يا أيها الإنسان ماذا أصابك حتى تتنطع وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «هلك المتنطعون» روي عن ابن مسعود. والمتنطعون هم المتعمقون المتقعرون في الكلام الذي يرومون بجودة سبكه سبي قلوب الناس، يقال «تنطع الرجل في علمه إذا تنطس فيه» وقال الزمخشري «وأراد به النبيء عن التماري والتلاحي في القراءات المختلفة، وأن مرجعها إلى وجه واحد من الحسن والصواب» وقال النووي «فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدق، وتكلف الفصاحة، واستعمال وحشي اللغة ودقائق الاعرب في مخاطبة العوام ونحوهم» وقال غيره «المراد بالحديث الغالون في خوفهم فيما لا يعنيهم» وقيل المتعنتون في السؤال عن عويص المسائل الذي يندر وقوعها» وقيل «الغالون في عبادتهم بحيث تخرج عن قوانين الشريعة ويسترسل مع الشيطان في الوسوسة» قال ابن حجر «قال بعض الأيمة: التحقيق أن البحث عما لا يوجد فيه نص قسمان: أحدهما: أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه، بل ربما كان فرضا على تعيّن عليه، الثاني: أن يدقق النظر في وجوه الفروق فيفرق بين متماثلين بفرق لا أثر له في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس بأن يجمع بين مفترقين بوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق خير «هلك المتنطعون» فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الاكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا اجماع وهي نادرة الوقوع فيصرف فيهاغ زمنا كان يصرفه في غيرها أولى سيما ان لزم منه اغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه واشد منه البحث عن أمور معينة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها، ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن الساعة والروح ومدة هذه الامة، الى أمثال ذلك مما لا يعرف الا بالنقل الصرف، واكثر ذلك لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به بغير بحث وقال بعضهم مثال التنطع اكثار السؤال حتى يفضي بالمسؤول الى الجواب بالمنع بعد ان يفتي بالإذن كأن يسأل عن السلع التي في الأسواق هل يكره شراؤها ممن بيده قبل البحث عن مصيرها اليه فيجاب بالجواز فإن عاد فقال اخشى أن يكون من نهب أو غضب، ويكون ذلك الزمن وقع في شيء من ذلك في الجملة فيجاب بأنه ان ثبت شيء من ذلك حرم وان تزد ذكره أو كان خلاف الأولى، ولو سكت السائل عن هذا التنطع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز، قال ابن حجر «فمن سد باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الاحكام التي يكثر وقوعها قل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها سيما فيما يقل وقوعها أو يندر فإنه يذم فعله» فمتى يقلع المتنطعون عن تقعيرهم وتشدقهم ويتركون الناس يعيشون في سلام مؤمنين بالله ودينه الميسر؟ فالمتنطعون في خسران مبين، لأنهم يعسرون ولا ييسرون، والإسلام دين يسر.