مع تواصل بثّ سلسلة "دار الوزير" على قناة نسمة يتأكد لدينا أن العنوان لم يكن موفقا تماما وكان من الأفضل لو أطلق على السلسلة العنوان التالي:"بستاني دار الوزير". فالبطل المطلق لهذا العمل الذي يطرح على أنه عمل كوميدي هو البستاني ضو. فشخصيته الشخصية الأكثر حضورا وهي التي نجدها في مختلف المواقف وكأن السلسلة استعراض لهذه الشخصية في مختلف أحوالها. من المفروض أن العمل يركز على شخصية الوزير المخلوع اسماعيل الذي يتقمّصها الممثّل كمال التّواتي حيث أن أحداث السلسلة تتعلّق بوزير مخلوع أطاحت به الثورة الشعبيّة تماما مثلما أطاحت بالنظام السياسي الذي كان قائما بالكامل ولكن قدر المشاهد أن يجد نفسه محاصرا بشخصية البستاني في مختلف مشاهد العمل وكأنّ السلسلة تمت صياغتها وفق مقاسات هذه الشخصية بالذات البستاني الذي صيغ العمل استجابة لمقاساته
كل المشاهد وكل المواقف في هذا السيتكوم تؤدي إلى ضو لبستاني. فهو في مطبخ العائلة التي تشغّله وهو في صالونها وهو في غرف النوم بالطابق الأعلى وهو في حمامها وهو في كل صغيرة وكبيرة تخص العائلة. المشكل أن مختلف المواقف التي يظهر فيها ضو البستاني ليست بالضرورة خفيفة ولا فكهة بل على العكس فإن مساحة ظهور هذه الشخصية المبالغ فيها تجعلها سببا مباشرا في الشعور بالملل إزاء أحداث هذه السلسلة. لا يعني ذلك أن الممثل يونس الفارحي الذي ساهم كذلك في كتابة السيناريو يفتقد لإمكانيات في الآداء ولكن آداءه في هذا العمل بدا نمطيا وفاقدا للتلقائية اضف إلى ذلك أنه بدا في هذه الشخصية الجديدة وكأنه يواصل دور"ببوشة"في نسيبتي العزيزة ولكن بالإستفادة من مساحة أوسع في الظهور. وقد أثّر توزيع الأدوار والعلاقة بين الشخصيات التي نجد أحيانا أنها لا تستجيب لأي منطق على العمل ككل فكان ثقيلا في أغلب مشاهده ومملا في كثير من الأحيان. كل ذلك رغم مجهودات كمال التواتي الذي يتمتّع بإمكانيات كبيرة في الآداء وبالتالي بدت أغلب المواقف التي من المفروض أنها كوميديّة غير قادرة على اقتناص ضحكة المشاهد بل على العكس عدة مشاهد تبعث على الإشمئزاز أو هي تدفع نحو تغيير القناة. سوء استغلال طاقات الممثلين كمال التواتي بدوره لم يسلم من فخ التكرار ففي عدد من المواقف يبدو وهو يكرر نفسه خاصة في علاقته بوالدته "للاّ فريدة " ويعود ذلك ربما لآدائه نفس الدور أمام نفس الممثلة(منى نور الدين) في سيتكوم "شوفلي حل" الذي تقمّص فيه شخصية سليمان الأبيض الطبيب النفساني وتم بثه في عدة أجزاء. ما عدا ذلك فإن كمال التواتي اجتهد كثيرا في آداء شخصيته غير أن السيناريو جعله يبدو وكأنه مكتوف الأيدي وأحيانا في التسلل ذلك أن شخصيته مقيدة بالعلاقة ببقية الشخصيات وبالأحداث.
إنه باستثناء بعض الشخصيات التي كان حضورها خاطفا على غرار صلاح مصدق الذي قدم شخصية لطيفة فإن أغلب شخصيات هذه السلسلة تبدو فاقدة لأي أهمية ومن بينها من كان حضوره استعراضيا لا غير على غرار شخصية نصيرة (ممثلة جزائرية) زوجة الوزير المخلوع التي إذا ما وضعنا جانبا جمالها وأناقتها فإننا نتساءل ماذا يبقى في الذاكرة من هذه الشخصية؟ لا يكاد يحدث شيء في هذه السلسلة التي توقعنا أن توفر للمشاهد فسحة لطيفة في أجواء رمضان الذي حل بيننا هذا العام في طقس حار جدا وثقيل. لا أحداث تذكر ولا حكاية يمكن أن تثير الإنتباه ولا مواقف هزلية وطريفة. يكاد لا يحدث شيء يثير الإنتباه رغم أن أحداث العمل تقوم على فكرة مثيرة للفضول. القصة تدور حول وزير تغيرت حياته راسا على عقب بعد الإطاحة بالنظام مما اضطره لينتقل للعيش بمنزل والدته التي تملك منزلا كبيرا ولها امكانيات مادية كبيرة. الوالدة وهي متقدمة في السن تعيش في عالمها الخاص الذي يجعلها سجينة الماضي ماض عائلة من العائلات الكبرى بتونس التي استفادت من النظام المخلوع. فرحات هنانة ويونس الفارحي: أي ثنائي في هذا العمل؟ منى نور الدين أصبحت متخصصة في هذه الأدوار ولم تجد صعوبة في تقمص شخصية الوالدة فريدة ذات الأحوال المتقلبة والعجوز المتسلطة بقي أن وجود منى نور الدين وكمال التواتي وتولي المخرج القدير صلاح الدين الصيد اخراج العمل لم يكن كافيا كي يحقق العمل ما هو مطلوب من أي عمل كوميدي هزلي وساخر. أي الإفادة والترويح. المشكل يكمن في السيناريو وفي توزيع الشخصيات ذلك أن شخصية النوري الطباخ التي تقمصّها فرحات هنانة مثلا الذي أثار الإنتباه من خلال دوره في مسلسل نسيبتي العزيزة(المنجي صهر الراحل سفيان الشعري في السيتكوم) لم يحالفها نفس النجاح في هذا العمل خاصة وأن وجودها وجها لوجه مع شخصية البستاني في مشاهد عديدة لم يخدمها والحقيقة أنّ فرحات هنانة ويونس الفارحي لم يشكلا ثنائيا مثيرا في هذا العمل. كوثر الباردي التي أدت شخصية حليمة مديرة المنزل لم تقدم في هذا العمل أفضل أدوراها ذلك أن السمة المشتركة في سلسلة " دار الوزير" تتمثّل في سوء استغلال طاقات الممثلين وحشرهم في مشاهد ومواقف ثقيلة بعيدة عن المرح وعن خفة الروح التي توقّعناها من عمل يجمع عدة وجوه من الكوميديين الحقيقييّن لكن السيناريو الضعيف والخلل في مستوى توزيع الشخصيات ونسبة حضورها والمنطق الغريب الذي يحكم العلاقة بينها فوّت على جمهور المشاهدين فرصة الإستفادة من عمل كان يعد بأن يكون جيدا لاسباب من بينها خبرة صلاح الدين الصيد في اخراج هذه النوعية من الأعمال وتمرس الممثلين وخاصة كمال التواتي ومنى نور الدين وكوثر الباردي في الأدوار الكوميدية.