مدير المهرجان: عرضوا المال مقابل منع العرض و كأنّ الفنّ في تونس قضيّة أموال؟ ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الممثل لطفي العبدلي لمضايقات من أطراف دينية متشددة بسبب نقده اللاذع لبعض المظاهر الاجتماعية والسياسية في بلادنا وجرأة خطابه المسرحي في عمله «مايد إن تونيزيا» وخصوصا في نسخته الأخيرة بعد الثورة « 100 بالمائة حلال». فقد تكررت العملية ليلة أول أمس حينما قررت بعض الأطراف المحسوبة على التيار السلفي بمدينة منزل بورقيبة عدم السماح بعرض مسرحيته بتعلة أن نصها لا يحترم المقدسات ووقفت حاجزا بين صاحب العمل والجمهور وذلك باقتحام فضاء العرض بالمدينة فيما لم تتدخل قوات الأمن بالجهة. الممثل لطفي العبدلي اعتبر هذه الحادثة مواصلة لسياسة الحكومة الحالية قائلا : «حكام تونس بعد الثورة يحاولون تعليمنا الدكتاتورية متوهّمين هيبة خاطئة» مضيفا أنهم في كل مرّة يحاولون إيجاد حلول للتخلص منه ومن عروضه غير أن الجمهور التونسي يسانده ويثبت لهم أنه على حق وما يفعلونه هو اعتداء على حرية التعبير. وأعرب لطفي العبدلي لدى اتصالنا به عن استيائه ممّا يحدث بالنسبة إليه وغيره من الفنانين مطالبا السلط المعنية وعلى رأسهم وزارة الثقافة بتفعيل تصريحاتها وأن لا تقف عند مجرد التنديد. وواصل صاحب «مايد إن تونيزيا 100 بالمائة حلال» أنه لا يخشى هذه العراقيل وسيظل يقدم عروضه لمحبيه من الجمهور التونسي كما شدد على مواصلة نقد ما يراه سلبيا في حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. من جهة أخرى اتصلنا بمدير المهرجان الثقافي والصيفي بمنزل بورقيبة للكشف عن تفاصيل الحادثة فأقر فرج حمدي بصحة الخبر وأكد أن معتمد الجهة قرر إلغاء العرض بعد اقتحام السلفيين لمقر دار الثقافة وذلك حفظا للأمن العام وأضاف محدثنا أنه لا يستبعد أن تكون الحكومة الحالية متواطئة من خلال عدة مؤشرات وخاصة من خلال ممارسات بعض الأطراف بالمنطقة وعلى مستوى المعتمدية والولاية مع السلفيين مشيرا إلى أنه كلمّا تحدثنا عن الحريات الثقافية خرج شعار حماية المقدسات. ولفت فرج حمدي الانتباه إلى أن منطقة الأمن مجاورة لدار الثقافة بمنزل بورقيبة ومع ذلك لم يتدخل الأعوان لمنع السلفيين من اقتحام المكان بل أضاؤوا المكان وقدموا لهم الماء . وقفة احتجاجية بمقر المعتمدية من جهة أخرى أكّد فرج حمدى أن عرض لطفي العبدلي كان مبرمجا منذ أكثر من 15 يوما ولم يقع الاعتراض عليه في ذاك الوقت مرجحا أن تكون هذه المسألة مفتعلة الآن وأضاف مدير المهرجان الثقافي والصيفي بمنزل بورقيبة أن تذاكر العرض وقع بيعها والعديد من أهل المنطقة أرادوا حضور العرض كما أشار محدثنا إلى أن نخبة من الفاعلين في المجتمع المدني والأحزاب السياسية اعتصموا منذ يوم أمس بمقر المعتمدية احتجاجا على هذه الواقعة وما آلت إليه. أمّا محمد بن عمر مدير دار الثقافة بمنزل بورقيبة وهي الفضاء الذي كان من المفروض أن يحتضن عرض العبدلي فصرح «للصباح» أن قرابة 150 شخصا محسوبين على الأطراف السلفية بالجهة اقتحموا مقر عمله من الباب الخلفي وسرقوا ثلاثة فوانيس خاصة بالإضاءة ثم مزقوا ستائر خشبة العرض المسرحي كما هددوا بقتل الممثل لطفي العبدلي مضيفا أنهم قاموا بتعنيفه لفظيا حين دخل لدار الثقافة بعد أن أبلغه العون بما حدث. وقال محمد بن عمر وهو كاتب عام مهرجان منزل بورقيبة إلى جانب مهامه في إدارة دار الثقافة بالجهة أن القائمين على هذه التظاهرة الفنية لم يلغوها وإنمّا المعتمد هو من اتخذ هذه الخطوة مشيرا إلى أن هذا المهرجان منظم من طرف جمعية ومدعم من قبل عديد الأطراف من بينها وزارة الثقافة والمندوبية الجهوية للثقافة الراجعة بالنظر إلى هذه الوزارة. وعن مسألة تغطية السلفيين لخسارة المهرجان وتعويض العبدلي عن عدم إحيائه للحفل أكد مدير المهرجان ومدير دار الثقافة أن أحد السلفيين تعهد بدفع المبلغ المقدر ب5 ألاف دينار وكأن المسألة تتعلق بالمال فحسب متناسيا حق التونسيين في التمتع بحرياتهم ومنها ارتياد الفضاءات الثقافية. بلاغ وزارة الثقافة على صعيد آخر نددت وزارة الثقافة في بلاغ نشرته أمس بهذه الحادثة واعتبرتها تعديا صارخا على حرية التعبير واستهدافا خطيرا للحقوق الثقافية واعتداء على ممتلكات الدولة كما شددت الوزارة على تضامنها مع المبدعين والفنانين مؤكدة أن مصالحها المختصة رفعت الأمر للقضاء. وأعلنت الأحزاب السياسية من جهتها ونشطاء المجتمع المدني بمدينة منزل بورقيبة من ولاية بنزرت في بيان لهم عن استنكارهم لهذه الممارسات الخارجة عن القانون والتي تحد من الحريات الثقافية محملين السلط المحلية مسؤولية إلغاء هذا العرض المبرمج ضمن سهرات المهرجان الثقافي الصيفي بمدينة منزل بورقيبة كما ذكر البيان أن مجموعة من السلفيين اقتحموا دار الثقافة بالجهة وسيطروا على الشوارع المحيطة بها ثم أقاموا الصلاة بالطريق العام. وتجدر الإشارة إلى أن الممثل لطفي العبدلي وإلى جانب عرض مسرحيته «مايد أن تونيزيا 100 بالمائة حلال» في مختلف المهرجانات الصيفية لهذا الموسم يطل على الجمهور خلال شهر رمضان من خلال مسلسل «لأجل عيون كاترين» ويتقمص شخصية «عماد» الضابط الفاسد الذي يمارس كل أنوع التجاوزات من رشوة ومتاجرة بأرواح المهاجرين غير الشرعيين وقمع المعارضة وذلك بالتعاون مع رجل أعمال يرتبط بصلة قرابة مع الرئيس المخلوع حسب ما توحي به أحداث المسلسل.