مكوّنات المجتمع المدني تعتبر رافدا مهما في تماسك المجتمعات وتحصين حقوقها من أي انتهاك للحقوق والحريات الأساسية.. كما تعكس مكونات المجتمع المدني مدى تحضّر الشعوب ورقيها.. ويرى ملاحظون أن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وحتى الأحزاب السياسية في العديد من المجتمعات العربية ودول العالم الثالث باتت مخترقة في أغلبها من قبل أجهزة دول أجنبية تسعى لبسط نفوذها عالميا وحاملة لذهنية استعمارية.. وتبقى الولاياتالمتحدةالأمريكية من الدول المتهمة بسعيها للتغلغل الناعم في الدول.. فالكثير من مراكز البحوث الاستراتيجية وعدد من خبراء العلاقات الدولية يرون أن أمريكا بعد أن استنزفتها حروب خاضتها بطريقة عشوائية وغير محسوبة العواقب وكانت غايتها وضع يدها على مصادر الثروة في بعض الدول والتحكّم في المناطق ذات العمق الجيوسياسي ومصائر الشعوب، اكتشفت أنها جنت خسائر فادحة أكثر مما حققت نتائج مربحة.. لذلك ومنذ بداية 2004 وبعد حربي أفغانستان والعراق واللتين كان لهما انعكاس كارثي على صورة أمريكا في العالم، اتجهت الارادة السياسية للبيت الأبيض نحو ما يسمّى بالاختراق الناعم دون الظهور بتلك العقلية الاستعمارية الحربية وذلك عبر التغلغل في مكونات المجتمع المدني والسياسي برصد التمويلات والاعتمادات الضخمة وخلق "كفاءات" تدين بالولاء لواشنطن وتمدّها بما تحتاجه من معلومات ويؤكّد خبراء أن منطقة شمال افريقيا قاطرة الربيع العربي باتت تثير شهية أمريكا لتثبيت نفوذها وسطوتها.. لكن يرى ملاحظون مطلعون أن التغلغل الأمريكي يواجه صعوبات ميدانية من التواجد الفرنسي الذي استمر من خلال محاولة الفرنسيين ترسيخ التبعية الفكرية والثقافية للمستعمرات القديمة كما أنه بات من غير الخافي أن المنطقة العربية بأسرها أصبحت مرتعا للأجهزة الاستخباراتية الدولية التي ترصد كل التحركات الميدانية وكل التغيرات حتى السوسيولوجية والسلوكية منها... إعداد منية العرفاوي أحمد الكحلاوي: إختراقات للمجتمع المدني و تمويلات مشبوهة لم يستغرب أحمد الكحلاوي رئيس الهيئة الوطنية لمناهضة الصهيونية التغلغل الأجنبي في تونس عبر هيئات وجمعيات ومنظمات غير حكومية ومن خلال ضخّ الأموال الطائلة لتمويل أنشطة جمعياتية.. وحول هذه التمويلات الأجنبية يقول أحمد الكحلاوي: "ممّا لا شك فيه أن الأجنبي إذا حلّ بمكان يخرّبه وإذا كانت في الماضي الخطط الاستعمارية تتم بالقتل والحرب فانه اليوم بتنا نعيش استعمارا من نوع جديد بآليات جديدة مثل تمويل منظمات وجمعيات المجتمع والاختراق الإعلامي وهي كلها آليات للتغلغل الأجنبي في الدول تحت غطاء استعماري مقنّع.. فالمنظمات غير الحكومية الأمريكية أو سفارات بعض الدول الغربية تغلف أعمالها بطابع خيري كأن تقوم بمساعدة بعض الجمعيات والمنظمات العاملة في قطاع الطفولة مثلا بالتمويلات اللازمة للنهوض بأنشطتها وهو عرض مغر من الصعب أن يرفضه نشطاء المجتمع المدني.. وحتى بالنسبة للإعلاميين هناك من وقع إغراؤهم بالمال وبالمشاركة في المنتديات الدولية ليتحوّلوا بعد ذلك إلى مجرّد أدوات تستخدمها جهات أجنبية لتلميع صورتها عبر الاختراق الناعم لمكونات المجتمع.. ويضيف الكحلاوي: بعد الثورة احتدّ الصراع الاستعماري بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا التي مازالت تتعامل مع مستعمراتها القديمة بعقلية الملك المشاع والمركز الثقافي الفرنسي يلعب دورا طلائعيا في هذا المجال.. ففرنسا تعتمد في المقام الأوّل آلية الاستعمار الثقافي فقد دأبت على الإسراف في تمويل الأعمال الثقافية والأدبية التونسية المنتجة باللغة الفرنسية لتدعيم التبعية الثقافية لها كما تحرص على دعم إنتاج الأفلام التونسية والجمعيات الناشطة فكريا وثقافيا، وقد سجّلنا باستغراب مشاركة وزير الثقافة الفرنسي فريديريك ميتران في مظاهرة نسائية تطلب ضمانات دستورية لحقوق المرأة التونسية فما دخل فرنسا في الشأن النسائي التونسي؟ وعلى العكس من ذلك فإن أمريكا توجه تمويلاتها للتحكم في الحراك السياسي من خلال تمويل منظمات تونسية تعمل في حقل التنظير أو العمل الميداني السياسي.. وهذا الاكتساح عبر التمويلات المشبوهة يخفي ضرورة أجندات وغايات سياسية ويشجّع على مواطنة دون وطن". فريدوم هاوس : بيت الحرية.. «المتّهمة» «بتخريب» الحرّيات! بيت الحرية أو "فريدوم هاوس" Freedom Houseهي مؤسسة دولية غير حكومية مقرها واشنطن دي سي، تأسست في العام 1941، تقوم بإجراء بحوث ودعوات حول الديمقراطية، الحرية السياسية وحقوق الإنسان. تحصل بيت الحرية على التمويل من خلال الأفراد، وأيضا من قبل حكومة الولاياتالمتحدة. وتصدر المؤسسة تقريرا سنويا تقيم فيه درجة الحريات والديمقراطية من حقوق مدنية وحرية الصحافة وغيرها في كل بلد حول العالم. وتستخدم منشورات وأبحاث المؤسسة في مجال دراسات العلوم السياسية. وكان الهدف من تأسيسها حينها هو حشد الدعم الشعبي في أمريكا والتأثير على الرأي العام الأمريكي لكي يتحمّس لدخول أمريكا في الحرب العالمية الثانية وذلك بتشجيع وتمويل من الرئيس روزفيلت عندما كانت المشاعر الانعزالية غالبة على الشارع الأمريكي.. دخلت الولاياتالمتحدةالأمريكية الحرب وانتهت لتبدأ بعد ذلك الحرب الباردة التي وجدت لها فريدوم هاوس مجالا آخر لنشاطها. وتقوم فريدوم هاوس باختيار شخصيات اعلامية أو سياسية في بلدانهم لتكوينهم وتدريبهم من خلال عقد المؤتمرات الدولية ودورات التكوين ذات المستوى العالي كما يحظى من تدرّبهم بفرص في تعيينات رفيعة المستوى في بلدانهم وتمنح الدعم والتمويلات والجوائز لجمعيات ناشطة بدعوى نشر قيم الديمقراطية في الدول التي تعيش صعوبات في التحوّل الديمقراطي.. لكن أغلب الملاحظين يعتبرون أن ذلك مجرّد ذرّ رماد في العيون وأن الايمان بالديمقراطية لا يمكن أن يصل حدّ هدر تلك الأموال الطائلة.. دون مقابل !!!! عرش فريدوم هاوس يهتز في مصر منذ بضعة أسابيع فتحت في مصر تحقيقات أجرتها وزارة العدل في ما يعرف بقضية "التمويل الأجنبي بطرق غير مشروعة لمنظمات المجتمع المدني"، وضمّت منظمات المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ومرصد الموازنة العامة لحقوق الإنسان، والمكاتب الإقليمية لمنظمة فريدوم هاوس، والمعهدين "الديمقراطي" و"الجمهوري" الأمريكيين في القاهرة، وجمعية البكر لرعاية الأطفال والأحداث في الجيزة، ومؤسسة أنصار السنة المحمدية، وجمعية محمد علاء مبارك، ومنازل بعض أعضاء حركة 6 أفريل، ومكاتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية.. وذلك بسبب الاشتباه في تلقي هذه المنظمات لتمويلات أجنبية غير معلن عنها.. هذه التحقيقات جعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية تهب لنجدة منظماتها غير الحكومية متوعدة المجلس العسكري بسوء العاقبة ان لم يوقف التحقيق ويفرج على المتهمين الأجانب. وحذرت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون من ان واشنطن قد تعيد النظر في المساعدات الامريكية لمصر في حال استمرار الحملة الامنية على المنظمات الاهلية. كما أجرى وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا اتصالا هاتفيا مع المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر لحثه على الإسراع بإلغاء حظر السفر المفروض على المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي. فريدوم هاوس في تونس.. ماذا تفعل ؟ تذكر مصادر إعلامية أنه في ماي 2001، استمعت لجنة المنظمات غير الحكومية التابعة للأمم المتحدة للحجج المعارضة لفريدوم هاوس. حيث عبر ممثلو كوبا أن المنظمة هي أداة السياسة الخارجية الأمريكية ومرتبطة بوكالة المخابرات المركزية ومع تقديم حجج وأدلة عن أنشطة فريدوم هاوس التي نفذت تدخلات سياسية ضدّ حكومتهم. كما تساءل ممثل كوبا عن اسباب عدم وجود انتقادات تجاه انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الولاياتالمتحدة في تقارير فريدوم هاوس السنوية بالرغم من ان هذه الانتهاكات كانت موثقة توثيقا جيدا من قبل تقارير أخرى، مثل هيومن رايتس ووتش، واستفسر الممثل الروسي في نفس الجلسة عمّا تدافع هذه المنظمة، وهي منظمة غير حكومية في مجال حقوق الإنسان، ولكنها كانت ضدّ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وادّعت روسيا، التي تمّ وصفها من قبل فريدوم هاوس على أنها "غير حرّة"، فريدوم هاوس بأنها متحيزة واتهمتها بخدمة مصالح الولاياتالمتحدة.. في أحد مؤلفاته ذكر نعوم تشاومسكي أن فريدوم هاوس تنتقد بشكل مفرط الدول المعارضة لمصالح الولاياتالمتحدة، وتتعاطف مع الأنظمة الداعمة لمصالح أمريكا، ويتهم تشاومسكي فريدوم هاوس بأنها ذراع لوكالة الاستخبارات الأمريكية. فريدم هاوس لها نشاط مكثف في تونس ويتهمها بعض الحقوقيين صراحة بأن وراء دعمها لبعض مكونات ونشطاء المجتمع المدني تخفي أجندات تطبخ على نار هادئة.. د. عبد اللطيف الحناشي : الجهات المانحة قد تُحرج المجتمع المدني و تمسّ الدولة كثيرا ما تبدو العلاقة ملتبسة بين الجهات المانحة وخاصّة الأجنبية منها مع المنظمات أو الجمعيات الوطنية التي تتلقى الدعم والتمويل من هذه الجهات لكن يرى ملاحظون أن هذه التمويلات وبالرغم من إحاطتها بالكثير من السرية من جميع الأطراف فانه كثيرا ما تفوح منها رائحة الأجندات الخاصّة التي تريد الجهات المانحة تمريرها وتغليفها بمساعدات تتخذ عناوين مختلفة.. في اتصال بالدكتور عبد اللطيف الحناشي حاولنا تسليط الضوء على جوانب خفية من هذه العلاقة بين الأطراف المانحة والمتقبلة.. في البداية يذكر د. عبد اللطيف الحناشي «تثير علاقة منظمات المجتمع المدني بالجهات المانحة الكثير من الأسئلة والانتقادات فهي تخضع في كثير من الأحيان لبعض أجندات ومصالح الجهات المانحة لذلك يرى البعض أن هذه العلاقة غير بريئة في كثير من الأحيان وقد تمس من سيادة الدولة وقد تضع منظمات المجتمع المدني في إحراج قد تُستغل بعض تلك المنظمات من قبل بعض الأنظمة للتشهير بالمنظمات غير المطيعة.. كما تخضع بعض منظمات المجتمع المدني إلى محاولات توجيه مواقفها وطبيعة أنشطتها من قبل بعض القوى الدولية والإقليمية الرسمية وغير الرسمية، المُمَوّلة لمشاريع تلك المنظمات وخدمة أغراضها السياسية ومشاريعها وبرامجها.. تجفيف المنابع الاجتماعية للأحزاب يؤكّد د. الحناشي «أن منظمات المجتمع المدني تتهم من قبل بعض الأحزاب والمنظمات السياسية بأنها ساهمت في تجفيف المنابع الاجتماعية لتلك الأحزاب التي عرفت ضمورا في حجمها نتيجة لجوء الكثير من محازبيها (لسبب أو لآخر) إلى تلك المنظمات التي توفر على ما يبدو، مناخا أفضل للعمل وربما أسهل وإمكانيات مادية أوسع وضمانات أكثر للعطاء والنشاط من الأحزاب السياسية التي تتهم عادة بالتكلّس الأمر الذي تولد عنه تراجع في دور الأحزاب وإشعاعها الوطني. عدم قدرة تنظيمات المجتمع المدني في العالم العربي على القيام بدور الوسيط (المطالب، الضغط، التأثير...) بين المجتمع والدولة كما هو الشأن بالنسبة إلى المجتمع المدني في الدول الغربية.. وذلك لعدة اعتبارات منها الذاتية، ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف: * الأول، ويتعلق بمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في المجتمعات العربية التي تبدو متفاوتة ولكنها عموماً متدنية وهو ما يحول دون تمكن «المواطنين» من وعي سياسي واجتماعي متقدم الأمر الذي يمنع هؤلاء من إمكانية معرفة حقوقهم ومصالحهم وممارسة حرياتهم وقناعاتهم، بعيداً عن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية اليومية الحادة لتأمين المتطلبات الضرورية كالمأكل والملبس والمسكن وتكاليف التعليم والطبابة. وقد يقول قائل أن تلك البيئة والظروف قد تكون حافزا لمنظمات المجتمع المدني للنشاط والعمل غير أن المهمة تبدو صعبة حتى لا نقول مستحيلة.. * الثاني، ويتعلق بطبيعة البنية الاجتماعية والثقافية السائدة في البلدان العربية، وهي بدورها متفاوتة من بلد إلى آخر غير ان البنية القبلية والعائلية لا زالت سائدة في بعض تلك البلدان في حين تتخذ طابع الجهوية (الانتماء إلى نفس الولاية أو الجهة) دون الحديث عن دور التنوع الإثني في اغلب تلك البلدان. ولكن الأخطر من كل ذلك أن الكثير من منظمات المجتمع المدني تتعامل مع هذا الواقع من خلال تكريس الولاءات الفردية وتشريعها بوعي أو دون ذلك بل قد تستنجد بعض المنظمات بهذا الواقع عند الضرورة الأمر الذي يساهم في تثبيت التفكك الاجتماعي وعرقلة انتقال المجتمع إلى المرحلة المدنية أي: مجتمع المواطنة والقانون والمؤسسات والحداثة. * الثالث، ويتعلق باتهام المشرفين على تلك المنظمات والجمعيات بتحقيق أهداف وغايات ومصالح مادية ومالية شخصية وعصبوية (الارتزاق والفساد المالي والتمعّش) على حساب المصلحة العامة والمبادئ السامية التي تعمل تلك المنظمات من اجل تحقيقها..» عبد الرؤوف العيادي: كرم أجنبي.. لأغراض إستخباراتيّة طالما اعتبر الأستاذ عبد الرؤوف العيادي رئيس حركة وفاء أن البلاد مخترقة منذ النظام البائد من جهات استخباراتية دولية ترتع بمطلق الحرية في بلادنا كما أن بن علي كان عميلا لأكثر من جهاز استخباراتي.. ولا يفوّت العيادي الفرصة للتذكير بالدور الخفي الذي يلعبه الموساد في تونس والذي تعتبر بالنسبة له الحديقة السرية للمخابرات الاسرائلية لمراقبة المنطقة التي تشهد مستجدات غير متوقعة ومخالفة لرؤى مراكز البحث الاستراتيجي الأمريكية والاسرائلية.. في اتصال جمعنا به أكّد العيادي أنه لا شكّ في كون أن هناك العديد من المنظمات والجمعيات التي تتلقى تمويلات مشبوهة ونعتقد أن هناك أغراضا استخباراتية تقف وراء هذه التمويلات ومنها مراقبة دول الجوار وتولي ادارة الملفات الأقليمية الساخنة ولكن هذا الكرم الأمريكي الذي يبرز في شكل هبات وعطايا مجزية تقف وراءه كله أجندات وأغراض لم تعد خافية على العيان فمنطقة شمال افريقيا تبقى منطقة استراتجية في العالم وهي لن تكون بحال بعيدة عن متناول استراتيجية الدول الكبرى التي تتسابق على بسط نفوذها في العالم.. وتبقى شبهات التمويل الأجنبي الملغوم بالصفقات قائمة خاصّة اذا أخذنا بعين الاعتبار أن بعض مكونات المجتمع المدني من منظمات وجمعيات تعقد مؤتمراتها وندواتها ببذخ باد للعيان ويثير التساؤل حول مصدره علما وأن أغلب هذه المكونات تبدو تمويلاتها الرسمية هزيلة».