هل ستشكل تداعيات المسيرة الاحتجاجية التي جدت يوم الجمعة الماضي في محيط السفارة الأمريكية وتسببت في فقدان أرواح بشرية وخسائر مادية جسيمة.. بداية لمراجعة "تكتيك" عمل حكومة "الترويكا" وقوى المعارضة على حدّ السواء؟ وهل سيتم بالتالي التعامل بأكثر جدية مع المبادرات التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من الائتلافات السياسية؟ وهل يمكن للأحداث أن ترسم ملامح جديدة للعلاقات التونسية الخارجية؟ وكيف ستكون تداعياتها الاقتصادية الداخلية؟ في حديث خصّ به "الصباح" قال جمعة القاسمي الإعلامي والمحلل السياسي أن ما حدث مساء يوم الجمعة الماضية ستكون له دون شك تداعيات على المستوى الداخلي التونسي سياسيا واقتصاديا كما أنه من شأنه أن يكون سببا لتغيير السياسات الدولية تجاه الدولة التونسية.. سياسيا.. أفاد القاسمي أن "كل طرف من الأطراف السياسية سيسعى الى استغلال الحادثة لفائدته وتوظيفها سياسيا في إطار العلاقات الدولية وتأثيراتها على الواقع الداخلي، فالمعارضة ستسعى الى توظيف ما حدث بالضغط على الحكومة والتركيبة السياسية خاصة أن الادارة الامريكية التي بدت في الأشهر الاخيرة داعمة لامساك الطرف الاسلامي بمقاليد الحكم وشبه راضية على التحولات التي حصلت في مصر والمغرب وتونس قدمت على خلفية ما جرى أمام السفارة الأمريكية على لسان هيلاري كلنتون ردا يحمل الكثير من مراجعة الذات، كما أن وزير الخارجية الفرنسي اتهم ضمنيا الحكومة التونسية بالتواطؤ والسماح للمحسوبين على التيار الديني المتشدد باقتحام السفارة.." وأوضح: "اذا ما اخذنا بعين الاعتبار الضغط الذي سيرتبط بموعد 23 أكتوبر واتفاق غالبية القوى السياسية على أن شرعية الحكومة تنتهي وفقا للمرسوم الانتخابي لانتهاء الولاية التشريعية للمجلس الوطني التأسيسي وأن هناك محاولة للالتفاف على الالتزام الموثق والالتزام الاخلاقي والقول ان التأسيسي سيد نفسه.. ستكون للمعارضة دون أي شك حرية أكثر في التحرك باتجاه احراج الائتلاف الحاكم ودفعه باتجاه القبول بحكومة وطنية بعيدة عن المحاصصة الحزبية.. اقتصاديا.. وأضاف جمعة القاسمي ان "ما جرى أمام السفارة الأمريكية يؤثر كذلك على تدفق الاستثمارات والحد من الاستقطاب السياسي الأمر الذي ستكون له تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني الذي يشكو أصلا من هنات ومتاعب متعددة ومتنوعة تبدأ بانعدام خطة تنموية واضحة من شأنه ان يعود بالاقتصاد الى ما كان عليه قبل 14 جانفي وهذا ستكون له تأثيرات على التنمية التي بدونها لا يمكن تحقيق ابرز أهداف الثورة وهي الحد من البطالة والتفاوت الجهوي". ردّة فعل الائتلاف.. ورغم كل هذه المخاطر والتحديات التي تبدو ماثلة أمام الائتلاف الحاكم يرى القاسمي أن هناك "خشية من سعي حركة النهضة ومن يساندها في المجلس التأسيسي الى تمرير مشروع مادة دستورية تجرّم الاعتداء على المقدسات وهي مسألة غاية في الخطورة لأنها ستكون بمثابة الفخ أمام حرية الرأي والتعبير باعتبار أن مسألة المقدس تبقى شاملة لا يمكن التطرق إليها في مادة دستورية هي من اختصاص القانون الجنائي". تهديد للحريات.. من جانبها اعتبرت آمنة قلالي ممثلة مكتب منظمة "هيومن رايتس واتش" في تونس أن الاعتداءات التي جدت مساء الجمعة على السفارة الأمريكية "لا تعد الأولى من نوعها، فالمجموعات المتطرفة قامت بتخريب المنشآت الخاصة (نزل ومحلات بيع الخمر) كما كانت مسؤولة عن تهديدات وعنف لفظي في عديد من المناسبات نبهت له منظمة هيومن رايتس واتش في أكثر من بيان لها". ولاحظت وجود "شيء من التهاون من قبل المؤسسة الأمنية حيث لم يتم ايقاف المسؤولين عن الاعتداءات الأمر الذي تسبب في تفاقم هذه الظاهرة واعتبار هذه المجموعات خارج القانون ففي أغلب الأحيان يقع اطلاق سراحهم.." وأوضحت قلالي أن "العنف المتطرف ظاهرة غير معزولة يهدد الحريات والامن الجماعي وفي قول رئيس حزب النهضة أن ما جد أمام السفارة الأمريكية يعود الى عدم وجود فصل يجرم المقدسات هو مغالطة حقيقية فالعنف هو العنف.."، حسب تعبيرها. ويبدو حسب رأيها أن "للنهضة توجها واضحا نحو التمسك بمقترحها للفصل 3 من الدستور الذي يجرم المس من المقدسات ويفتح المجال أمام التأويلات.. الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي على الحريات من شأنه ان يكمم الأفواه والتجربة أثبتت أن مثل هذه القوانين التي صدرت في أفغانستان والسودان تكون مطية لتكميم الأفواه والتضييق على الحريات.."