترتدي حجابا والطفل يرتدي لباسا أفغانيا، ولسائل أن يسأل هنا أين هي هويّتنا التونسية؟ لكنّ الصور المتحركة التي يقع تمريرها لا تقتصر على حجاب أو جنس أو نقاب، وإنما نجد من الصور المتحركة التي تكرّس العنف واللباس الخليع والتي من شأنها أن تصبح مصدرا لنشر أفكار معينة عوض الترفيه. في هذا الإطار، ارتأت «الصباح الأسبوعي» الحديث مع صلاح الدين بن فضل المختص في علم نفس الطفل الذي اعتبر تلك الصور المتحركة سلعا مستوردة من شأنها تكريس ثقافات دول أخرى، قائلا: «هناك نوع من التلاعب السياسي، ولا أعتقد أنّ اختيار الصور المتحرّكة يتمّ بصفة اعتباطية، فحتى منتجي هذه الصور واعون بالرسالة التي يريدون تكريسها في ذهن الطفل، وهذا هو التلاعب الأيديولوجي والسياسي بعينه». وأكد الدكتور بن فضل أنّ هذه الصور الكرتونية تسبّب اضطرابا كبيرا في شخصية الطفل، قائلا: «إنّ شخصية الطفل في هذه المرحلة تكون في طور النمو والبحث عن التوازن، وليس من المنطقي أن نمرّر للطفل امرأة منقبة أو عارية أو نحدّثه عن الجنس مستغلين الشخصيات الكرتونية والألوان لتحقيق غايات محددة مسبقا». استعمال سياسي للصورة وأمام تأكيده على كونه يمنع أبناءه من مشاهدة الصور المتحركة التي تبثّ على القنوات التلفزية التونسية خاصة العمومية، دعا المختص في علم نفس الطفل الأولياء إلى مراقبة محتوى الصور المتحركة التي يشاهدها أبناؤهم، مشدّدا في هذا الإطار على وجوب تشريك المختصين في اختيار برامج الأطفال. وأشار في هذا الصدد إلى البرامج التي يحضرها فتيان وفتيات بحيث يقع الفصل بينهما، قائلا: «هذا هو الاستعمال السياسي للصورة، لقد أصبحنا اليوم نتبّع التوجه السياسي على حساب نموّ الطفل، فلماذا نرسّخ في أذهانهم فكرة الفصل بين الجنسين، وعلى العكس فالفصل بينهما هو الذي يدفع إلى ترسيخ الجنس، ولا داعي للإقصاء فعندما ترتدي جميع الفتيات اللاتي يحضرن في الأستوديو حجابا وكأننا نقصي الفتيات غير المحجبات ونشعرهنّ أنّهنّ غير عاديات، وهذا أمر غير معقول وليس مقبولا». قريبا ندوة وطنية في الغرض ونظرا إلى حساسية الموضوع ودور سلطة الإشراف في الإحاطة بالأطفال وضمان حقوقهم وحمايتهم، اتصلت «الصباح الأسبوعي» بعائدة غربال المندوبة العامة لحماية الطفولة التي نددت بما يقع تمريره من رسوم كرتونية تكرّس العنف والجنس والهوية التي لا تتماشى مع هويتنا التونسية، قائلة: «من المؤسف أن لا يقع تشريكنا لاختيار برامج الأطفال، فهذا أمر ضروري خاصة أنّ هناك من يتاجر بالأطفال ولا يحترم أخلاقيات المهنة، فقد وقع للأسف تسييس بعض الصور المتحركة وتمييع أخرى». وردّا على سؤالنا حول وجود برنامج مستقبلي يعمد إلى تنظيم هذه المسألة، أجابت محدّثتنا: « نحن نفكّر في تنظيم ندوة وطنية قريبا يشارك فيها أهل الاختصاص من علماء نفس واجتماع ومندوبي حماية الطفولة وأولياء ومؤسسات إعلامية تتناول قضايا الطفل والإعلام، لأننا نلاحظ وجود تجاوزات ولا بدّ من القضاء عليها». وفي ذات السياق، شددت غربال على دور الرقابة على وسائل الإعلام في الوقت الحالي للحدّ من هذه التجاوزات وحماية الطفل. تجذب الصور المتحركة عددا كبيرا من الأطفال الذين يتأثرون بالرسوم وبالشخصيات الكرتونية التي تكرّس قيما تساهم في تشكيل هويّة ومبادئ جديدة للأطفال بعيدة كلّ البعد عن هويّتنا، وهو ما من شأنها خلق عدم توازن في شخصية الطفل، مثلما أكدّه المختص في علم نفس الطفل صلاح الدين بن فضل. ولذلك، يبقى تشريك مختلف الأطراف في لجنة استشاريّة تقرّر برامج الأطفال التي يقع بثها، الحلّ الأفضل والاستعجالي للحفاظ على توازن الطفل وبذلك توازن المجتمع والحفاظ على قيمه.